تربية الضمير فى نفوس الأطفال
تهدف عملية التربية إلى أن يتعرف الطفل الخطأ والصواب وأن يميز بينهما
بمساعدة والديه أو تحت إشراف مربيه فقط ، ولكن عملية التربية على المدى
البعيد تهدف إلى تربية ما يسمى بالضمير لدى هذا الطفل لتتكون لديه البوصلة
الذاتية التي يستطيع من خلالها تمييز الحسن من القبيح والصواب من الخطأ دون
توجيه أو إرشاد من أحد ..
فما هو الضمير وهل هو موجود في الفطرة الإنسانية أم يتم
تكوينه من خلال عملية التربية
وكيف يمكن تربية
الضمير في نفوس أبنائنا؟؟
هذا ما نحاول
الإجابة عليه فيما يلي:
الضمير: هو نوع من الإدراك الباطني لدى الإنسان يمكنه
من التمييز بين الصواب والخطأ والحسن والقبيح والمقبول والمرفوض ، وهذا
الإدراك يشكل لديه دوافع العمل والجهد والارتقاء والنضوج والسعي لبلوغ
الأهداف النبيلة.
ويمثل الضمير طاقة كامنة تثير مشاعر البغض والكراهية لدى
الإنسان تجاه الجوانب السلبية في الحياة ، وتثير لديه الرغبة والشوق لكل ما
هو ايجابي وبناء ، وهي تسوق الإنسان نحو الكمال وتكشف له طريق السعادة.
وتكمن ضرورة
وجوده في كونه يشرف على سلوك الإنسان وأوضاعه ويوجهه الاتجاه الصحيح..
كيف يتكوِّن
الضمير:
هناك رأيان في
كيفية تكوَّن الضمير ووجوده في شخصية الإنسان..
رأي علماء النفس
حيث يرون أن الطفل يكون عديم الضمير منذ الولادة ولا يمتلك أية معايير يدرك
بها القيم ، وتستوي لديه الأمانة والسرقة والصدق والكذب ، ثم إنه يكتشف
لاحقاً بعد التعلم والاكتساب بأن الأمر الفلاني جميل ، والآخر قبيح ...
وللتعلم دوره ـ كما للآلام ـ في خلق هذه الأرضية عند الأفراد وتوعيتهم على
هذه الأمور.
بينما يرى آخرون وعلى رأسهم علماء الدين أن للضمير جذوراً
فطرية .
وأنه مغروس في أعماق كل الناس بشكل متماثل ، ويرون أن
الضمير فطرة ربانية ، أو غريزة لا تفنى ، وهو دليل موثوق للإنسان ، كما إنه
يضع الإنسان لا إرادياً على طريق الخير والسعادة ويجنبه الوقوع في
المنزلقات.
ونحن نميل إلى الرأي الثاني فالإنسان يولد وهو مزود بالعديد
من الحقائق والمدركات التي تعيها نفسه قبل أن يدركها عقله ويستوعبها تفكيره
، وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما من مولود إلا يولد على
الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويشركانه فقال رجل يا رسول الله أرأيت لو
مات قبل ذلك قال الله أعلم بما كانوا عاملين"
وفي كل الأحوال
فللتربية دور في تقويم ضمير الفرد وتزويده بالعديد من القيم والمعتقدات
التي يبني على أساسها مواقفه من حقائق الحياة خيرها وشرها ، كما تعمل
التربية على استثمار الطاقة المودعة في فطرة كل إنسان لأجل توجيهه إلى
المسار الصحيح والحيلولة دون موت ضميره .
وإذا لم تسر
التربية على نحو صحيح فإن الطفل يعتاد تكرار الأخطاء ولابد من التذكير
هنا بأن كثرة ممارسة الأخطاء وتكرارها والتعود عليها يصيب ضمير الإنسان
بالخلل ويحرفه عن مساره الأصلي ، فيصاب بالصمم فلا يعود يسمع نداء الجميل
والقبيح ، وحتى أن مثل هذه المفاهيم تستبدل مصداقيتها في ذهنه ، مما يعني
إصابة ضميره بالخلل أو السبات.
