تابع أولادنا أولا (3) ماذا نفعل كي نؤدب ونربي ونكرم:ـ1 * لا تجعل ابنك يتذلل لك :--
روي الترمذي والحاكم قال النبي صلي الله عليه وسلم لابن عباس " احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعت على أن يضروك بشيء لن يضروك بشيء إلا قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف "
" ا طلبوا الحوائج بعزة نفس فإن الأمور تجري بالمقادير "
وقال عمر بن الخطاب : " اعلم أنه ما قدر لشدقيك أن يمضغاه فسيمضغانه فامضغه بعزة "
ومن الأساليب الناجحة في كثير من المواطن ــ وليس كلها ــ الاستجابة لميول الطفل وترضيته حتى يرضي ، وذلك كلما كان أقرب إلي الصغر لابد من ترضيته وتنفيذ مطالبه ،وعندما يلتزم الآباء بهذه القاعدة التربوية العظيمة ، فإن رباط الحب سيقوى بينهم وبين أبنائهم .
وهذا ما يؤكده رسول الله صلي الله عليه وسلم ،روى ابن عساكر عن وائلة بن الأسقع رضي الله عنه ــ كما في الجامع الكبير ــ أن رسول الله صلي الله عليه وسلم خرج إلي عثمان بن مظعون ومعه صبي صغير له يلثمه ، فقال له : ابنك هذا ؟ قال : نعم ،قال تحبه ياعثمان ؟قال :أي والله يا رسول الله إني أحبه ،قال : أفلا أزيدك حبا له ؟قال :بلي فداك أبي وأمي ،قال :"إنه من ترضي صبيا صغيرا من نسله حتى يرضي ،ترضاه الله يوم القيامة حتى يرضي "
وإيمانا من المربى بأهمية ترضية الصغير حتى يرضي ، وانطلاقا من فرط حبه لابنه ،فإنه قد ينسى نفسه ــ أحيانا ــ ويدلل ابنه دلالا يفقده شخصيته ويحوله إلي شخص لا يمكننا الاعتماد عليه.
والتدليل يعني :-
تلبية كافة طلبات الابن مهما كانت صعوبتها..في أي وقت كان ،الأمر الذي يجعل الطفل يشعر بأنه شخص مجاب الطلبات والأوامر،لذلك فإن الإفراط في التدليل يعني :--
1ـ إضعاف جانب تحمل المسئولية في الابن لأن جميع طلباته مجابة.
2ــ تحكم الابن في أبويه وخضوعهما له .
3ــ تمكن مشاعر "التكبر " و"الغرور " لدي الابن ، وتكراره لعبارة : "أبي لا يرفض لي طلبا " ،"أمي لا تقول لي "لا" أبدا "
4ــ تمرد الابن علي سلطة والديه وعدم احترامه لوالديه أوتنفيذه لأوامرهما.
5ــ تحول الابن المدلل إلي شخص غير قادر علي التكيف الاجتماعي ، لأنه دائما يتوقع من أصحابه وأقرانه أن يستجيبوا لغروره وطلباته.
أيها الوالد الكريم ... إن أول إنسان نزل علي القمر كان اسمه أرمسترونج ، وكان ابنا وحيدا ،ولما اندهش الناس لذلك قال الأبوان : لأننا لم ندلله ..فإذا أردت لأبنائك العز والمجد والرقي ، فإياك إياك والتدليل ولا تنس قول الشاعر :
فقسا ليزدجروا ومن يك حازما فليقسوا أحيانا علي من يرحم .
2 * لا تشتموا أبنائكم :--
الولد يظل يسمع من والديه السب والشتم علي الكبير والصغيرة فهذا يجعل الولد ينشأ نشأة غير سوية . " الطفل من سنتين إلى سن المراهقة يشتم 16000 مرة في السنة يشتم 1600 مرة في اليوم يشتم من 4 إلي 6 مرات . ( يسمع بضع مئات من الكلام الطيب ) .
