نحن احق بموسى عليه السلام من عجائب استدلالات اليهود
من أعجب ما رأيت من تعلق اليهود بموسى وبما جاء به أمران: أحدهما: تعلقهم بما أخبر الله عنهم وامتن عليهم به من أن الله اصطفاهم على العالمين، فصاروا يزعمون أنهم شعب الله المختار، مع أن الله كتب عليهم الذلة والصغار وسوء العذاب إلى يوم القيامة، وإنما فضلهم الله تعالى على عالمي زمانهم فقط لما آمنوا واتبعوا موسى عليه الصلاة والسلام، وهكذا نشأت هذه العقيدة العرقية العنصرية عندهم تحريفاً وتكذيباً بما أخبر الله تبارك وتعالى.
الثاني: احتجاجهم على عنصريتهم لبني جنسهم، وجواز الاعتداء على غيرهم بقصة موسى حينما وكز المصري الفرعوني حين استنصر به الإسرائيلي الذي كان يختصم معه، فلما وكزه موسى قضى عليه، ولم يكن يقصد قتل الرجل وإنما أراد أن يدفع هذا الفرعوني عن الإسرائيلي بضربة تكفه عن الأذى، ولكن هذه الضربة -لقوة موسى- أدت إلى قتله، فلما رآه موسى قتيلاً { قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ } [القصص:15]، ثم أخذ يستغفر الله مما فعل، فغفر الله له، وكل ذلك كان قبل النبوة.
لكن اليهود يحتجون بهذا على ما هو معروف من طبيعتهم ومواقفهم من غير اليهود، من جواز الاعتداء عليهم، وأكل أموالهم، وقتلهم ونحو ذلك، وليس هذا بغريب منهم فتلك طبيعتهم، وهذا منهجهم مع كتب الله، ومع أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام.
موقف اليهود من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
أما موقفهم من صاحب الرسالة الخاتمة محمد صلى الله عليه وسلم فهو معروف، فهم يعلمون علم اليقين أنه نبي ورسول إلى العالمين، ومع ذلك كفروا به، وآذوه، وحاربوه، وحاربوا أتباعه، ولا يزالون يحاربوهم.
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما يقول لليهود: ( نحن أحق بموسى منكم ) إنما يقرر قاعدة عقدية كبرى لهذه الأمة الإسلامية، إن هذه القضية قضية كبرى بالنسبة لنا نحن المسلمين وخاصة في هذه العصور المتأخرة، فهل نعي حقيقة ديننا؟ وهل نعي حقيقة أعدائنا؟ اللهم إنا نسألك أن تبصرنا بديننا، اللهم إنا نسألك أن تبصرنا بديننا يا رب العالمين! أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل الكريم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
أحقية المؤمنين الصادقين بكل حق وخير ممن ادعاه كذباً وزوراً
أحقية المؤمنين بعيسى من النصارى
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على صاحب الرسالة الخاتمة محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن سار على نهجهم، واهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: إن القاعدة التي هي نص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( نحن أحق بموسى منكم ) خطاباً لليهود، نستطيع أن نطبقها على غير اليهود من أهل الملل والنحل والفرق، فنطبقها على النصارى فنقول لهم: نحن المسلمين أحق بعيسى منكم، فهو عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وهو نبي رفعه الله إليه إلى السماء، وسينزل في آخر الزمان ليحكم بالقرآن، ويدعو إلى الإسلام وإلى الشريعة التي جاء بها محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ولن يقبل من اليهود ولا من النصارى جزية ولا عهداً ولا ذمة، وإنما سيقرر لهم ما يقرره المسلمون مع الكفار الوثنيين: إما الإسلام، وإما السيف، وذلك حين يقوم سوق الجهاد إذا نزل عيسى عليه الصلاة والسلام.
