الوسائل العملية في تربية الأولاد
1ـ النية :ـ
لما كان إنجاب الأولاد عبادة يتقرب بها العبد إلي الله عز وجل ويأخذ العبد عليها الثواب كان لا بد للمربي من نية سابقة في تربيته لولده وماذا يريده من الولد.
قال تعالي (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ {5}البينة .
وقال صلي الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ) رواه البخاري ومسلم .
وقال صلي الله عليه وسلم (وفي بضع أحدكم صدقة) رواه مسلم
لذالك كانت أم صلاح الدين الأيوبي لها نية في زواجها عندما كانت تتحدث مع النساء عن الزواج فقالت أنا لا أتزوج إلا رجلا أنجب منه ولدا يكون علي يديه تحرير بيت المقدس وكانت أيضا نية أبيه فاجتمعت النيتان وأنجبا صلاح الدين الذي كان علي يديه تحرير بيت المقدس من أيدي الصليبين ،وكذلك هند بنت عتبة كانت تسير يوما ومعها معاوية بن أبي سفيان وهو صغير فقال لها أحد الأعراب أصحاب الفراسة يا هند إن ابنك هذا سيسود قومه فقالت ثكلته إن لم يكن سيد العرب وكان في يوم من الأيام معاوية بن أبي سفيان خليفة للمسلمين قاطبة .
صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها تربي ولدها الزبير بن العوام علي الرجولة والخشونة وإصلاح القسي والرمي بالسهام وتشد عليه فعوتبت من قبل بعض أعمامه وقالوا لها إنك تضربينه ضرب مبغضة لا ضرب أم فقالت من قال أني أضربه ضرب مبغضة فقد كذب ولكن أضربه لكي يلب ويهزم الجيش ويأتي بالسلب وكان وتحقق ذلك فكان الزبير ابن العوام رجل الحرب الأول في الإسلام وأول من سل سيفا في سبيل الله عز وجل . وكان ذلك بفضل نية أمه التي كانت تسبق تربيتها لولدها .

2ـ اختيار الأم :ـ
على المسلم أن يختار لأبنائه الأم المسلمة التي تعرف حق ربها، وحق زوجها، وحق ولدها، والأم التي تعرف رسالتها في الحياة، الأم التي تعرف موقعها في هذه المحن، الأم التي تغار على دينها، وعلى سنة نبيها صلى الله عليه وسلم.
وذلك لأن الأم هي المصنع الذي سيصنع فيه أبناؤك وهي المدرسة التي سيتخرجون منها فإن كانت صالحة أرضعتهم الصلاح والتقوى، وإن كانت غير ذلك فالنكال والهوان.
وصدق الشاعر:
الأم مدرســـــة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق
الأم روض إن تعهده الحيا بالري أورق أيمـــــا إيراق
الأم أستاذة الأساتذة الألــى شغلت مآثرهم مـــدى الآفاق

كان أبو الأسود الدؤلي يقول لأبنائه لقد أحسنت إليكم في حياتكم وقبل أن تولدوا فقالوا عرفنا إحسانك في حياتنا فكيف إحسانك قبل أن نولد فقال اخترت لكم أما صالحة .
و لذا فعلى أي رجل مقبل على الزواج أن يحسن اختيار الزوجة الصالح التي يجد فيها القدرة على التربية السليمة و غرس القيم في الأولاد، فان رعاية الأبناء من جانب الأم لا يقتصر على اهتمامها بأكلهم و لبسهم و دراستهم. إنما التربية السليمة هي عبارة عن إضافة صفة حميدة للطفل أو إصلاح سلوك يشوبه. و على سبيل المثال، كان لأم صلاح الدين دور كبير في غرس المعاني السامية في نفسية ابنها. و لقد غرست فيه القدوة من خلال القصة التي كانت ترويها له كل ليلة قبل النوم. فكانت تروى له عن رسول الله صلى الله عليه و سلم، و عن الصحابة رضوان الله عليهم، و عن السلف الصالح رحمهم الله. و لقد روت أم صلاح الدين لابنها قصة أمراء بني أرطق الذين ظلوا ثلاثون عاما يقاتلون الصليبيين قبل ظهور عماد الدين زنكي. فماذا كان تأثير ذلك على صلاح الدين؟
وهل هناك سيرة أفضل من سيرة كل من عمل على رفع راية الإسلام حتى ترويها الأم لابنها في السن المبكرة؟
3ـ الصبر والحلم :ـ
لو أدرك المربي الأجر العظيم الذي يناله من وراء ذلك لبذل كل وسعه وتحلي بالصبر الجميل لأن الإنسان يصبر علي كثير من الناس ولا يصبر علي أهل بيته لأنه لا يستشعر الأجر يقول النبي صلي الله عليه وسلم (موقف ساعة في سبيل الله خير من قيام ليلة القدر عند الحجر الأسود)رواه البيهقي وابن ماجة .