كيف تساهم عملية التربية في تربية الضمير:
للتربية دورها الكبير في تربية الضمير وتعزيز شعور الفرد
باختيار الصواب والبعد عن الأخطاء ومراجعة النفس على الدوام ، ولهذا فوائده
الجمة لأنها تهب الإنسان القدرة على الصمود ومواجهة العواصف والأحداث التي
قد تكون أحياناً على درجة القسوة بحيث يضطر الإنسان إلى اليأس والاستسلام
أمامها ، أما إذا كان ضمير الإنسان على درجة من الوعي والتربية فستكون له
القدرة على مواجهة أمثال هذه الانحرافات ، ويمكن تحقيق ذلك من خلال ما يلي:
- توجيه الطفل منذ
الصغر نحو الصواب والوقوف معه على كل فعل وتوضيح حقيقته والسبب وراء قبوله
أو رفضه..
- تنمية الوازع الديني لدى الطفل منذ الصغر وتوضيح حقيقة
وجود الله عز وجل ومراقبته لنا في السر والعلن ، وأن مردنا جميعاً إلى الله
عز وجل فمن يعمل مثقال ذرة خير يرى ومن عمل ومن يعمل مثقال ذرة شراً يرى ،
وهو ما يجعله يدرك أن الله شاهد عليه في السر والعلن وأن عليه تنفيذ
أوامره والبعد عن معاصيه ليكتمل إيمانه..
- الحوار مع الطفل
عن غاية كل فعل حسن وكيف يعود على الفرد والمجتمع بالخير أو عاقبة كل فعل
سيء وكيف يؤدي في النهاية لسوء العاقبة..
مثال: الحديث عن
الصدق وكيف يكون الحال إذا تمسك كل منا بقول الحقيقة وقول الصدق في قوله
وفعله كيف ستسود الثقة والمحبة والترابط بيننا.أما إذا تفشى الكذب بيننا
فإن هذا سيؤدي إلى تفكك روابط الصداقة والأخوة وسيجعل كل منا لا يثق في
الآخر مما يؤدي لتفكك المجتمع وزيادة أمراضه..
- الاستفادة من
القصص : هنالك الكثير من القصص المفيدة ذات المغزى العميق ، وسردها للأطفال
يفيد في توجيههم نحو الخير والفضائل ، وبامكاننا تربية ضمير الطفل بالصورة
المطلوبة عن طريق ذكر القصص المعبرة ، وتنمية ضميره على المبادئ الفطرية ،
من خلال اختيار البطل المثالى للقصة الذي يجسد للطفل بوضوح مفاهيم الخير
والشر والجمال والقبح ليميز من خلاله بين طريق النجاة وطريق الهلاك.
5 ـ الاستفادة من
اللعب : تمثل الألعاب أحياناً أداة جيدة لدفع الطفل إلى إصدار الأحكام ،
وبيان وجهة نظره في كل ما هو صالح او طالح .
وهنا لابد من
اختيار الألعاب التي تؤمن أيقاظ ضمير الطفل وتوجهه إلى أقوم السبل ،
وتساعد على إثارة مشاعره النفسية.
- الحث على التفكير : وذلك من خلال مناقشة الطفل في كل فعلٍ
يقدم عليه وجعله يستنتج هو بنفسه حقيقة هذا الفعل من حيث الصواب أو الخطأ ،
مما يجعله يعمل عقله في كل ما يقدم عليه من أفعال أو أقوال ولا يقلد الغير
أو يقدم على شيء دون فهم ..
- كذلك لابد من تربية ملكة النقد لديه لكل ما يرى ويسمع
فإذا شاهد موقفاً ما في المدرسة أو النادي أو عبر التلفاز لابد من سؤاله عن
رأيه في هذا الموقف وما هو التصرف الصحيح من وجهة نظره ، لتتكون لديه
ملكات النقد والإدراك لطبيعة ما يرى ويشاهد من مواقف حياتية ..
- تجسيد القدوة
لديه في التمسك بالصواب والتحلي بالقيم النبيلة ، خاصة الأب والأم ، كما
يجب أن يفهم قيمة مراجعة النفس والرجوع إلى الحق الذي هو خير من التمادي في
الباطل ، وكلما رأى ذلك مجسداً في شخصية الوالدين ومواقفهما كلما كان أكثر
تأثراً وتمسكاً في المستقبل بهذه القيم..
- مساعدته على
مراجعة نفسه والاعتراف بأخطائه وأن هذا لا ينقص من شخصه بل هو من سمات
الرجولة واحترام النفس ، وكلما كان صادقاً مع نفسه معترفاً بخطئه كلما زادت
مكانته واحترامه بين أفراد الأسرة..