صوت المنبر

ا
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده سبحانه وتعالى ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله العظم من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله إمام كل رسول ونبي وسيد كل عالم وتقي بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيد عنها إلا هالك وبعد :
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته وأحذركم ونفسي من معصيته ومن مخالفة أمره كما أمر بذلك الحق تبارك وتعالى في كتابه العزيز فقال :
" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين " التوبة : 119
" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون " آل عمران : 102
" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا " الأحزاب : 70
" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون " الحشر : 18

أما بعد : -
اقتضت حكمة الله عز وجل أن لا يجعل خلوداً لمخلوق بل جعل سبحانه جميع المخلوقات إلى زوال حتماً ولو بعد حين وذلك لحكمة بليغة أرادها سبحانه هي اختبارهم وامتحانهم ثم حسابهم يوم القيامة على ذلك حين يقفون بين يدي العزيز الجبار ، واسمع لقول الله عز وجل حول هذا :-
" كلا إذا بلغت التراقي * وقيل من راق * وظن أنه الفراق * والتفت الساق بالساق * إلى ربك يومئذ المساق * فلا صدق ولا صلى * ولكن كذب وتولى * ثم ذهب إلى أهله يتمطى * أولى لك فأولى * ثم أولى لك فأولى * أيحسب الإنسان أن يترك سدى * ألم يك نطفة من مني يمنى * ثم كان علقة فخلق فسوى * فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى * أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى " القيامة ( 26 - 40 ) .
الموت أيها الأخوة موتان أصغر وأكبر أما الموت الأصغر فهو النوم وأما الأكبر فهو الموت الحقيقي وهذا ظاهر في قول الله عز وجل :- " الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون " الزمر 42 .
فالآية أيها الأخوة تبين أن النوم موت أصغر فمن كتب عليه بقي ميتاً ومن لم يكتب عليه بعث ليكمل أجله إلى وفاته ولذلك جاءت السنة ترشد المسلم إلى أذكار ودعوات قبل النوم وبعده لما فيه من الدعوة إلى الاعتبار والتفكير في قدرة الله تعالى . ومما ورد في ذلك أيها الأخوة ما رواه ابن حيان في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من قرأ سورة تبارك فمات من ليلته وقاه الله عذاب القبر " .
وغيره كثير ونلحظ في ذلك أجبتي في الله توجيه عظيم للعمل والاستعداد للموت لذلك كان وقته خفياً وعمله سراً بينه وبين نفسه ، وينبغي له كذلك أن لا يغتر بعمله الذي عمله من خير فقد يحبطه الله تعالى له بسبب غرروه ، وأيظاً ينبغي له المداومة على فعل الخير حتى الموت لألى يختم له بعمل أهل النار فيمسكها وفي هذا المعنى ما أخرجه مسلم عن أبي هريرة أن الرجل ليعمل الزمان الطويل بعلم أهل الجنة ثم يختم له بعمل أهل النار .
وكذلك ما رواه الشيخان في الصحيحين " عن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون وفي أصحابه رجل لا يدع شادة ولا فاذة إلا تبعها يضربها بسيفه ، فقالوا : ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان فقال رسول الله : هو من أهل النار ، فقال رجل من القوم : أنا صاحبه فاتبعه ، فجرح الرجل جرحاً شديداً فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه على الأرض وذبابة بين ثدييه ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه ، فأتى الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : اشهد أنك رسول الله ، وقص عليه القصة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدوا للناس وهو من أهل النار وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدوا للناس وهو من أهل الجنة " زاد البخاري " إنما الأعمال بالخواتيم " .
فاحذوا يا عباد الله فجأة الموت واعملوا لما بعد الموت من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال كما قال تعالى :
" يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون * وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين * ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون " المنافقون ( 9 - 11 ) .
عباد الله ادعوا الله عز وجل وسلوه التثبيت على الدين عند الموت وعند السؤال حتى تفوزا بتثبيته لكم كما قال سبحانه : " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء " إبراهيم : 27 .
أيها المسلمون :أخرج الإمام مسلم " عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن عز وجل كقلب واحد يصرفه حيث يشاء ، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك " .
أقول قولي هذا وأسغفر الله لي ولكم فيا فوز المستغفرين اسغفروا الله .
الخطبة الثانية
إن الحمد لله حمد الشاكرين والصلاة والسلام على إمام المتقين وسيد الأولين والآخرين وقائد الصحابة المجاهدين وأتباعهم الغر الميامين وبعد اتقوا الله يا عباد الله واعلموا أنكم ملاقوه واستوصوا بوصية الله لكم إذا قال سبحانه :- " ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله " النساء : 131 .
أما بعد : أيها الناس :-
من لازم طاعة ربه في دنياه نجاه الله من فتنة الموت والسؤال في القبر ومن تركها والعياذ بالله وقع في الفتنة ولا حول لا قوة له إلا بالله ، فقد روي بالأثر أنه لما مات ابن عباس رضي الله عنه ودفن سمع عند قبره قارئاً يقرأ ولا يعلم من هو سمع قارئاً يقرأ قول الله عز وجل :- " يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية * فادخلي في عبادي * وادخلي جنتي " الفجر : 27 - 30 . فما هو ابن عباس رضي الله عنه خير الأمة وترجمان القرآن لازم طاعة ربه طيلة حياته فوقاه الله فتنة الموت وعذاب القبر ، وروي أن رجلاً حضرته الوفاة فذكر بالشهادتين ولقنها وهو في سكرات الموت يا عبد الله فقال : أنا كافر بما تقولون ، فقال الراوي فتعجبت من صنيعه فسألت عنه فقالوا : إنه مدمن خمر فقال الراوي وأقولها بعدها أقول : اتقوا الذنوب فإنها التي أوقعته ، وأقولها لي ولكم عباد الله اتقوا الذنوب فهي التي توقعكم في النار .
عباد الله إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً اللهم صلي على محمد على آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد ،اللهم اهدنا فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت وتولنا فيما توليت وبارك لنا فيما أعطيت وقنا واصرف عنا يا مولانا شر ما قدرت به وقضيت إنك سبحانك تقضي ولا يقضى عليك ، اللهم أغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك يا ربنا قريب سميع مجيب الدعوات ، اللهم أهدي الأمة المحمدية ، اللهم أرفع مقتك وغضبك عنا برحمتك يا أرحم الراحمين .
والحمد لله رب العالمين .

مشكلة الكثيرين هي نسيان مصيرهم المحتوم ... الموت .