صوت المنبر

(الحمد لله رب العالمين .الرحمن الرحيم.مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) يقول الله تعالى

(وإذا سألك عبادى عنى فإنى قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لى وليؤمنوا بى لعلهم يرشدون)

ويقول سبحانه وتعالى

(وقال ربكم ادعونى أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين)

إلى المقدمة

آمنت بالله وحده وكفرت بالجبت والطاغوت واستمسكت بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم ، الحمد لله المستحمد إلى خلقه بلطيف صنعه البر بعباده العاطف عليهم بفضله موئل المؤمنين ومولاهم وكهف الآيبين به وملجئهم الذى أمر بالدعاء وجعله وسيلة الرجاء وعلم خلقه كيفيته فكل من خلقه يفزع فى حاجته إليه ويعول عند الحوادث والكوارث عليه سبحانه من لطيف لم تخف عليه مضمرات القلوب فيفصح له عنها بنطق بيان

ولم تستتر دونه مضمنات الغيوب فيعبر له عنها بحركة لسان لكنه أنطق الألسن بذكره لتستمر على وله العبودية تظهر به شواهد أعلا م الربوبية ، أحمده حمد الشاكرين وأومن به إيمان العارفين وأسأله أن يصلى على نبيه سيد العارفين سيدنا محمد شاهد الصدق لدين الحق دليل العباد إلى سبيل الرشاد وعلى آله الطيبين وأصحابه المخبتين وان يسلم عليه وعليهم تسليما كثيرا لاينفد

أما بعد

أرجو من الله أن اكون قد وفقت فى جمع الدعوات بأحسن الكلام بجوامع الكلم ذا المعنى الجامع فى هذا الكتاب الخاص بالدعاء والذى ذكره الله عز وجل فى كتابه العزيز كما ورد ذكره فى كلمات خاتم النبيين صلى الله عليه وعلى آله وسلم والذى ورد ذكره أيضا على لسان بعض الصالحين رضوان الله عليهم أجمعين وقد حرصت بفضل الله على أن أثبت فى الأدعية التى لا شك فيها ولاشرك ولا افتراء حتى نعلم أن صاحب هذه النعم يستحق هذا الخضوع وهذا الذل وهذا الدعاء وهذا الجهد وهذا التكلان فحقيقة هذا الدعاء هو استدعاء العبد ربه عز وجل وفى الحقيقة هو إظهار الإفتقار إليه سبحانه وتعالى والتبرؤ من الحول والقوة فهى سمة العبودية لله واستشعار الذل للخالق كما أن هذا الدعاء ثناء على الله عز وجل وإضافة الجود والكرم إليه ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (الدعاء هو العباده) وعن النعمان بن بشير رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم(إن الدعاء هى العبادة )وقرأ (وقال ربكم ادعونى استجب لكم ) فمعنى أنه ذكّـر الأولى وأنّث الثــــــانية

أن الأولى أنه معظم العباده أو أفضل العباده وأما الثانية فإنما أنثت على نية الدعوة أو المسألة أو الكلمة وقد ورد عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال (لايرد القضاء إلا الدعاء) وعنه أيضا (أن الدعاء والقضاء يلتقيان فيعتلجان مابين السماء والأرض)

إذن من أبطل الدعاء فهو فاسد العقيدة لأن الله الله عز وجل قال (ادعونى استجب لكم ) وقال تعالى (قل مايعبأ بكم ربى لولا دعاؤكم) فإبطال الدعاء هو إنكار للقرآن .

إن الإشتغال بالدعاء هو الترجى فى الله والتعلق بالطمع فى طمأنينة النفس والسعى إلى الله به والدأب فيه لله واليقين فى الإجابة يسكن النفس ويريحها كما أن بدونه يسكن اليأس فى النفس فيبلدها ويطفئها وقد قضى الله سبحانه وتعالى أن يكون العبد ممتحنا ومعلقا بين الرجاء والخوف الذين هما مدرجتا العبودية فهى سمة كل عبد وعلى هذا بنى الأمر فى معانى مانعتقده فى مبادئ الأمور التى هى الأقدار والأفضلية مع التزام الأوامر التى تُعُبِّدنا بها ووُعدنا عليها فى المعاد والثواب والعقاب

ولما عرض فى هذا من إشكال سألت الصحابة رضوان الله عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا (أرأيت أعمالنا هذه أشئ قد فرغ منه أم أمر نستأنفه؟فقال: بل هو أمر قد فرغ منه قالوا : ففيم العمل إذا .... .. .)

