منزلة العلماء
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده سبحانه وتعالى ونستهديه ونعوذ بالله العظيم من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشداً وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنجي قائلها من النار وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله إمام كل رسول ونبي وسيد كل عالم وتقي بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك . عباد الله ... أوصيكم ونفسي بتقوى الله ولزوم طاعته وأحذركم ونفسي من معصيته ومن مخالفة أمره كما أمر بذلك الحق تبارك وتعالى في كتابه العزيز فقال :-
" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين " .
" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا " .
" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون " .
" يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة " .
أما بعد .... أيها الناس ....
أيها المسلمون :
روى الإمام مسلم في صحيحه أن " نافع بن عبد الرحمن لقي عمر بعسفان وكان عمر يستعمله على مكة فقال : من استعملت على أهل الوادي فقال ابن أبزى قال ومن ابن أبزى قال مولى من موالينا قال : فاستخلفت عليهم مولى قال إنه قارئ لكتاب الله عز وجل وإنه عالم بالفرائض قال عمر : أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال : إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين " .
عباد الله إن منزلة العلماء عظيمة عند الله وعند رسوله فجعل الله منزلتهم قريبة منه منهم الأخشى له قال سبحانه : " إنما يخشى الله من عباده العلماء " .
وجعلهم النبي الكريم ورثته فقال : " إن العلماء ورثة الأنبياء " .
والأحاديث إخوتي في الله في علو منزلة العلماء كثيرة ومواردها كبيرة نذكر ما يسعنا المقام لذكره ولله الحمد والمنة :
روى البخاري و مسلم عن " عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلط على هلكته في الحق ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها " .
وروى الترمذي في سننه " عن أبي مسعود الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنا ولا يؤم القوم الرجل في سلطانه ولا يجلس على تكرمته في بيته إلا بإذنه " .
انظر أخي في الله كيف رفع العلم أناساً وفضلهم وقدمهم على غيرهم .
روى الترمذي في سننه " عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ألا إن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالم أو متعلم " .
وروى كذلك " عن أبي هريرة من قوله رسول الله صلى الله عليه وسلم يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم فلا يجدون أحدا أعلم من عالم المدينة " . وقد سئل سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى من عالم المدينة فقال مالك بن أنس .
وروى الترمذي في سننه أيضاً عن " أبي أمامة الباهلي قال : ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان أحدهما عابد والآخر عالم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم ثم قال صلى الله عليه وسلم إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرضين حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير " .
ومن لطف الله عز وجل بعباده أيها الأحبة أن يسر لهم سبحانه على رأس كل قرن من يجدد لهذه الأمة دينها ويبعثه فيهم من جديد .
فقد روى أبو داود في سننه " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة عام سنة من يجدد لها دينها " .
فيا لسعده من هيأه الله تعالى لحمل لواء دينه وتجديده لعباده وبعثه فيهم من جديد.
روى ابن ماجة في سننه " عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم بهذا العلم قبل أن يقبض وقبضه أن يرفع وجمع بين إصبعيه الوسطى والإبهام هكذا ثم قال العالم والمتعلم شريكان في الأجر ولا خير في سائر الناس " .
وروى ابن ماجة أيضاً " عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ستكون فتن يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا إلا من أحياه الله بالعلم " .
وروى أحمد في تفسير قول الله عز وجل " نرفع درجات من نشاء " قال : قال مالك بن أنس بالعلم قلت من حدثك قال زيد بن أسلم .
وروى أحمد في مسنده " عن أنس بن مالك قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء يهتدي بها في ظلمات البر والبحر فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة " .
وروى الدارمي عن سعيد بن جبير في تفسير قوله " كونوا ربانيين " قال علماء فقهاء .
عباد الله إن منزلة العلماء عظيمة عند الله عز وجل فقد روى الدارمي عن عطاء قال : قال موسى يا رب إن عبادك أحكم قال الذي يحكم للناس كما يحكم لنفسه . قال يا رب أي عبادك أغنى قال أرضاهم بما قسمت له قال يا رب أي عبادك أخشى لك قال أعلمهم بي .
ودخل ابن سيرين المسجد فرأى فإذا سمير بن عبد الرحمن يقص وعمير بن عبد الرحمن يذكر العلم في ناحية المسجد فميلت إلى أيتها أجلس فنفست فأتاني آت فقال ميلت إلى أيتها تجلس إن شئت أرأيتك مكان جبرائيل من عمير بن عبد الرحمن .
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم والتائب من الذنب كمن لا ذنب له .
الخطبة الثانية
الحمد لله حمد الشاكرين والصلاة والسلام على قائد الغر الميامين وإمام الصحابة المجاهدين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :
اتقوا الله عباد الله واعلموا أنكم ملاقوه فقال سبحانه : " واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون " .
أما بعد :
إن خير العلماء من كان علمه وعمله وحياته لله أما من تعلم لدنيا فهذا شر الناس.
روى الدارمي في سننه " عن حكيم قال سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم عن الشر فقال لا تسألوني عن الشر واسألوني عن الخير يقولها ثلاثا ثم قال : ألا إن شر الشر شرار العلماء وإن خير الخير خيار العلماء " .
عباد الله إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم بالعالمين إنك حميد مجيد .
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك يا مولانا سميع قريب مجيب الدعوات .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين واخذل الشرك والمشركين أعدائك أعداء الدين .
اللهم يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك
اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك
اللهم ألهمنا ذكرك في كل أحوالنا . وأشغلنا يا ربنا بذكرك عن سواك .
اللهم أحينا على الإسلام وأمتنا على الإسلام مع زمرة المسلمين يا رب العالمين .
اللهم اصلح الراعي والرعية .
عباد الله اذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .