كيف تعامل القرآن مع النفوس المريضة ؟ للدكتور محمود محمد عماره رحمه الله انفراد لمنتديات أئمة الأوقاف المصرية
كيف تعامل القرآن مع النفوس المريضة ؟
للدكتور محمود محمد عماره
يقول تعالى { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } سورة فصلت الآية 26
من تدبير الله تعالى لحفظ كتابه أن ينصر بالرجل الكافر يحاول الهجوم على الإسلام فإذا به يدافع عنه شاهدا على نفسه بالتناقض وللإسلام بأنه حقا من عند الله والآية الكريمة شاهد على صحة ما نقول إنهم الذين كفروا الذين استتروا فما هو الشيء الذي ستروه ؟ إنه الحق على ما يقول النيسابوري (علموا أن القرآن كلام الله كامل لفظا ومعنى كل من سمعه ووقف على معانيه وأنصت حكم الله بأنه واجب القبول وما يقول الرازي (واعلم أن القوم علموا أن القرآن كلام كامل في اللفظ والمعنى كل من سمعه ووقف على جزالة لفظه وأحاط عقله بمعانيه وهم بهذا المسلك المعيب يكذبون على أنفسهم التي فعلت ما ينكرون قال تعالى { انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } الأنعام: ٢٤ وقد تولى زعماء الكفر كبر هذه الجملة الظالمة بهذه الوسائل كانوا يأمرون الناس عند قراءته بالصفير والصياح وإنشاد الشعر يشوشون بذلك على القارىء حتى يغلبوه على قرآءته فيقع في السهو والغلط وثانيا بالعجز فقد فعلوا ذلك ولم يعلموا أن من نور الله قلبه بالإيمان وأيده بالفهم وأمده بالبصيرة وكوشف بسماع السر من الغيب فهو الذي يسمع ويؤمن والذي هو في ظلمات جهله لا يدخل الإيمان قلبه لقد قالوا ما حكاه القرآن عنهم { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } فصلت: ٢٦ أي ليكون حالكم حال من يرجى له أن يغلب ويظفر بمراده في ألا يميل إليه أحد أو ينسى ما كان يقول أو يسكت وهذا يدل على أنهم عارفون بأن من سمعه ولا هوى عنده مال إليه وأقبل بكليته عليه وهكذا يحكمون على أنفسهم بالجهل لأنهم في الحال أقروا بأنهم مشتغلون باللغو وبالباطل من العمل والله تعالى ينصر محمدا بفضله وهكذا يرينا الله تعالى فيهم عجائب قدرته التي أنطقتهم بالحق من حيث لا يحتسبون
يقول صاحب الظلال
وهى مهاترة لا تليق ولكنه العجز عن المواجهة بالحجة والمقارعة بالبرهان ينتهي إلى المهاترة عند من يستكبر على الإيمان { فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ } فصلت: ٢٧ وإذا كان القليل الذي يتذوقونه شديدا فكيف يكون حالهم مع الكثير منه
من هم إذا المنتفعون بهدى القرآن من أصحاب النفوس الصافية الراشدة ؟
إن للقرآن الكريم لغة لا يفهمها إلا المؤمنون لأن لهم نفوسا مصبوغة بالإيمان ومن ثم يحسنون فهم مراميه والإلتزام بها أما من لم يتذوق طعم الإيمان فقد خسر نفسه وبالتالى لا تكون له أرض تنموا فيها بذور الخير وبما كانت لهم عقول تعرف محمدا أكثر مما يعرفون أبناءهم لكنهم فقدوا الجوهر الذى به يكون الإنسان إنسانا
إن القرآن الكريم غيور لا يقبل الشركة وكل ثقافة ضحلة مستوردة لا يمكن أن تمتد لها جذور ما دام فى الأرض مؤمن غيور إنه التدبير وليس التجديد إن أعداء أنفسهم لمخزولون بقوة الله إذليس فيهم رجل فصيح بليغ يكون لهم كالتعبير من الطبيعة عن المذهب حتى يثبت مذهبهم فلا يدفع ويقوم فلا ينتقص أو يقوم ولن يأتى لهم هذا الرجل كما قال الرافعى رحمه الله وقد يحقق الماكرون بعض الفوائد لكنهم يحققون ما يحققون بالمكابرة واللجاجة كما قيل بحق كما يسلبك اللص ما تملك بالجرأة لا بالحق وبالحيلة لا بالإقناع وعن غفلة لا عن بينة وهم فى النهاية غلطات إنسانية تخرجها الأقدار فى شكل علمى أو أدبى لتعارض بها صوابا كاد إن يهمله الناس فيخشى الناس أن يتحيف الخطأ صوابهم أو يذهب به فيستمسكون بحبله ويشدون على الحق ويعوذ ذلك الصواب بعض الأمور الخطأ الذى يقابله ووقوفه بإزاءه موقف العدو من العدو كأنما ظهر دليله لا نقيضه فيعرف الناس وجه الحاجة إلى الحق ومكان الغناء فيه وضرورة المنفعة به وكان وشيكا أن يضيع فكأنهم استنقذوه وكل ذلك مما يغرى به ويدفع الناس إلى الحرص عليه
فالمجددون الملحدون هم جزء من الخطأ يخرج من عمله جزء من العيون كمايقول الرافعى أيضا
وما أشبههم بالمواد السامة يزاف قلبها فى الدواء لتكون قوته من قوتها فإذا مازجته عادت فيه غير ما كانت وهى فى نفسها لا تزال كما هى
أما بعد :
فما أكثر الذين يتغنون بالجمال بينما أنفسهم مسكونة بالقبح وقد يجيدون الحديث عن القيم بينما هم يتقلبون فى الوحل وقد تكون لهم كتب وأبحاث علمية لكنهم فقراء فى حياتهم العملية والأخلاقية وبالله التوفيق
د/ محمود محمدعماره
أذيعت هذه الحلقة بإذاعة القرآن الكريم في برنامج النفس في القرآن عام 2001 م تقديم الأستاذ رأفت عواد
وقمت بكتابتها يومها