قيمة العمل وحقوق العمال فى الإسلام الجمعة 1 من مايو سنة 2009م - 6 من جمادى الأولى سنة 1430هـ
قيمة العمل وحقوق العمال فى الإسلام
الْخُطْبَةُ الأُولَى :
الحمد لله رب العالمينَ ، أَمَر عبادَه بالسعْي فِي الأرضِ طلبًا للرزقِ فقالَ تعالَى " هو الذى جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور " ، وأَشْهَد أَنْ لا إِلَه إلا اللَّه وَحْدَه لا شَرِيكَ لَه ، يُثيب الْمُجدِّين العاملينَ ولا يضيع أجر المخلصينَ فهو القائل" إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا " ، وأَشهَدُ أَن سَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، القائلُ " إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ " .
فاللهم صَلِّ وَسَلِّم وَبَارِكْ عَلَى سيدِنَا مُحمدٍ وَعَلَى آلِهِ الطاهرين وأصحابِهِ المخلصين والتابعينَ لَهمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .
أمَّا بعد : فأُوصيكُمْ عبادَ اللهِ ونفسِي بتقوَى اللهِ تعالى وجالسة عباده الصالحين ، قالَ سبحانه وتعالَى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ " .
أيهَا المسلمونَ :
إنَّ اللهَ تعالَى خلقَ الإنسانَ لحكمةٍ ، وكلَّفَهُ بالعملِ ليعمرَ الدنيَا وينتفعَ بِهَا ، ويَملأَ جنباتِهَا بالجدِّ والاجتهادِ ، وهوَ معَ ذلكَ لاَ ينسَى أنَّ أمامَهُ آخرةً تنتظرُهُ لينالَ فيهَا جزاءَهُ وحسابَهُ قالَ اللهُ سبحانَهُ وتعالَى" فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ . وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَراًّ يَرَهُ " ( ) وقالَ عزَّ وجلَّ " وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى . وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى" ، ولاَ ينالُ الإنسانُ حظَّهُ فِي الحياةِ بغيرِ كدٍّ وسعْيٍ ، فهذَا سيدُنَا عمرُ رضيَ اللهُ عنهُ يقولُ " لاَ يقعدْ أحدُكُمْ عنْ طلبِ الرزقِ ، يقولُ : اللهمَّ ارزقنِي . فقَدْ علمْتُمْ أنَّ السَّمَاءَ لاَ تُمطرُ ذهبًا ولاَ فضةً .
أيهَا المؤمنونَ :
إنَّ نظرةَ الإسلامِ للعملِ نظرةُ إجلالٍ وتكريمٍ ، فهوَ يوفِّرُ حاجاتِ الإنسانِ المختلفةَ ومطالبَهُ الماديةَ ، ويُحقِّقُ لَهُ الاستقرارَ الاجتماعيَّ ، وَيساعدُ فِي البناءِ والتطورِ والتقدمِ الحضاريِّ ، لذلكَ اهتمَّ الإسلامُ بالعملِ اهتمامًا بالغًا ، وجعلَهُ مِنَ الواجباتِ ، ورتَّبَ عليهِ الأجرَ العظيمَ والثوابَ العميمَ ، فهو ضرب من ضروب العبادة ، فالعبادة في الإسلام تشمل جانبين جوهريين :
أولا: فرائض الله على عباده من صلاة وصيام وزكاة وحج للمستطيع، ودعاء وشكر وتسبيح.
ثانيا : السعي والعمل الدؤوب لإقامة أسباب العيش الكريم علما وصناعة وفلاحة وتجارة تعميرا وتفجيرا للقوى المختلفة، لصالح الفرد والمجتمع، وهو ما نسميه اليوم بالتنمية الشاملة لمختلف المجالات المادية، والفكرية، والروحية الإنسانية، والاجتماعية، والطبيعية ، فعَنْ كَعْبِ ابْنِ عُجْرَةَ قَالَ : مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ r رَجُلٌ ، فَرَأَى أَصْحَابُ النَّبِيِّ r مِنْ جَلَدِهِ ونَشَاطِهِ مَا أَعْجَبَهُمْ ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللهِ . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r " إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ ، وَإِنْ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يُعِفُّهَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ رِيَاءً وتَفَاخُرًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ " .
أيهَا المسلمونَ :
وحتَّى يؤدِّيَ العملُ دورَهُ فِي مسيرةِ البناءِ والتطويرِ وتحقيقِ الرخاءِ والسعادةِ فِي المجتمعاتِ أوجبَ الإسلامُ حقوقًا مشتركةً بينَ العمالِ وأربابِ العملِ ، أمرَهُمْ برعايتِهَا والحرصِ عليهَا ، فمِنْ حقِّ العاملِ علَى صاحبِ العملِ أنْ يؤدِّيَ لَهُ أجرَهُ مِنْ غيرِ تأخيرٍ أوْ مُماطلةٍ ، قالَ رَسُولُ اللهِ r " أَعْطُوا الأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ " ، ومِنْ حقِّ العاملِ عدمُ انتقاصِ أجرِهِ المتفقِ عليهِ ، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ –رَضِيَ اللهُ عنه- عَنِ النَّبِىِّ r قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى " ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ " ، ومِنْ حقوقِ العاملِ احترامُهُ وعدمُ الإساءةِ إليهِ ، فكرامةُ العاملِ قَدْ صانَهَا الإسلامُ وأمرَ بالرفقِ بهِ والإحسانِ إليهِ والتخفيفِ عنهُ ، وإنْ كُلِّفَ بعملٍ فوقَ طاقتِهِ يُعانُ عليهِ ، قالَ رَسُولُ اللهِ r " إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ " . وعَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قال " مَا خَفَّفْتَ عَنْ خَادِمِكَ مِنْ عَمَلِهِ كَانَ لَكَ أَجْرًا فِي مَوَازِينِكَ " .
