قصيدة عن حجة الوداع لابن القيم
قال ابن القيم رحمه الله يصف حال الحجيج في بيت الله الحرام:
فللـه كـم مـن عبـرة مهراقـة وأخرى على آثارها لا تقـدم
وقد شـرقت عيـن المحـب بدمعها فينظر من بيـن الدموع ويسحمُ
وراحوا إلى التعريف يرجون رحمته ومغفـرة ممـن يجـود ويكـرم
فللـه ذاك الموقف الأعظـم الـذي كموقف يوم العرض بل ذاك أعظم
ويدنـو بــه الجبـار جل جلالـه يباهـي بهم أملاكـه فهو أكـرم
يقول عبـادي قـد أتونـي محبـةً وإنـي بهـم بـر أجـود وأكرم
فأشـهدكم أني غفـرت ذنوبهــم وأعطيهـم مـا أملـوه وأنعـم
فبشراكم يا أهـل ذا الموقف الـذي به يغفـر الله الذنـوب ويـرحم
فكـم من عتيـق فيـه كمُّل عتقـه وآخـر يستسعي وربـك أكـرم
ويتمنى الشاعر لو كان ممن حضر مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فيقول:-
أحبتـي عـاد ذهنـي إلى زمــنٍ معظمٍ في سـويدا القلب مستطـر
كأننـي برســول الله مرتديــاً ملابـس الطهـر بين الناس كالقمر
نـور وعـن جانبيه من صحـابتـه فيـالـقٌ وألـوف الناس بالأثـر
ساروا برفقة أزكى مهجةٍ درجــت وخيـر مشـتملٍ ثوبـاً ومؤتـزر
ملبيـاً رافعـاً كفيــه فـي وجل لله فــي ثـوبِ أوّابٍ ومفتقـر
مُرنمـاً بجـلال الحـق تغلبـــه دموعـه مثل وابل العارض المطـر
يمضـي ينـادي خذو عني مناسككم لعل هـذا ختـام العهد والعمُـر
وقـام فـي عرفـات الله ممتطيـاً قصـواءه يالـه مـن موقف نضِر
تأمل الموقف الأسـمى فمـا نظرت عينـاه إلا لأمــواج من البشـر
فينحنـي شــاكـراً لله منّتَــه وفضلـه من تمـام الدين والظفـر
يشـدو بخطبتـه العصمـاء زاكيةً كالشهد كالسلسبيل العذب كالدرر
مجليـاً روعة الإسلام فـي جمـلٍ من رائع من بديـع القول مختصـر
داعٍ إلى العدل والتقـوى وأن بهـا تفاضل الناس لا بالجنس والصـور
مبينـاً أن للإنسـان حرمتـــه ممرغـاً سـيّء العادات بالمــدر
يا ليتني كنت بين القوم إذ حضروا مُمَتَّعُ القلـب والأسماع والبصـر
وأنبـري لرســول الله ألثُمُـهُ علـى جبيـنٍ نقـي طاهر عطـر
أقبِّل الكف كف الجود كم بذلت سحّاء بالخـير مثل السلسـل الهدر
ألـوذ بالرّحـل أمشـي في معيته وأرتـوي مـن رسول الله بالنظـر
أُسّـر بالمشي وإن طال المسير بنا وما انقضى من لقاء المصطفى وطـري
أمـا الرداء الذي حج الحبيب به يا ليته كفن لي في دجـى الحُفـر
يا غافـلاً من مزاياه وروعتهـا يَمّـم إلى كتُـبِ التاريخ والسـير
يا رب لا تحرمنا مـن شفـاعته وحوضه العذب يوم الموقف العَسِـرِ