فانظر كيف أن الرسول علقهم بين الدعاء وبين أن الله قدر ماقدره لكل إنسان بهذا يكون صلى الله عليه وآله وسلم رهنهم بسابق القدر المفروغ منه ثم ألزمهم العمل الذى هو مدرجة العبد لتكون تلك الأفعال أمارة مبشرة ومنذرة ـ فلم يبطل السبب الذى هو كالفرع ـ بالعلة التى هى له كالأصل ولم يترك أحد الأمرين للآخر وأخبر مع ذلك أن فائدة العمل هو القدر المفروغ منه وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم (كل ميسر لما خلق له) يريد أنه ميسر فى أيام حياته للعمل الذى سبق له القدر به قبل وقت وجوده وكونه

إلا أن الواجب علينا أن نفرق مابين الميسر والمسخر الموفق له فيسره لليسرى أى وفقه لها وهو أيضا المُعدّ أما المسخر فهو <كل مقهور مدبَّر لايملك لنفسه مايخلصه من القهر > ومن أمثال المسخر:ـ

(1) الرزق... فيقدر الله عز وجل أن يرزقنا جميعا بدون أى سبب من الأسباب لكنه سبحانه وتعالى خالق هذا الخلق وهو الذى يتكفل برزقهم ثم حثنا فى ديننا على العمل وجعل الله عز وجل العمل سببا فى جلب الرزق وهو أمر مفروغ منه فى الأصل ولكن لا يزيده الطلب ولا ينقصه الترك

(2) العمر ... قد جعل الله سبحانه وتعالى للإنسان ولكل المخلوقات أجلا ينتهى عنده حياته وحركته ونفسه إذ قال تعالى (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولايستقدمون ) وقد عرف عن عامة السلف والخلف مع علمهم بأن ماتقدم من الأقدار وخاصة فى العمر أن الإنسان إذا مرض تعالج بالعقاقير ولأدوية فهل معنى ذلك أن العقاقير والأدوية تزيد فى العمر شيئا؟ قطعا لا ولكن هذا هو الأخذ بالأسباب فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال (تداووا عباد الله فإن الله جعل لكل داء دواء) ذلك للإستشفاء من هذا المرض فإن كان فى العمر بقية جعل الله فى هذه العقاقير والأدوية الشفاء ولمن إذا انتهى هذا المقدر فلا علاج ولا أطباء فإن قدرت الله قد لطف بعباده فعلل طباعهم البشرية بوضع هذه الأسباب ليأنسوا بها فيخفف عنهم ثقل الإمتحان الذى تعبدهم به وليتصرفوا بذلك بين الخوف والرجاء وليستخرج منهم وظيفتى الشكر والصبر فى طوارئ السراء والضراء والشدة والرجاء ومن وراء ذلك علم الله ـتعالىـ فيهم ولله عاقبة الأمور وهو العليم الحكيم لامعقب لحكمه ولاراد لقضائه (لايسأل عما يفعل وهم يسألون).

فإن قيل فى تأويل قوله سبحانه وتعالى (ادعونى استجب لكم )وهو وعد من الله عز وجل يلزم الوفاء به ولايجوز الخلف فيه قيل هذا مضمر فى المشيئة لقوله ( بل إياه تدعون فيكشف ماتدعون إليه إن شاء) ،وقد يرد الكلام بلفظ عام مراده خاص وإنما يستجاب من الدعاء ما وافق القضاء ومعلوم أنه لاتظهر لكل داع استجابة دعائه فعلمت أنه إنما جاء فى نوع خاص منه وقد قيل فى معنى الإستجابة أن الدعاء الذى لايستجاب له فى الدنيا إنما يعطى الداعى عوضا عن دعائه إن لم يوافق دعائه القضاء فإنه يعطى سكينة فى نفسه وانشراحا فى صدره يسهل عليه احتمال ثقل الواردات عليه وعلى كل حال فلا يعدم فائدة دعائه وهو نوع من الإستجابة .