ومِنْ حقوقِ صاحبِ العملِ علَى العاملِ أنْ يُتقِنَ عملَهُ، وأَنْ يُراقبَ اللهَ تعالَى فِي عملِهِ ويُخْلِصَ فيهِ ، قالَ رَسُولُ اللهِ r " إنَّ اللهَ يُحِبُّ إذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ " . فلاَ يَجوزُ للعاملِ أنْ يغشَّ صاحبَ العملِ، قالَ رَسُولُ اللهِ r" مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا " .
ومِنْ هُنَا شرَّعَتْ الأحكام والقوانينَ التى تَحفظُ للعمالِ حقوقَهُمْ وتَصونُ كرامتَهُمْ ، وتُبَيِّنُ حقوقَ أصحابِ العملِ وواجباتِهِمْ وحقوقَ العمالِ وواجباتِهِمْ ، وتضبط العلاقة بينهما ، وإنَّ الالتزامَ بِهذِهِ الأحكام وتلك القوانينِ من شأنه أن يُحقِّقُ الاستقرارَ فِي المجتمعات ، وأن يزيد فِي الإنتاجِ والعطاء .
فلنراقِبِ اللهَ عزَّ وجلَّ، وليعرفْ كلٌّ منَّا واجباتِهِ فيؤديهَا وحقوقه فيسعى إليها ويطالب بها ، حتَّى نفوزَ جميعا عمالا وأرباب عمل برضَا اللهِ تعالَى فِي الدنيَا والآخرةِ .
اللهمَّ وفقْنَا للعملِ بِمَا يُرضيكَ ، وأكرِمْنَا بطاعتِكَ وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ، إنكَ نعمَ المولَى ونعمَ النصيرُ .
أقولُ قولِي هذَا وأستغفرُ اللهَ لِي ولكُمْ فاستغفرُوهُ.
ألقي هذه الخطبة فضيلة الشيخ محمود عبدالله بكار بمسجد عمر بن عبدالعزيز بمصر الجديدة بمناسبة عيد العمال .
الخطبةُ الثانيةُ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، اللهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وبارِكْ علَى سيِّدِنَا محمدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ.
أمَّا بعدُ:
فاتقُوا اللهَ عبادَ اللهِ واعلمُوا أنَّ العملَ فيهِ عمارةٌ للحياةِ ونفعٌ للإنسانِ ، وإظهارٌ لنعمِ اللهِ تعالَى على الخلق ، ونشرٌ للخيرِ والفضيلةِ بين الناس ، لذلكَ أكَّدَ عليهِ الإسلامُ على أفضل لقمة يدخلها الرجل إلى جوفه وجوف أولاده ومن يعول هى التى تكون من كسب يده ، وهكذا كان الرسل والأنبياء ، وهم بلا شك خيرة الخلق ، وأكرم الناس ، قالَ رَسُولُ اللهِ r:« مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَاماً قَطُّ خَيْراً مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ ، وَإِنَّ نَبِىَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ » .
أيها المسلمون :
إن العمل قيمة حضارية ، سادت كافة المجتمعات الإنسانية ، واتفقت على أهميته الأديان السماوية ، والقوانين البشرية الوضعية ، ويمكن أن نقول إن العمل هو الحرية، هو الكرامة، هو التوازن النفسي والاجتماعي، هو الحاضر وهو المستقبل، والفرد الذي لا يعمل- مع توفر العمل وكانت له القدرة على إيجاده- فرد معدوم ، والشعب الذي لا يعمل شعب سيؤول إلى الاندثار ، وبهذا الاعتبار يمكن أن نقول إن البطالة الإرادية عبودية ، ذل ، ومهانة ، اختلال نفسي واجتماعي، طريق إلى الضلالة ، لأنها قعود عن القيام بمهمة خلافة الإنسان من قبل الله في عمارة الكون قال تعالى " هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها " ، وقدْ حذَّرَنَا رَسُولُ اللهِ r مِنَ هذا القعود عن الفرائض والواجبات ، وسماه بالعجزِ والكسلِ، وعلَّمَنَا أنْ نتعوَّذَ بالله تعالى منْهُ فى كل صباح ومساء ، فقالَ r « اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ » .
أسأل الله تعالى أن يهدينا إلى حسن العمل ، وأن يجنبنا العجز والكسل ، وأن يجعلنا من الذين امنوا وعملوا الصالحات في الدنيا والآخرة ، إنه سميع مجيب .