لذلك نهانا الرسول عن سب المحدودين .فقال "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر"
3 * لا تضرب أبدا على الوجه :-- روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن جابر " أنه مر على النبي حمار قد وسم في وجهه( كوي بالنار في وجهه ) والدم يسيل من منخاريه ( نتيجة الكي ) فلما رأى النبي ذلك قال : لعن الله من فعل ذلك ) في رواية الطبراني
في رواية مسلم " قال من فعل هذا ؟ ألم أنهكم عن وسم الوجه وضرب الوجه "
الإمام النووي يشرح الحديث " قال ومن هنا كان ضر ب الحيوان المعتبر على وجهه حرام " فما بال ضرب وجوه أولادنا . هذا بالنسبة للضرب علي الوجه محرم قطعيا .
أما بالنسبة للضرب عموما ففيه كلام :
قبل العاشرة من عمره لا يجوز ضرب الولد لحديث النبي صلي الله عليه وسلم "علموا أولادكم الصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر "
فإذا كانت الصلاة وهي أعظم قيمة في الإسلام حدد النبي صلي الله عليه وسلم لها سنا معينا لكي نضرب عليها وهو عشر سنين إذن أي شيء بعد ذلك لايجوز أن نضرب الولد عليه مهما كان ،كأن نسي واجب المدرسة ،أوكسر لوح زجاج ...لأن الإدراك عنده لم يكتمل بعد .
ولكن كيف نعاقب الولد ونؤدبه؟
منهج النبي صلي الله عليه وسلم في تأديب الولد :ــورد أن الحسن والحسين غابا عن أمهما ساعةً، فشغفت وحنت وخافت عليهما، وبدأ البحث عنهما، ثم وجدهما النبي- صلى الله عليه وسلم-، فما كان منه إلا أن احتضنهما قائلاً: "حبيباي.. حبيباي" فلم يعنف ولم يضرب، بل أظهر الود والحنان كعادته- صلى الله عليه وسلم-، وصدق الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾الأنبياء:107 .
عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: أخذ الحسن بن علي رضي الله عنهما تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "كخ .. كخ .. ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة" أخرجه البخاري ومسلم، وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مرَّ بغلام يسلخ شاةً ما يحسن، فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "تنح حتى أريك فأدخل يده بين الجلد والعظم.." أخرجه أبو داوود، فبدأ النبي- صلى الله عليه وسلم- في تعليمه أولاً ولم يعنفه.
فإذا أصرَّ الطفل على ارتكاب الخطأ فلا حرج في فتل أذنه (أي شدها)، عن عبد الله بن يسر المازني رضي الله عنه قال: "بعثتني أمي إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بقِطْْْْْف من عنب، فأكلت منه قبل أن أبلغه إياه، فلما جئتُ أخذ بأذني وقال: يا غُدر. (أي يا غادر(
ولا بأس بإظهار السوط ونحوه هيبةً وزجرًا، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي- صلى الله عليه وسلم-: "أمر بتعليق السوط في البيت"، ويجوز ضرب الصبي للتأديب والتهذيب دون إتلاف إذا لم يرتدع.
شروط الضرب الواردة في السنة :ـأـ أن يكون ابتداء الضرب في سن العاشرة .
ب ـ أقصى الضربات عشر، لا يضرب الوجه أوالرأس أو الفرج .وإن أقصى عدد الضربات لا يتجاوز في أي حال من الأحوال في العملية التربوية العشر ضربات؛ وذلك لما أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله"
ج ــ أن يكون مفرقًا معتدلاً لا يحدث عاهةً ولا يكسر وكذلك يجب أن يكون الضرب بين الضربين، وقد كان عمر رضي الله تعالى عنه يقول للضارب: "لا ترفع إبطك" أي لا تضرب بكل قوة يدك، والفقهاء متفقون على أن الضرب لاينبغي أن يكون مبرحًًا أي موجعا.
د ـ يحذر الغضب الذي يخرجه عن حد الاعتدال
هـ يتجنب السب والشتم البذيء.