وتذكر النصوص الدالة على الأجر المنصوص عليه من النبي صلي الله عليه وسلم يجعل الإنسان يبذل جهده في تربية الولد .
يقول الله تعالي ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) طه {132}. ما إن نزلت هذه الآية إلا وقد وقف النبي  على خيمة ابنته فاطمة وزوجها على رضي الله عنهما ينادى "الصلاة الصلاة " في كل صلاة .
وليعلم المربي أن الإنسان فيه خيرا كثيرا ويحتاج إلي صبر ونفس طويل حتى يظهر هذا الخير
ولقد صبر النبي صلي الله عليه وسلم وبذل مجهودا كبيرا في تربية أصحابه كثيراُ كما فعل مع خوات ابن جبير.
يحكي خوات بن جبيرعن نفسه فيقول ‏:‏ نزلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران‏.‏ قال‏:‏ فخرجت من خبائي فإذا أنا بنسوة يتحدثن فأعجبنني، فرجعت فاستخرجت حلة فلبستها، وجئت فجلست معهن، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبة، فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم هبته واختلطت، وقلت‏:‏ يا رسول الله، جمل لي شرد فأنا أبتغي له قيداً‏.‏ ومضى فاتبعته فألقى إلي رداءه، ودخل الأراك فقضى حاجته وتوضأ، فأقبل والماء يسيل على صدره من لحيته‏.‏ فقال‏:‏ ‏"‏أبا عبد الله، ما فعل ذلك الجمل‏"‏‏؟‏ وارتحلنا، فجعل لا يلحقني في المسير إلا قال‏:‏ ‏"‏السلام عليك أبا عبد الله، ما فعل شراد ذلك الجمل‏"‏‏؟‏ فلما طال ذلك علي أتيت المسجد، فقمت أصلي، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعض حجره‏.‏ فجاء فصلى ركعتين، فطولت رجاء أن يذهب ويدعني‏.‏ فقال‏:‏ ‏"‏أبا عبد الله، طول ما شئت أن تطول، فلست بمنصرف حتى تنصرف‏"‏‏.‏ فقلت في نفسي‏:‏ والله لأعتذرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبرئن صدره‏.‏ فلما انصرفت قال‏:‏ ‏"‏السلام عليك أبا عبد الله، ما فعل شراد ذلك الجمل‏"‏‏؟‏ قلت‏:‏ والذي بعثك بالحق ما شرد ذلك الجمل منذ أسلمت‏.‏ فقال‏:‏ ‏"‏يرحمك الله‏"‏، ثلاثاً، ثم لم يعد لشيء مما كان‏.‏

وهذا نموذج آخر من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم ألا وهو أبو محجن الثقفي فمن هو أبو محجن وما قصته؟
أبو محجن الثقفي، واسمه‏:‏ عمرو بن حبيب بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة بن عوف بن ثقيف الثقفي‏.‏ وقيل‏:‏ اسمه مالك بن حبيب‏.‏ وقيل‏:‏ عبد الله بن حبيب‏.‏ وقيل‏:‏ اسمه كنيته‏.‏ أسم حين أسلمت ثقيف سنة تسع في رمضان‏.‏ روى عن النبي صلى الله عليه وسلم روى عنه أبو سعيد البقال أنه قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏أخوف ما أخاف على أمتي ثلاث‏:‏ إيمان بالنجوم، وتكذيب بالقدر، وجور الأئمة‏"‏‏.‏
وكان أبو محجن شاعراً حسن الشعر، ومن الشجعان المشهورين بالشجاعة في الجاهلية والإسلام‏.‏ وكان كريماً جواداً، إلا أنه كان منهمكاً في الشرب، لا يتركه خوف حد ولا لوم‏.‏ وجلده سيدنا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه مراراً، سبعاً أو ثمانياً، ونفاه إلى جزيرة في البحر،وكان ينشد ويقول

إذا مت فادفني إلى جنب كـرمة تروي عظامي بعد موتي عروقها
ولا تدفنني بالـفـلاة فـإنـنـي أخاف إذا ما مت أن لا أذوقهـا?

