الحمد لله رب العالمين , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ,
و أشهد أن سيدنا محمدا رسول الله (ياأيها الناس اتقوا ربكم إن
زلزلة الساعة شىء عظيم )أما بعد:
فمما لا شك فيه أن ما وصل إليه حالنا لهو الفساد متجسدا فى
لباس البشر وكل المجتمع مسئول عن هذا الفساد لأنه مشارك
سلبى , يراه ولا يحاول منعه , يقول الله تعالى ناعيا على الأمم
السابقة التى تفشى فيها الفساد بسبب سكوتهم عنه يقول تعالى
( فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي
الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ
وَكَانُوا مُجْرِمِينَ )
قال الطبرى : ( (من قبلكم أولو بقية) : ذو بقية من الفهم والعقل،
يعتبرون مواعظَ الله ويتدبرون حججه، فيعرفون ما لهم في الإيمان
بالله ، وعليهم في الكفر به و(ينهون عن الفساد في الأرض) ينهون
أهل المعاصي عن معاصيهم ، وأهل الكفر بالله عن كفرهم به في
أرضه , (إلا قليلا ممن أنجينا منهم) لم يكن من القرون من قبلكم
أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض ، إلا يسيرًا، فإنهم كانوا
ينهون عن الفساد في الأرض، فنجاهم الله من عذابه، حين أخذ من
كان مقيمًا على الكفر بالله عذابُه وهم اتباع الأنبياء والرسل.)
فالفساد حين يترك يكبر و يتضخم و يهدد المجتمع كله .
ويقول تعالى معقبا على قصة ولدى آدم بعد أن أفسد قابيل و قتل
أخاه هابيل (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا
بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا
فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا
مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُون)
(يقول الطبرى معناه : من جناية ابن آدم القاتل أخاه ظلمًا، حكمنا
على بني إسرائيل أنه من قتل منهم نفسًا ظلمًا، بغير نفس قتلت،
فقتل بها قصاصًا "أو فساد في الأرض" يقول: أو قتل منهم نفسًا
بغير فسادٍ كان منها في الأرض، فاستحقت بذلك قتلها. و"فسادها
في الأرض"، إنما يكون بالحرب لله ولرسوله، وإخافة السبيل.)
وهكذا يساوى الحق سبحانه بين القتل و الفساد لأن الفساد تعد
على حقوق المجتمع وغالبا يؤدى لإفقاره وجوعه و موته أو منعه
حقه فيكتئب ويصبح عضوا لا فائدة منه – مساو للميت فى النفع -
ويقرب لتا النبى صلى الله عليه و سلم معنى الإفساد بهذا الحديث
الذى شبه فيه الدنيا بسفينة يقول
مثل القائم على حدود الله
والواقع فيها كمثل قوم استهموا _ إقترعوا _على سفينة فأصاب
بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا
من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا
ولم نؤذ من فوقنا فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا
على أيديهم نجوا ونجوا جميعا )
مثل القائم على حدود الله أى المنفذ لها , والواقع فيها أي في
الحدود أي التارك للمعروف المرتكب للمنكر, قوله فإن يتركوهم وما
أرادوا أي فإن يترك الذين سكنوا فوقهم إرادة الذين سكنوا تحتهم
من الخرق ,قوله هلكوا جميعا أي كلهم الذين سكنوا فوق والذين
سكنوا أسفل لأن بخرق السفينة تغرق السفينة ويهلك أهلها قوله
وإن أخذوا على أيديهم أي وإن منعوهم من الخرق نجوا ولو لم يذكر
قوله ونجوا جميعا لكانت النجاة اختصت بالآخذين فقط وليس كذلك
بل كلهم نجوا لعدم الخرق .......
وهكذا إذا أقيمت الحدود وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر تحصل
النجاة للكل وإلا هلك العاصي بالمعصية وغيرهم بترك الإقامة
والآن نرى كيف عالج النبى صلى الله عليه و سلم الفساد وبتره من
المجتمع لأنه داء عضال علاجه البتر, و إن ترك فهو الخطر الأعظم .
(أن ناسا من من عكل أو عرينة قدموا على رسول الله صلى الله
عليه وسلم المدينة فاجتووها (أى ضعفت أبدانهم من جو المدينة )
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شئتم أن تخرجوا إلى
إبل الصدقة فتشربوا من ألبانهاوأبوالها ففعلوا فصحوا ثم مالوا على
الرعاة فقتلوهم وارتدوا عن الإسلام وساقوا ذود رسول الله صلى
الله عليه وسلم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فبعث في
إثرهم فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم
وتركهم في الحرة حتى ماتوا )
صدقت يا سيدى يارسول الله فهذا ما تفعله الدول العظمى التى لا تحابى
فى الفساد أحدا, وخير شاهد على ذلك ماحدث فى الصين _ وهى الدولة
العظمى فى الصناعة الآن _ حين اكتشفوا مسئولا مرتشيا فأعدموه فى
ميدان عام ليعتبر به غيره ؟واحسرتاه على بلد انتشر فيه الفساد انتشار
النار فى الهشيم فأصبح يأكل كل ما يقابله .
اللهم ارحمنا فأنت الرحيم و اغفر لنا فأنت الغفور وصلى و سلم و بارك على
حبيبك و مصطفاك محمد صلى الله عليه و سلم .
ش / يوسف زهران إمام و خطيب مسجد أبو بكر الصديق بميت رهينة .