إذا ذكر الطفل ربه، يرفع يده عنه، لما رواه الترمذي عن أبى سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "إذا ضرب أحدكم خادمه فذكر الله فارفعوا أيديكم" أخرجه الترمذي، وكذلك الأمر بالنسبة للصبي . وــ لا يصح التحريق بالنار لورود النهي عنه.
4 * ألا نخوف أبنائنا أو نرعبهم : من الخطأ الذي يقع فيه كثير من الآباء والأمهات إذا أراد أن يسكت الطفل أن يقول له "نم وإلا أتي لك بالعفاريت .أو أبو رجل مسلوخة .أو غير ذلك من العادات السيئة ".
والنبي فيما رواه الطبراني والبزار قال " لا تروعوا المسلم فان روعة المسلم ظلم عظيم " .
وروي الطبراني حديثا عن النبي قال " من أخاف مؤمنا بغير حق كان علي الله ألا يؤمنه من أفزاع يوم القيامة "
أثبت العلماء أن الطفل عندما يولد يخاف من الصوت العالي والمكان العالي ( فطريا )
يصل لسن 13 أو 14 سنة يخاف من 1067 شيء هذا العدد مصنف عالميا الآن .
روى البزار والطبراني وأبو داود عن بعض أصحاب النبي أنهم كانوا يسيرون معه يوما في مسير فنام رجل منهم ( وفى رواية خفق علي الناقة ) ومعه حبل فذهب أحد الصحابة ونزع الحبل من يده فانتبه الرجل وهو مفزوع واشتكى إلى النبي ما كان فقال النبي " لا يحل لمسلم أن يروع مسلما " .
5 * الدعاء لهم وتحري الأوقات الفاضلة في إجابة الدعاء:--
لا يكون الضرب أو الحرمان هو كل شيء لديك ولكن هناك سلاح عظيم وأثره أعظم يغفل عنه كثير من الناس ألا وهو الدعاء.
وتذكر اللقاء الأخير دائما مع ولدك فربما تضربه وتتركه فينام ولا يطلع عليه النهار ،أو ربما تضربه ويذهب إلي مدرسته فتصادمه سيارة فيموت فيكون آخر لقائك معه وتندم طول حياتك ولا تسامح نفسك فتذكر هذا جيدا.
واعلم أن الخطأ وارد وهو من طبيعة الإنسان وإياك أن تعامل ولدك بالمفروض وتنسي أنه بشر يخطئ ويصيب .
فهذا الفضيل بن عياض ظل يربي ولده عليا ولكن علي معرض عنه فماذا فعل الفضيل هل ضربه ،أو طرده من البيت وظل يمن عليه بأنه ينفق عليه وهكذا..
لا لم يفعل شيئا من ذلك بل ظل يدعو له لمدة ثلاث سنوات وكان يدعو في صلاته ويقول اللهم إني اجتهدت أن أؤدب عليا فلم أستطع فأدبه أنت لي فتحول عليا بفضل الله إلي غاية في الزهد والعبادة بل فاق والده في الطاعة .
ومما أثر عن عبد الله بن المبارك أنه قال: كان الفضيل بن عياض أفضل الناس في الزهد والعبادة وأفضل منه علي بن الفضيل.. وكان بسبب تربية الفضيل له وكان لقاؤه الأخير بابنه في الصلاة، مات علي سنة184هجرية فقال والده رحم الله حبيبي من كان يعينني علي الزهد والعبادة . وكان من دعاء عباد الرحمن ( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً {74}الفرقان .
6 * تذكر اللقاء الأخير :-
لوأن المربي تذكر اللقاء الأخير أي ربما يكون هذا آخر عهده بولده عندما يضربه أويحزنه ويتركه ينام فإذا أصبح الصباح جاء ليوقظه فوجده قد مات أو أحزنه وتركه يذهب إلي مدرسته فصدمته سيارة فمات ماذا يكون حال المربي عندئذ،فلا بد من استشعار اللقاء الأخير .
وللموضوع بقية إن شاء الله تعالي .