وبعث معه رجلاً فهرب منه، ولحق بسعد بن أبي وقاص وهو بالقادسية يحارب الفرس، فكتب عمر إلى سعد ليحبسه، فحبسه‏.‏ فلما كان بعض أيام القادسية واشتد القتال بين الفريقين، سأل أبو محجن امرأة سعد أن تحل قيده وتعطيه فرس سعد البلقاء، وعاهدها أنه إن سلم عاد إلى حاله من القيد والسجن، وإن استشهد فلا تبعة عليه‏.‏ فلم تفعل، فقال‏:‏ الطويل
كفى حزناً أن تردي الخيل بالقـنـا وأترك مشـدداً عـلـي وثـاقـيا
إذا قمت عناني الحديد وغـلــــقـت مصارع دوني قد تصم المـنـادي
وقد كنت ذا مال كـثـير وأخـــــــوة فقد تركوني واحـداً لا أخـالـي
حبسنا عن الحرب العواني وقد بدت وأعمال غيري يوم ذاك العوالـي
فالله عهـد لا أخـيس بـعـــــــــــــهـده لأن فرجت أن لا أزور الحوانـي

فلما سمعت سلمى امرأة سعد ذلك رقت له فخلت سبيله، وأعطته الفرس، فقاتل قتالاً عظيماً، وكان يكبر ويحمل فلا يقف بين يديه أحد، وكان يقصف الناس قصفاً منكراً‏.‏ فعجب الناس منه، وهم لا يعرفونه، ورآه سعد وهو فوق القصر ينظر إلى القتال ولم يقدر على الركوب لجراح كانت به وضربان من عرق النسا، فقال‏:‏ لولا أن أبا محجن محبوس لقلت‏:‏ ‏"‏هذا أبو محجن، وهذه البلقاء تحته‏"‏‏.‏ فلما تراجع الناس عن القتال، عاد إلى القصر وأدخل رجليه في القيد، فأعلمت سلمى سعداً خبر أبي محجن، فأطلقه وقال‏:‏ اذهب لا أحدك أبداً‏.‏ فتاب أبو محجن حينئذ، وقال‏:‏ كنت آنف أن أتركها من أجل الحد‏.‏

4ـ لا تستصغره :ـ
ما زال كثير من الآباء ينظرون لأولادهم علي أنهم صغار فالولد يسمع كثيرا في البيت ،والمدرسة وفي الشارع والنادي والمسجد مازلت صغيرا يابني، . أحد الآباء يشتكى أن ابنه تخرج من الجامعة وفى يوم مرض عمه فقال له أبوه اذهب لزيارة عمك في المستشفى فقال يا أبى أنا أستحي أن أذهب بمفردي ( السبب الأب الذي لم يعوده وهو صغير ) .
صحيح كبر جسمانيا ولكن الشخصية الصغيرة ما زالت بداخلة .
وهذه بعض النماذج العظيمة في هذا الشأن :
"سفيان بن عيينة " يحكى عن طفولته فيقول كان أبى يعمل صيرافيا في بغداد (في تجارة العملة ) لكن أصابه الفقر فجمعنا وكان عمري سبع سنوات وقال : قد أصابنا الفقر فما رأيكم أن نهاجر إلى مكة ففيها مهبط الوحي على النبي  وهى أرض خير وبركة نتاجر فيها ويتعلم أولادنا الصغار حديث النبي  فوافق الجميع أول ما وصلوا مكة ذهبوا للحرم وقرروا أن يتركوا المتاع مع أصغرهم خارج الحرم "سفيان " فأجلسوني مع المتاع بجانب الحرم ، فمر بي شيخ يركب حمارا فوقف أمامي وسلم على وقال يا غلام أمسك لي الحمار حتى أدخل فأركع فأصلي. فقلت والله لن أمسك لك الحمار حتى تحدثني بحديث فقال وما ينفعك أنت الحديث ! واستصغرني فقلت والله ليس أمامك أحد لن أمسك لك بالحمار حتى تحدثني بحديث فغضب وحدثني بثماني أحاديث ،
يقول حدثني عبد الله بن مسعود عن النبي وحدثني عبد الله بن عمر عن النبي  ثم ترك معي الحمار ودخل المسجد فأخذت الحمار وبدأت أراجع ما حدثني به من أحاديث ،
فلما خرج قال يا غلام ما نفعك ما حدثتك به حبستني عن الصلاة، فقلت له انتظر يرحمك الله وأعدت عليه الأحاديث الثمانية صحاح لم أنقص منها حرفا واحدا فقال يا غلام مكانك ليس على باب المسجد لي حلقة علم فائتني غدا ,ثم يذهب سفيان في اليوم التالي ويسأل عن الشيخ فيعرف أنه عمرو بن دينار التابعي المشهور( مفتى مكة ) وأخذ العلم عنه ومن هذا اليوم بدأ يتعلم على يديه ومرت الأيام وقبض مفتى مكة وبحث العلماء عن عالم يستحق أن يكون في هذا المكان فلم يجدوا أفضل من سفيان بن عيينة وعمره 23سنة بإجماع علماء مكة .
