الوصيه بين الحل والحرمه
ملخص الخطبة
_________
1 - الأمر بكتابة الوصية
2 - حكم كتابة الوصية
3 - حكم الإضرار بالوصية
4 - بعض أحكام الوصية
_________
الخطبة الأولى
_________
أما بعد:
فإن الله قد بعث محمد هادياً ، ومبشراً، ونذيراً، وداعيا إلى الله بإذنه، وسراجا منيراً فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، حتى أتاه اليقين.
وكان مما قال : ((إذا مات الإنسان، انقطع عمله، إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)) (1).
عباد الله!
ومن الصدقة الجارية التي تنفع الإنسان بعد وفاته الوصية، وهي التبرع بالمال بعد الموت، ولتصرف بالحق:
قال تعالى: كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية [البقرة:180].
وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت [المائدة:106].
وقال : ((ما حق امريء مسلم له شيء يوصي به أن يبيت ليلتين إلا وصيته مكتوبة عنده)) (2).
فدل هذا الحديث على المبادرة بالوصية وكتابتها.
وذكر ابن قدامة رحمه الله إجماع أهل الأمصار في جميع الأعصار على مشروعية الوصية
عباد الله!
وتتأكد المبادرة بالوصية إذا كان المسلم في حالة خطر، كاستقبال سفر، أو اشتداد مرض، وركوب بحر، ومثله الجو، والمراكب الخطرة، ودخول المعركة.
عباد الله!
ومن الوصية ما تجب كتابته، ومنها ما تستحب:
فأما ما تجب كتابته، فيجب على الإنسان أن يوصي بوفاء ما عليه من حقوق، سواء كانت تلك الحقوق للعباد، كالديون التي ليس عليها إثبات ولا يعلمها إلا هو، وكذلك ما عنده من الودائع والأمانات، أو كانت الحقوق لله، كالكفارات، والحج الفرض، والزكاة التي لم يخرجها، فيوثق ذلك بكتابة، حتى لا يضيع حق غيره، ولا يدخل على الورثة ما ليس لهم، ومثله إذا كان له حق على أحد، ولم يستوفه، ولم يسامحه به في حال صحته، فيجب أن يوثقه، حتى لا يضيعه على ورثته، وحتى لا يتسبب لمن هو في ذمته بأكل ما ليس له، فلربما ينسى، ولربما يضيع اسم الغريم فلا يعرف من وراء الميت، وهذا ما يحدث كثيراً.
وأما حالة استحبابها، فيستحب أن يوصي المسلم من ماله لنفسه إذا كان له مال، ليجري ثوابه بعد موته، لحديث: ((إذا مات ابن آدم، انقطع عمله، إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)) (3).
وأما إن كان ماله قليل وورثته فقراء، فيكره له أن يوصي بشيء من ماله، لحديث سعد بن أبي وقاص: ((إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس)) (4) ، ولأنه عدول عن الأقارب المحتاجين إلى الأباعد، وذلك خلاف الأفضل.
وأما الوصية لأحد الورثة، فمحرمة، لحديث: ((إن الله أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث)) (5) ، وإن أجازه الورثة، نفذت.
عباد الله!
إن بعض الناس يخص بعض ورثته بشيء من ماله، كاستئجار عقار، أو منحة، أو منح مال أو غيره، ومن فعل ذلك، فقد عصى الله ورسوله، وتعدى حدود الله، وظلم نفسه، وظلم ورثته، حيث اقتطع من حق بعضهم لبعض.
ومن أوصى بوقف شيء من ماله على بعض ورثته دون بعض، فقد أوصى لوارث، حيث خص بعض ورثته باستقلال بما أوقفه عليهم دون الآخرين، وإذا كان لا يجوز أن يوصي لبعض ورثته باستقلال بالتصرف في العقار أو بسكن الدار شهراً فكيف يجوز له أو يوصي بوقف ثلثه على أولاده أو ذريته دون غيرهم من بقية الورثة؟ فإن هذه وصية جائرة، يجب إبطالها والرجوع عنها، وإن كان قد كتبها وأشهد عليها!!
كيف يرضى الإنسان أن يوصي بعد موته ومغادرته الدنيا بمعصية الله ورسوله؟!
ماذا تكون إجابته إذا سئل عن ماله: من أين جمعه، وفيم أنفقه؟!
وتحرم الوصية أيضا إذا وقعت منها المضارة، لقوله تعالى: من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من الله [النساء:12]. أي: غير مدخل للضر على ورثته، ولحديث: ((إن الرجل ليعمل أو المرأة بطاعة الله ستين سنة، ثم يحضرهما الموت، فيضاران بالوصية، فتجب لهما النار)) ، ثم قرأ أبو هريرة: من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من الله )) (6).
عباد الله:
ويستحب تعجيل الوصية قبل أمارات الموت، لحديث أبي منحة، قال: قال رجل: يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجراً؟ قال: ((أن تصدق وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان كذا)) (7)
وأما مقدار ما يوصى به، فالثلث، فلا حق له في الوصية بأكثر من الثلث، إلا إذا أجازها الورثة.
والأولى أن تكون أقل من الثلث، كالربع مثلاً، قال ابن عباس رضي الله عنهما: لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع، فإن رسول الله قال: ((الثلث والثلث كثير)) (
.
اصدقوا العزيمة، وتغلبوا على أنفسكم بتصحيح وصاياكم وتطبيقها على الشرع ولا تتصرفوا فيها تصرفاً يكون وبالاً عليكم وأنتم في سعة من ذلك.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.