الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة فكشف الله على يديه الغمة
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى كل من استن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين
أما بعــــــــــد
فإن الدين الإسلامي جاءنا بحسن الأخلاق وجاءنا بمكارم الأخلاق ونحن نعيش شهر رسولنا ــ صلى الله عليه وسلم ــ ينبغي على الأمة أن ترجع إلى سيرة نبينا ــ صلى الله عليه وسلم ــ لتأخذ من حياته النبراس الحقيقي الذي تسير به في هذه الحياة وصدق نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ــ إذ يقول " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق والإسلام إنما هو أخلاق غزت الدنيا كلها والنبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ تحلى بهذه الأخلاق قبل مجيء الرسالة إليه فكانوا يلقبونه بالصادق الأمين تحلى بصفة الصدق وتحلى بصفة الأمانة وتحلى بالكلمة الطيبة والأخلاق الفاضلة التي جعلت الناس تدخل في دين الله أفواجا وقد بين ذلك سيدنا جعفر بن أبي طالب يوم أن هاجر إلى الحبشة وجاء به النجاشي ليتحدث عن الإسلام فقال له أَيُّهَا الْمَلِكُ ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ ، نَعْبُدُ الأَصْنَامَ ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ ، وَنَقْطَعُ الأَرْحَامَ ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ ، وَيَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ ، وَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْنَا رَسُولا مِنَّا ، نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الْحِجَارَةِ وَالأَوْثَانِ ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ ، وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ ، وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ ، وَنَهَانَا عَنِ الْفُحْشِ ، وَقَوْلِ الزُّورِ ، وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ ، وَأَمَرَنَا أَنَّ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَلا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَأَمَرَنَا بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ ، قَالَ : فَعَدَّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الإِسْلامِ فَصَدَّقْنَاهُ وَآمَنَّا بِهِ وَاتَّبَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَعَبَدْنَا اللَّهَ وَحْدَهُ فَلَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا ، وَحَرَّمْنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا وَأَحْلَلْنَا مَا أَحَلَّ لَنَا ، فَعَدَا عَلَيْنَا قَوْمُنَا فَعَذَّبُونَا وَفَتَنُونَا عَنْ دِينِنَا لِيَرُدُّونَا إِلَى عِبَادَةِ الأَوْثَانِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَأَنْ نَسْتَحِلَّ مَا كُنَّا نَسْتَحِلُّ مِنَ الْخَبَائِثِ ، فَلَمَّا قَهَرُونَا وَظَلَمُونَا وَضَيَّقُوا عَلَيْنَا وَحَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ دِينِنَا ، خَرَجْنَا إِلَى بِلادِكَ فَاخْتَرْنَاكَ عَلَى مَنْ سِوَاكَ ، وَرَغِبْنَا فِي جِوَارِكَ ، وَرَجَوْنَا أَنْ لا نُظْلَمَ عِنْدَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ وهو في حديثه هذا يبين للدنيا كلها هذا هو الإسلام الذي دعا إلى الفضيلة والأخلاق فالدين هو الخلق والأخلاق هي الإسلام الذي يطبق على أرض الواقع الأخلاق لو سادت في مجتمعاتنا لسعد حالنا ولكان لنا الخير في هذه الحياة الدنيا
والنبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ بعث ليتمم مكارم الأخلاق وقد بين القرآن الكريم "ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون " إن البر هو العبادة هو الأخلاق هو طاعة الله عز وجل إنما هو ما اشتملت عليه هذه الآية من معاني وأخلاق وفضائل وقد حذرنا من قول السوء لأنه بين لنا في القرآن الكريم " ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد " هذه الأخلاق هي التي دعانا إليها الإسلام حينما يصف رب العالمين نبيه ــ صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى " وإنك لعلى خلق عظيم " لم يقل وإنك لذو خلق عظيم وإنما بين هنا بحرف اللام التي تفيد الاستعلاء والعلو فالأخلاق كانت سجية رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم وطبيعه في حياته ــ صلى الله عليه وسلم عاش بها تعامل بالأخلاق الطيبة مع أحبابه وأصحابه ومع أعداءه ومخالفيه لم يبدأ بعداوة للناس ولم يأت ليحلل السب والقذف لأعداءه ولمخالفيه وإنما كان يدعوا الجميع بالأخلاق الفاضلة ولذلك وصفته السيدة عائشة كان خلقه القرآن كان قرآنا يمشي على الأرض طبق ذلك حينما جاء يهودي وقال للنبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ السام عليكم فقالت السيدة عائشة وعليكم السام واللعنة فطنت لما قاله اليهودي فردت عليه من ألفاظه وزادت عليها فقال لها النبي ــ صلى الله مصححا ومعلما وموجها الأمة بأسرها بأن ترد عليه وعليكم وفقط ونبينا في ذلك يريد أن نبعد ألستنا عن لفظة السوء وأن يكون لساننا منزها عن قول السوء والبهتان وعن هذه الأقوال البذيئة القبيحة إذا سبك أحد كما فعل اليهودي السام عليكم أن ترد وفقط بدون أن تتلفظ بلفظة السوء هكذا يعلم