في نفس التوقيت مفتى المدينة "مالك بن أنس "وعمره 25سنة يقول : ما جلست للإفتاء حتى شاورت ( سبعين من خيره تابعي أصحاب النبي  ) وما جلست حتى وافقوا جميعا . بفضل هذه التربية . هناك مصطلح يقوله الفقهاء عن الطفل الصغير "الصبي المميز" وله عدة تعريفات :--
قال الجمهور:- الصبي المميز بداية من سبع سنوات ( يميز بين الخير والشر ) .
بعض العلماء :- هو الذي يفهم الخطاب ويحسن رد الجواب ومقاصد الكلام ونحو ذلك (وليس له سن مخصوص ) ممكن حسب هذا التعريف 4أو5سنوات .
جمهور الفقهاء:- قالوا أن الصبي المميز يصح أذانه بشرط أن يكون عالما بكلمات الأذان.
وكذلك إمامته للصلاة , اختلف فيها الفقهاء وقسموها لنوعين :
1ـ إمامته في الفريضة :-قال جمهور الفقهاء لا يقف ولا يصح لأن الصلاة له نافلة. 2ـ أما الشافعية: فقالوا إن إمامة الصبي في الفريضة ( تصح ) ولكن بشرطين :-
أن يكون بلغ سن التمييز .
أن يكون عالما باركان الصلاة .
واستشهدوا بحديث رواه البخاري وأبو داود والنسائي عن عمرو بن سلمه
" لما كان عام الفتح سارعت القبائل بإعلان إسلامها بين يدي النبي  فذهب أبوه "من قبيلة جرم " إلي النبي  ليعلنوا إسلامهم فأمرهم بالصلاة والزكاة وغيرهما فرجع أبوه من عند النبي  واستقبله القوم وفيهم عمرو بن سلمه فقال أبوه "جئتكم من عند النبي  وأمرنا أن نصلى صلاة كذا في وقت كذا وصلاة كذا في وقت كذا فسألناه من يؤمنا فقال أقرؤكم للقرآن فنظروا فلم يجدوا أحدا أكثر حفظا منى لما كنت أتلقى الركبان ( وقبيلة جرم كانت استراحة القبائل التي تقصد النبي  تمرعليهم وتعود عليهم ليتزودوا ,كان يسألهم عمرو بن سلمه ماذا نزل على النبي من القرآن فيحفظ منهم ). فقدموني للإمامة وعمري 6أو7سنوات وكانت على بردة قصيرة إذا سجدت تقلصت عنى فظهرت عورتي ، فنادت امرأة من خلف الصفوف داروا عنى إست إمامكم . فاشتروا لي ثوبا عمانيا فما فرحت بشيء بعد الإسلام فرحى بهذا الثوب " ظل إماما للقبيلة أكثر من 50سنة
أما إمامة الصبي في صلاة الجمعة فذهب علماء الشافعية إلي فريقين :
فريق منهم يقول غير صحيحة لأنها له نافلة , وفريق منهم يقول : أنها صحيحة .
أما عن ذبحه : فهل ذبحه صحيح ونأكله ؟
"جمهور الفقهاء قالوا صحيح بشرط أن يقول بسم الله لحديث جابر بن عبد الله :-
" أمر بذبيحة الغلام أن تؤكل إذا سمى الله عليها "

5ـ ازرع فيه الأمل والنظرة إلي المستقبل :ـ
لا نيئس الولد ولا نقنطه من رحمة الله عز وجل لأن اليأس من لوازم الكفر والقنوط من توابع الضلال كما قال تعالي علي لسان نبيه يعقوب (وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {87}يوسف.
