اتقاء المحارم اتقاء المحارم
أما بعد
نعيش اليوم مع وصايا غالية من وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم نسأل الله أن نكون من أهلها
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ يَأْخُذُ عَنِّي هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ فَيَعْمَلُ بِهِنَّ أَوْ يُعَلِّمُ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقُلْتُ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَخَذَ بِيَدِي فَعَدَّ خَمْسًا وَقَالَ اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا وَلَا تُكْثِرْ الضَّحِكَ فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ)( )
يا لها من وصايا غالية من نبى غالى الذى كان يحرص دائما على أن نكون خير أمة أخرجت للناس فتلك هى وصايا رسول الله فإن كنت من أهلها كنت من أولى الألباب وكنت من خير البرية الذين (رضى الله عنهم ورضوا عنه)
وإذا كان أبو هريرة قد فاز وسعد بوضع يده فى يد المصطفى وهو يزوده بهذه النصائح الغالية التى تشد من أجلها الرحال وتُنفق فى سبيلها الأموال وتُقطع فى طلبها مئات بل آلاف الأميال ففى استطاعتك أخى المسلم أن تتصور نفسك وقد تشرفت بوضع يدك فى يد الحبيب صلى الله عليه وسلم وهو يُوصيك بأول وصية اتق المحارم تكن أعبد الناس ومعنى ذلك لن تكون عبداً حقيقياً لله إلا إذا اجتنبت المحارم وابتعدت عن محارم الله عز وجل لن تكون عبداً خالصاً لله إلا بالبعد عن محارمه فما هى هذه المحارم حتى نجتنبها ونبتعد عنها لنكون من أعبد الناس لله رب الناس
المحارم هى المعاصى والمنهيات التى نهانا الله ورسوله عنها وترك المأمورات التى أُمرنا بها
ومعنى ذلك أنه إذا كان الله تعالى قد أمرك فى كتابه العزيز وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم الذى لا ينطق عن الهوى بفعل شىء أو تركه فإنه يحرم عليك عدم الاستجابة لأوامره ويحرم عليك فعل ما نهى عنه وإلا كنت من العصاة المذنبين (الأخسرين أعمالا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً)( )
وحتى لا تكون من أهل الخسران لابد وأن تقف على الأوامر والنواهى التى يجب عليك كعبد من عباد الله الحقيقين أن تعرفها حتى تكون منفذا لما فيها وما فى غيرها من أوامر ومجتنبا لجميع النواهى
وإليك أخى المسلم أية جامعة لأهم الأوامر والنواهى يقول الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)( ) إن الله يأمر بالعدل وهو التوحيد شهادة أن لا إله إلا الله بأن يكون توحيدك لله وحده لا شريك له بأن تكون عبداً خالصاً لمولاك الذى خلقك فسواك فعدلك فى أى صورة ما شاء ركبك عن ابن مسعود رضى الله عنه قال (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أى الذنب أعظم عند الله قال أن تجعل لله نداً وهو خلقك) فإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله وإذا توكلت فتوكل على الله وإذا اعتصمت فاعتصم بالله وكما يقول أَبِو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ، قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ)( )
والإحسان بأن تكون حسن الأخلاق فى السر والعلن وإيتاء ذى القربى بأن تصل الأرحام كما قال تعالى (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً)( ) وينهى عن الفحشاء وهى الزنا (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)( ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ : " لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ)( ) انظر أخى المسلم كيف نفى النبى الإيمان عن ما يقع فى تلك المحرمات ويعصى المولى عز وجل معنى ذلك أنك لن تكون مؤمنا موحدا لله وعبدا له إلا بالبعد عن محارمه وبالبعد عن المعاصى والذنوب.
والمنكر هو كل ما ينكره العقل والبغى هو الظلم عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: " اتَّقُوا الظُّلْمَ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاتَّقُوا الشُّحَّ، فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ)( )
أخى المسلم ضع هذا الحديث أمام عينيك عن عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: (الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ)( )
أخى المسلم إذا كنت تريد أن تكون أعبد الناس فاتقى المحارم وابتعد عن المعاصى والآثام وإياك أن تحتقر ذنبا مهما كان صغيرا فمعظم النار من مستصغر الشرر فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: (إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ)( )
واحذر أخى المسلم عدوك الأول اللدود احذر أن تقع فى شباك الشيطان الذى حذرنا الله من مكايده وفتنته فقال تعالى (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)( ) وقال (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ)( )
وحتى تكون حذراً من الشيطان فإليك أخى المسلم بعض مكايده التى يكيدها للإنسان ليقع فى معصية الله فقد جاء أن إبليس ظهر ليحيى بن زكريا عليهما السلام فرأى عليه معاليق من كل شىء فقال يحيى يا إبليس ما هذه المعاليق التى أراها عليك؟ قال هذه الشهوات التى أُصيد بهن ابن آدم فقال يحيى فهل لى فيها من شىء؟ قال ربما شبعت فثقلناك عن الذكر فقال يحيى فهل غير ذلك؟ قال لا قال يحيى لله علىّ أن لا أملأ بطنى من طعام أبداً فقال إبليس ولله علىّ أن لا أنصح مسلماً أبداً
وقيل لما ركب نوح السفينة رأى فيها شيخا لم يعرفه فقال له نوح ما أدخلك؟ قال دخلت لأصيب قلوب أصحابك فتكون قلوبهم معى وأبدانهم معك فقال له نوح أخرج يا عدو الله فقال إبليس خمسُ أُهلك بهنّ الناس وسأحدثك بثلاث منهنّ ولا أُحدثك باثنتين فأوحى الله إلى نوح أن يخبره بأنه لا حاجة له إلى الثلاث وأن يحدثه بالاثنتين فقال إبليس بهما أُهلك الناس وهما لا يكذبان الحسد والحرص والحسد هو أن يرى المرء لأخيه نعمة فيتمنى أن تزول وتكون له دونه والحرص نوعان حرص فاجع وهو حرص المرء على الدنيا وهو مشغول معذب بها فلا يفرغ من محبتها وحرص نافع وهو حرص المرء على طاعة الله أملا فى رحمته تعالى يقول إبليس عن الاثنتين الحسد والحرص
فبالحسد لُعنتُ وجُعلت شيطانا رجيما وبالحرص أُبيح لآدم الجنة كلها فأصبتُ حاجتى منه فأُخرج من الجنة.
وقيل إذا أصبح إبليس بث جنوده فى الأرض فيقول من أضل مسلما ألبسته التاج فيقول قائل من جنوده الشياطين لم أزل بفلان حتى طلق امرأته يقول إبليس يوشك أن يتزوج ويقول أخر لم أزل بفلان حتى عق فيقول إبليس يوشك أن يبر يقول أخر لم أزل بفلان حتى زنا يقول إبليس أنت الذى تلبس التاج ويقول آخر لم أزل بفلان حتى شرب الخمر فيقول بل أنت ويقول آخر لم أزل بفلان حتى قتل فيقول أنت أنت وهكذا فاحذر أخى المسلم الشيطان وإياك أن تقع فى المعاصى وتقترف الذنوب والآثام فجاهد شيطانك الذى يحرص دائما وابدا على إغوائك مع أن كيد الشيطان مهما بلغ ومهما كان فهو ضعيف كما أخبرنا بذلك الله فقال (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً)( )
فاستعن عليه بالله (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)( )
عباد الله اتقوا المحارم وابتعدوا عن المعاصي لتكونوا من أعبد الناس لله عز وجل
الدعاء
كتبه الشيخ أحمد الموزى
امام وخطيب مسجد الرحمة بمليج ادارة شبين الكوم