فنحن أحق بعيسى من هؤلاء النصارى، ونحن نبرأ إلى الله ممن عبده من دون الله، أو من زعم أنه قتل وصلب، أو من حرف هذه الديانة وتلك الشريعة التي جاء بها هذا النبي الكريم، ومن ثم فنحن نبرأ إلى الله من الاعتراف بدينهم، أو تصديقهم به، ونؤمن ونصدق أن هؤلاء الكفار خالدون مخلدون في النار، ولا يقبل الله منهم صرفاً ولا عدلاً حتى يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، حتى ولو وحدوا الله، ولو عملوا بما عندهم من التوراة أو الأناجيل، فهي منسوخة بالقرآن، ولن يكون أحد منهم مسلماً مؤمناً موحداً حتى يتبع ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ووالله! إني لأقرر هذه القضية من هذا المكان وأنا خجل؛ لأنها قضية بدهية، ولكن ماذا نصنع وبعض المسلمين اليوم بدأت تتغير عندهم هذه المفاهيم حتى في قضية تكفير اليهود أو النصارى، ولقد سمعنا من يقول: هؤلاء أهل كتاب، هؤلاء يدينون بكتابهم، هؤلاء أهل دين محترم، ونحن نقول: إن هؤلاء من الكفار، ولم يتميزوا عن الملحدين والوثنيين إلا بشيء واحد وهو: أنه تقبل منهم الجزية والأمان، وذلك رحمة بهم؛ حتى يدخلوا في دين الله تبارك وتعالى.
أيها الإخوة في الله! إن ضرب الجزية والصغار على أهل الكتاب هو منهج دعوي عظيم إلى الإسلام؛ لأن هؤلاء لما كانوا بين ظهراني المسلمين، وكانت تفرض عليهم شروط الجزية والذلة والصغار، كان الواحد منهم يشعر بذلك، فإذا أراد أن ينتقل إلى عزة وكرامة فلا طريق له إلى ذلك إلا أن يدخل في الإسلام، فكان ذلك سبباً في دخول كثير منهم في دين الله تبارك وتعالى.
إن هذه القضية تحتاج إلى بسط وبيان، لكنني أشير إليها هنا إشارة: إن اليهود أو النصارى ليسوا بمؤمنين ولا مسلمين، وليسوا من أهل الجنة حتى يؤمنوا بهذا النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم الذي بشر به أنبياؤهم من قبل، والذي نسخت شريعته شرائع الأنبياء من قبله، قال الله: { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [آل عمران:85].
أحقية المؤمنين الصادقين بآل البيت من الرافضة
يحق لنا أن نطبق هذه القاعدة: [نحن أولى بموسى منكم] على الرافضة الذين يلتقون مع اليهود في أشياء كثيرة منها: أنهم في يوم عاشوراء يقيمون المآتم لأن الحسين رضي الله عنه قتل في هذا اليوم، ونحن نقول للرافضة: نحن أولى بـ الحسين وبآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منكم، فنحن نحبهم، ونترضى عنهم، ونشهد لهم بما شهد الله، وبما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنحب فاطمة و علياً و الحسن و الحسين ، ونحب خديجة أم فاطمة وبقية أولاد الرسول صلى الله عليه وسلم، ونحب عائشة أم المؤمنين، ونحب بقية زوجاته الطيبات الطاهرات، فحب آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم هو من منهاج أهل السنة والجماعة واقرءوا أي كتاب من كتب العقيدة التي تنهج نهج أهل السنة والجماعة، فستجدون فيها التصريح بموالاة آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير تفريط ولا إفراط، ومن هنا: فنحن أولى بآل بيت رسول الله من صحابته الكرام وغيرهم من هؤلاء الذين عبدوهم من دون الله، ونحن أولى بهم من هؤلاء الذين غلوا فيهم غلو اليهود والنصارى في أنبيائهم.
أيها الإخوة في الله! يجب علينا -أهل السنة والجماعة- أن نعرف لأصحاب رسول الله، ولآل بيته الطيبين الطاهرين حقهم وقدرهم وقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فنحبهم، ونترضى عنهم، وندافع عنهم، ونكافح، ومن ذلك أن نبعد عنهم كل غلو أو تفريط.
إن هذه الأمة وسط، وهي أحق بأنبياء الله؛ لأنهم آمنوا بجميع الأنبياء، وقد رفع الله هذه الأمة بالإسلام، ورفعها الله بالقرآن، ولا يكون ذلك إلا إذا عرفت قدر نفسها، وقدر دينها، واستيقظت من سباتها، وعلمت يقيناً حقائقها وعقائدها الثابتة التي لا تتغير ولن تتغير أبداً حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
إنها حقيقة كبرى يجب أن نعيها وعياً عملياً لا نظرياً، ويجب أن نربي عليها أنفسنا وأولادنا والمسلمين جميعاً، ويجب أن نقررها، وأن ندعو إليها