وقال علي لسان نبيه إبراهيم عليه السلام (قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ {56}الحجر.
لا نظل نقول للولد( أنت مش فاهم ..مش نافع .. ) فهذا يورث في الولد البلادة والاستسلام لما يقوله الأب أو الأم. ولكن ازرع فيه النظر للمستقبل وأنه سيكون له شأن عظيم في المستقبل .
يروى الدرامي أن سيدنا الحسن جمع يوما أبناءه وأبناء أخيه الحسين وقال لهم يا بني وبني أخي إنكم اليوم صغار قوم يوشك أن تكونوا كبار آخرين فتعلموا العلم (المستقبل للعلم ) واكتبوه ومن لم يستطع منكم كتابته نكتبه له , وليحفظه في بيته ينفعه يوما ما .
فهذا عبد الله بن عباس يقول : فيما يرويه الحاكم لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لرجل من الأنصار ( كان عمره 13 سنه عند وفاة النبي  ) أصحاب النبي  اليوم كثير فهيا نطلب العلم منهم (فقال له الرجل هيهات هيهات يا ابن عباس أترى الناس يحتاجون لعلمك وفيهم أمثال أبو بكر وعمر) فاتجهت أنا إلي العلم والحديث واتجه هو إلى الجهاد والفروسية ودارت الأيام فلما رأى اجتماع الناس حولي واحتياجهم إلي علمي قال لي " كنت أفقه منى يا بن عباس" .
وهذا الإمام أبو حنيفة كان ينظر لمن في حلقته على أنهم علماء المستقبل .أحد تلامذته وهو "القاضي أبو يوسف" يحكى عن طفولته وعن نظرة أبي حنيفة المستقبلية فيقول " توفى أبى إبراهيم وخلفني يتيما في حجر أمي ، فأسلمتني إلي قصار( ذهبت به إلي خياط ليتعلم مهنة وحرفة ) ولكني كنت أحب العلم فكنت أهرب من عند القصار وأذهب إلى مجلس الإمام أبى حنيفة وكانت أمي تأتيني وتأمرني أن أذهب من درس العلم إلى القصار ( خائفة على مستقبله ) لكنها نظرة غير مستقبلية .
فلما كثر هذا علي أمي قالت لأبي حنيفة يوما : إن فساد هذا الغلام سيأتي علي يديك , لقد تركه أبوه يتيما وأسلمته إلي القصار يعلمه مهنة حتى يكسب منها دانقا أو دانقين (سدس درهم ). فقال لها أبو حنيفة مري يا رعناء إن ابنك بين يدي يتعلم أكل الفالوذج بدهن الفستق ( نوع من الحلويات لا يصنع إلا للأمراء والخلفاء ) فقالت والله ما أرى إلا أنك شيخ قد كبر سنك . ويشاء الله أن تتحقق نظرة أبو حنيفة ويتولي القضاء لثلاثة من الخلفاء .
في أثناء توليه القضاء لهارون الرشيد جمعهم المجلس يوما فأتى الخادم بطبق من الحلوى فقال هارون الرشيد يا أبا يوسف كل من هذه الحلوى فإنها لا تصنع لنا كل يوم . فقال ما هذه يا أمير المؤمنين فقال فالوذجة بدهن الفستق فابتسم أبو يوسف فقال ما الذي يضحكك فقص له حكاية أبي حنيفة .
وهذا لن يتم إلا إذا ربطنا الأولاد بالنماذج العظيمة من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم والقادة الفاتحين والعلماء العظام .
وهذا ما يسمي بحكاية قبل النوم وهذا ما تم في القرآن الكريم (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ) سورة يوسف .
لو سألنا الولد الآن ماذا تريد أن تكون في المستقبل تجد الأولاد علي صنفين : صنف ليس له هدف ولا يعرف له غاية .
وصنف آخر مرتبط بالفنانين ولاعبي الكرة لأنه لا يعرف إلا هم ، وهذا الأمر مسئولية البيت .
في إنجلترا سألت المدرسة التلاميذ في مدرسة من المدارس الابتدائية وكان عنوان الدرس" أنت والمستقبل" ويوجد في الفصل طفل مسلم قال لها أريد أن أصبح صحابيا أرادت أن تعرف ما معنى صحابي لم يستطيع أن يفهما المعنى أخذت موعد من أهله وذهبت إليهم لتعرف ما معنى صحابي أخبرها البيت بصفات الصحابة وماذا فعلوا .. فأعلنت إسلامها .لأن أباه وأمه ربطوه بهذه القدوة.