أما الذى وافق القضاء فربما كان ذلك إسعافا لطلبه الذى دعا فى إجابته وقد روى أبو هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال مامن مؤمن ينصب وجهه لله عز وجل يسأله مسألة إلا أعطاه إياهاإما عجّلها له فى الدنيا وإما ادّخرها له فى الآخرة مالم يعجَل قالوا وما عجلته ؟ قال :يقول : دعوت دعوت فلا أراه يستجاب لى )رواه البخارى ومسلم وفى مسند الإمام أحمد والترمذى .

أخى المسلم الداعى إلى الله

مما سبق يتضح أنه لابد من التعبد لله بالدعاءحيث أنه هو العبادة فهو جزء من الإسلام ولكن بما ثبت فى معنى الدعاء ووجوب العمل به فإن لصحته ـ كعبادة ـ شرائط .

شروط صحة الدعاء

(1)أن يكون ذلك من العبد بإخلاص نية .

(2) إظهار الفقر لله عز وجل .

(3) إظهار المسكنة لله عز وجل .

(4)التضرع والخشوع لله عز وجل .

(5) الدعاء على طهارة .

(6) أن تستقبل القبلة .

(7)أن تقدم الثناء على الله عز وجل .

( أن تتبع الثناء بالصلاة على النبى صلى الله عليه وآله وسلم ثم تختم الدعاء أيضا بالصلاة على النبى صلى الله عليه وآله وسلم .

(9) من السنة أن ترفع يديك لله عز وجل باسطا كفيك غير ساتر لهما بثوب أو غطاء .

(10) عدم الجهر الشديد بالصوت ويكره الإشارة فيه بإصبعين وإنما يشير ألإمام فى خطبة الجمعة وقت الدعاء بإصبعه المسبحة (السبابة سابقا) فى يده اليمنى .

(11) يستحب الإقتصار على جوامع الدعاء ويكره الإعتداء فيه .

(12) يستحب الإكثار منه لما روى عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال " إن الله يحب الملحين فى الدعاء " وقال "إذا دعا أحدكم فليستكثر فإنما يسأل ربه " وعلى هذا فالإعتداء المقصود ليس هو كثرة الدعاء .

(13) يكره فيه السجع ـ كنهايات أبيات الشعرـ وتكلف صنعة الكلام له .

(14) لايجوز أن يدعو بالمحال ولا أن يطلب ما لا مطمع فيه كالخلود فى الدنيا مثلا لأنها لله فقط .

(15) لايجوز أن تدعو بمعصية ولا قطيعة رحم .

(16) أن تتخير أحسن الألفاظ وأنبلها فى الثناء على الله عز وجل وأجمعها للمعانى وأبينها لأنه مناجاة العبد سيد السادات الذىليس له مثل ولا نظير لأن كل الأسياد ـ دون الله عز وجل ـ يرفضون الطريقة الشديدة والأسلوب الغير معبر عن معنى فلا يستجيبون لطلبهم بهذه الطريقة فما ظنك برب العزة تبارك وتعالى وبمقام عبده الذليل بين يديه ومن عسى أن يبلغ بجهد بيانه كنه الثناء عليه .

وهذا رسوله ونبيه صلى الله عليه وآله وسلم وصفيه ٌ أظهر العجز والإنقطاع دونه فقال فى مناجاته "وأعوذ بك منك ٍسبحانك لاأحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك "فسبحان من جعل عجز العاجزين عن شكره والثناء عليه شكرا لهم كما جعل معرفة العارفين بأنهم لا يدركون كنه صفته إيمانا لهم .