النبي ــ صلى الله عليه وسلم السيدة عائشة ــ رضي الله عنها ــ وقد بين النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا " هذه الأخلاق إنما تشتمل على الصدق فالصدق ينجي الإنسان من الشدائد والأزمات والصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة كما بين النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ أجمل الأخلاق أن يكون لسانك رطبا بذكر الله تعالى منزها عن القيل والقال والبذاءات من الأقوال والفحش منها وينبغي على الإنسان أن يضع أمامه دائما وأبدا " ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد " حينما يعيش الإنسان بالمفاهيم الحقيقية لدين الله عز وجل ويأخذ من حياة رسولنا ــ صلى الله عليه وسلم ـ الطيب والأقوال الطيبة الحميدة فإنما ينجي نفسه ويعطي لنفسه الخير في هذه الحياة الدنيا فما من شيء جميل إلا ورغبنا فيه الإسلام ما من شيء يدعوا إلى فضيلة إلا ودعانا إليه الإسلام , وما من شيء يدعوا إلى قبيح من الأقوال والأفعال إلا ووجدنا التحذير الإلهي ووجدنا البيان والتحذير من قبل رب العالمين ــ سبحانه وتعالى ــ يرغبنا في كل جميل يبين لنا بأن الأخلاق هي معيار هذه الأمة
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وإذا ذهبت الأخلاق من قوم فأقم عليهم مأتما وعويلا
إذا ذهبت أخلاق احترام الكبير وتوقير الكبير فلا خير في هذا الشباب الذي بيده تنهض الأمة وذلك إنما كله إنما يأتي من التربية لأولادنا أن نغرس فيهم احترام الكبير وسماع كلامه حتى ولو كان خطئا لأنها ستكون له نبراسا يسير به في هذه الحياة سيعلم بأن لهذا الكبير احتراما ومكانة فإذا كان في وسيلة مواصلات ووجد رجلا كبيرا مسنا يقف فيقف من على كرسيه ليجلسه مكانه إذا مر من طريق ووجد رجلا مسنا فليأخذ بيده ليمر به من الطؤيق هذه الأخلاق هي أخلاق الإسلام التي دعانا إليها نبينا ــ صلى الله عليه وسلم ــ الأخلاق ينبغي أن تكون ف بيوتنا ولكننا إذا سمعنا الأب يسب أبناءه أو زوجته بأقبح الألفاظ بالليل والنهار فإن هذا المستوى والتدني في الأخلاق ستعود آثاره على هذه الذرية في المستقبل وإنما ينبغي أن يكون الوالد قدوة أن تكون الأم قدوة في بيتها ألا يتلفظا بلفظة السوء أمام أولادهما لأن الولد إنما يسمع ما يقال أمامه فيردد في الصباح والمساء بدون أن يشعر أن نذكر أمامهم الكلم الطيب وأن نبين لهم بأن الإسلام دعانا إلى حسن الأخلاق فقد قال ــ صلى الله عليه وسلم ــ "اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن " هذا الخلق إنما يترجم على أرض الواقع عندما يحترم الصغير الكبير وحينما يوقر الصغير الكبير وحينما يعطي لكل إنسان منزلته ومكانته وحينما نعطي لأنفسنا الخير في هذه الحياة الدنيا حينما نعيش بذلك فإنما نطبق هدي رسولنا ــ صلى الله عليه وسلم ــ حينما نعيش بذلك فإنما نحتفي ونحتفل بقدوتنا رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ وقد قال القرآن الكريم ــ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة " والإنسان ينبغي أن يعرض نفسه على القرآن الكريم وعمله فلما سئل أحد العلماء كيف أجد عملي في القرآن الكريم قال تجده " إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم " هذه هي أعمالنا التي نقوم بها في الصباح والمساء فالعمل الطيب وحسن الخلق إنما يكون من صفة الأبرار الأتقياء الذين لهم النعيم الأبدي في جنة عرضها الأرض والسماوات ,الإنسان منا يحتاج في أيامه إلى تقوى الله عز وجل ليعيش بها في هذه الحياة ورسولنا ــ صلى الله عليه وسلم ــ دعانا إلى تقوى الله عز وجل ودعانا إلى مراقبة الله وجاءت رسالة نبينا ــ صلى الله عليه وسلم ــ تدعونا إلى ذلك كله تدعونا إلى العمل الصالح وإلى القول الطيب وإلى الأخلاق الرفيعة التي يعيش الإنسان بها في هذه الحياة وحينما يسير بها فإن لهذا الإنسان الخير في الدنيا والآخرة
علينا إخوتى الإيمان والإسلام أن نتقي الله في أقوالنا وفي أفعالنا فإن تقوى الله عز وجل هي التي تنفع صاحبها في الدنيا والآخرة .
إن مكارم الأخلاق تشتمل على كل شيء جميل في هذه الحياة الدنيا تشتمل على الصدق والوفاء بالعهد والكلمة الطيبة والعفاف والأمانة إلى غير ذلك من الأمور الفاضلة التي دعانا إليها الإسلام
إن احتفالنا واحتفاءنا بنبينا ـ صلى الله عليه وسلم ــ إنما هو احتفال بهذه الرسالة المحمدية التي دعت الناس إلى الأخلاق الفاضلة والتي دعت الناس إلى الطيب من الأقوال والأفعال ودعت الناس إلى الحق والعدل وأن يعيش الإنسان في الطريق الأمثل الذي يوصله إلى الجنة
وإننا اليوم نحتاج إلى أخلاق طيبة في بيوتنا وفي مجتمعاتنا نحتاج إلى من يحترم الآخرين فلا يؤذيهم بالضوضاء في الليل والنهار نحتاج إلى من يعرف قيمة الإنسان فيعطي لكل إنسان قدره ومنزلته نحتاج إلى من يطبق هدي رسولنا ــ صلى الله عليه وسلم ــ في حياته كلها نحتاج إلى أمة تعيي حقا " ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد لو سرنا بذلك لكان لنا السعادة الأبدية فاللهم اغفر لنا الذنوب واهدنا إلى طريق الخير يا رب العالمين اللهم آمين
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
ألقيت هذه الخطبة بتاريخ 25 ديسمبر 2015 م بمسجد الخفاجية بقرية تلبانه مركز المنصورة محافظة الدقهلية
كتبها الشيخ أحمد محمد عبد النبي
المنسق العام لأوقاف الدقهلية