6ـ تبكير سن العطاء عند الأولاد: ـ
يقول مصطفي صادق الرافعي (من يعيش لنفسه حياته صغيرة جدا) ،(إذا لم تزد الحياة كنت أنت زيادة عليها ).
لا بد أن أربي في الولد منذ نعومة أظفاره أن يكون نافعا لغيره وأن الأمة في حاجة إلي جهده وبذله وهذا ما حدث مع الصحابي الجليل زيد بن ثابت رضي الله عنه :لما ذهب إلي النبي صلي الله عليه وسلم في غزوة بدر فقال له لا زلت صغيرا يابني فذهب إلي أمه حزينا باكيا فقالت له أمه تستطيع أن تخدم الإسلام من طريق آخر أنت تكتب وتقرأ وتحفظ كثيرا من سور القرآن فذهبت به إلي النبي وقالت يا رسول الله إن زيد ولدي يقرأ ويكتب ويحفظ كثيرا من سور القرآن فاستعمله لخدمة الإسلام وكان عمره وقتها 11سنة فاختبره النبي صلي الله عليه وسلم فقرأ له من سورة (ق) فأعجب به النبي صلي الله عليه وسلم واكتشف أنه متميز في هذه المسألة اللغوية فبدأ يحدثه عن احتياجات الأمة قائلا: يا غلام تأتيني كتب من يهود لا آمن عليها أحدا فتعلم لي كتاب يهود يقول زيد فذهبت فتعلمت العبرية في خمسة عشر يوما فكنت أكتب بها للنبي  وأترجم ما يأتي للنبي  من يهود وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في خلافة أبي بكر أرادوا جمع القران فلم يجدوا أفضل من زيد بن ثابت لهذه المهمة وعمره 23سنة (يتولى جمع القران). يقول لقد كلفني أبو بكر بمهمة هي أثقل من نقل الجبال وخوض البحار وقام بها على خير وجه.
والعجيب أن الغرب الآن عندهم تبكير سن العطاء . فأحد عمداء الكليات المرموقة (الاقتصاد والعلوم السياسية) سنه 24سنة .
تتميز بعض البيوت بأنها تتحدث كل اللغات مثل بيت عبد الله ابن الزبير.
روى الحاكم ، كان لعبد الله بن الزبير مائة من الولد وأولاد الولد كل واحد منهم يتحدث بلسان وكان عبد الله بن الزبير يتحدث بلغاتهم جميعا (فكنت حينما ترى عبد الله يتحدث في أمر الدين قلت والله لا يعلم من أمر الدنيا شيئا وكنت إذا رأيته يتحدث في أمر الدنيا قلت والله لا يعلم من أمر الدين شيئا. جمع الدنيا والآخرة بين كفيه ).
في أواخر القرن الثاني الهجري في مشرق العالم – في نيسابور – جلس محمد بن إسماعيل البخاري وعمره 17سنة بين يدي أستاذه إسحاق بن راهويه حاول الأستاذ أن يحدث تلامذته عن احتياجات الأمة فقال "والله لو أن واحدا منكم يجمع صحيح السنة في كتاب لانتفع به الناس أيما انتفاع . يقول البخاري فوقعت في نفس هذه المهمة وأقسمت أن أكون هذا الرجل فقعدت في بيتي ونمت ورأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وهو جالس على منبره الشريف ويأتيه بعض الذباب فأذهب وأهش الذباب عنه فأقمت من نومي وحكيت الرؤيا لأستاذي فأولها أنى أذب كذب الحديث عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم ،فبدأت أجمع حديث النبي  في كتاب (والبخاري ما كتب حديثا إلا اغتسل وصلى ركعتين. وكانت له تجارة ينفق من ريعها أنفق ما يقرب بالحساب الآن 2مليون ريال( 3مليون جنيه) في هذه المهمة من ماله) . وكانت تربية محمد الفاتح علي هذا النحو فكانت أمه تأخذه من يده وتقف علي مشارف القسطنطينية وتغرس فيه حبه لها وتبعث فيه الهمة لفتحها،واستطاع الشيخ "آق شمس الدين" معلمه الذي رباه أن يقنعه وهو صغير بأنه المقصود بالحديث النبوي الشريف (لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش) رواه أحمد في مسنده.

وما زال للموضوع بقية إن شاء الله تعالي .