واترك كلام المتكلفين من أهل الجهل والجهالة والجرأة على الله عز وجل فليجتنبها الداعى إلا ماوافق منها الصواب إن شاء الله تعالى وأول من انتبه لذلك ابن عباس رضى الله عنه فإنه سمع رجلا يقول عند الكعبة (يارب القرآن ) فقال له ( مه !إن القرآن لا رب له إن كل مربوب مخلوق .)

(17)يجب أن تراعى فى الأدعية الإعراب الذى هو عماد الكلام وبه يستقيم المعنى وبعدمه يحثل ويفسد وربما انقلب المعنى باللحن حتى يصير كالكفر ان اعتقده صاحب الدعاء

كمن قرأ إياك نعبد وإياك نستعين بتخفيف الياء فى إياك فيتغير المعنى فبالتخفيف الإيا هو ضوء الشمس فيصير كأنه يقول شمسك نعبد وهذا كفر ان اعتقده صاحب الدعاء

.... ولقد كان يقول المعلم ابوعثمان المزنى لبعض تلامذته : عليك بالنحو فإن بنى اسرائيل كفرت بحرف واحد ثقيل خففوه قال الله لعيسى (إنى ولَّدتك ) فقالوا إنى ولدتك بالتخفيف فكفروا ؛وقال أيضا المرزبان الرياشى :مرّ الأصمعى برجل يقول فى دعائه (يا ذو الجلال والإكرام) فقال :مااسمك قال :ليث ؛فأنشأ يقول:

ينادى ربه باللحن ليث لذاك إذا دعاه فلا يجيب

ولما كان الدعاء مخ العبادة وبه يسأل العبد ربه الهداية إلى الصراط المستقيم وهو أجل المطالب ونيله أشرف المواهب علمنا مما سبق كيفية سؤال الله الذى هو أساس العلم فى ذلك وكان الله سبحانه كثير النعم على الإنسان بنعمه البدنية والكونية حتى الأخروية إذ أنه يستحق هذا الخضوع وهذا الدعاء وهذا الجهد وهذا التكلان ويكفى أنه خالق العدم والوجود والنعم .

ومما سبق اتضح أن أفضل الدعاء ماأخذ من القرآن الكريم

ويليه المأخوذ من السنة النبوية الشريفة ويلى ذلك ماجاء على ألسنة الصحابة والتابعين والأولياء الصالحين رضى الله عنهم أجمعين .

وقد أمرنا الله تعالى أن ندعوه وأن نتضرع إليه فإن هذا هو أدب العبودية مع الله تعالى ولا يكون العبد عبدا حقا إلا إذا تشعر فى نفسه الخضوع لله والإفتقار إليه واللجوء إلى ساحته فى كل وقت ( تعرف إلى الله فى الرخاء يعرفك فى الشدة ) فى الرخاء وفى الشدة وفى السعة والضيق والغنى والفقر والقوة والضعف والنبى صلى الله عليه وسلم ينصحنا بأن يأخذ العبد من نفسه لنفسه ومن دنياه لآخرته ومن الشيبة قبل الكبر ومن الحياة قبل الموت وقد جاءت الدعوة إلى الدعاء صريحة فى قوله تعالى (ولا تتمنوا مافضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما كسبوا وللنساء مما اكتسبن وسئلوا الله من فضله إن الله كان بكل شئ عليما )

وفى قوله تعالى : ( وإذا سألك عبادى عنى فإنى قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لى وليؤمنوا بى لعلهم يرشدون )

وفى قوله تعالى : (وقال ربكم ادعونى استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين )

ولقد وعد الله الداعين بالا ستجابة وقد جاء عن النبى صلى الله عليه وسلم ( إن الله تعالى حيي كريم يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرا خائبتين ) وهو حديث صحيح عن سلمان

وقال أيضا فى حديث عبادة ( ماعلى الأرض من مسلم يدعو الله بدعوة إلا آتاه الله إياها أو صرف عنه من السوء مثلها مالم يدع بإثم أو قطيعة رحم مالم يعجل يقول قد دعوت ودعوت فلم يسم يستجب لى ) وهو حديث حسن

وقال أيضا من حديث أبى هريرة (من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد فليكثر من الدعاء فى الرخاء ) وهو حديث حسن