الشيخ الغزالي
د محمد عماره يكتب عن :
الشيخ الغزالي
عندما أقف في مكتبتي وأنظر إلي كتب الدكتور يوسف القرضاوي استشعر في نفسي حبا كبيرا لذلك الرجل ، وعندما أنظر إلي كتب الدكتور محمد عمارة استشعر بأنني أقف أمام رجل صاحب عقلية فذة ، ولكن الحق أقول لكم أنني عندما أنظر إلي كتب الشيخ محمد الغزالي أجد نفسي فيها .
حقا فإنني أجد نفسي في الشيخ وأجد الشيخ في نفسي ، وإن لم يسعفني القدر أن التقي بالرجل في حياته إلا أنني استطعت أن أتعرف عليه من كثرة قراءتي لكتبه ، وطول سماعي إلي دروسه وخطبه، واستطعت أن استشف كثيرا من معالم شخصية الرجل .
حقا لقد كان الغزالي رجلا من طراز خاص ، رجلا قلما يجود الزمان بمثله ، فلقد حمل علي عاتقه مهمة الدفاع عن الإسلام وحرمته فعاش لذلك ومات علي ذلك ، فقد كان الرجل لسان الإسلام في مصر في ستينيات القرن المنصرم بعدما زُج بالإخوان المسلمين في السجون فصمتت الألسنة فأصبحت لا تتكلم ، وأغشي علي الأبصار فأصبحت لا تر ، ورفعت الأقلام فأصبحت لا تكتب خوفا من طاغية مصر ، ولكن أبا لسان الرجل أن يصمت ، وأبت عينه أن تغمض ، وأبي قلمه أن يرتفع عن كتابة الحق ودحض الباطل ، وانبرى للدفاع عن الإسلام ضد الشيوعيين والعلمانيين فقام بهذا الدور علي أحسن وجه فأثار بذلك إعجاب أعدائه وخصومه قبل أصدقائه ومحبيه .
كيف لا ؟! وهو صاحب العقل الذكي ، والقلب الوفي ، والقلم الجريء ، والمواقف الشجاعة .
كيف لا ؟! وهو صاحب النفس الثائرة علي الظلم والاستبداد وانك لتستشعر ذلك في كل كتاباته وفي كل دروسه .
ولقد كان الرجل في ذلك مخلصا أشد الإخلاص ( ونحسبه كذلك ) وأشد دليل علي ذلك خاتمة الرجل .
حقا لقد أبا الغزالي إلا أن يعيش رجلا ، وأبا أن يكون بين الرجال إلا مجاهدا ، وأبا أن يكون بين المجاهدين إلا علامة يشار لها بالبنان .
وقبل أن اختتم هذا المقال أحب أن أقتبس بعض الكلمات لتلميذ من تلامذة الشيخ ، وهو العلامة الدكتور يوسف القرضاوي ، والتي حدد فيها بعض صفات الشيخ وسماته الشخصية .
يقول العلامة الدكتور يوسف القرضاوي ( قد تخالف الغزالي أو يخالفك في قضايا تصغر أو تكبر وتقل أو تكثر ، ولكنك إذا عرفته حق المعرفة لا تستطيع إلا أن تحبه وتقدره ، لما تحسه من إخلاصه لله ، وتجرد للحق واستقامته في الاتجاه ، وغيرة صادقة علي الإسلام .
صحيح أنه أخذ علي الشيخ أنه سريع الغضب وأنه إذا غضب هاج كالبحر حتى يًغرق ، وثار كالبركان حتى يًحرق وسر هذا أن الرجل يبغض الظلم والهوان لنفسه وللناس ، ولا يحب أن يظلم أو يظلم ، ولا أن يستخف بكرامة أحد ، كما لا يستخف بكرامته احد ، كما أنه لا يطيق العوج والانحراف ، وبخاصة إذا لبس لبوس الاستقامة ، أو تستر بزي الدين فهو الذي يقاتله سرا وعلانية .
ثم إن من صفات الشيخ الغزالي أنه – إن كان سريع الغضب – فهو سريع الفي ، رجاع إلي الحق إذا تبين له ، ولا يبالي أن يعلن خطأه علي الناس علانية ، وهذة شجاعة لا تتوفر إلا للقليل النادر من الناس .. فهو شجاع عندما يهاجم ما يعتقده خطأ ، شجاع عندما يعترف بأنه لم يحالفه الصواب فيما كان قد رآه .
قد يأخذ الناس علي الشيخ الغزالي بعض أرائه وفتاويه ، لأنها ليست علي مشربهم ،ولكن الذي أعلمهم أن الشيخ الغزالي لم يخرج في فتوي أو رأي علي إجماع الأمة المستيقن ، ولقد اتهم شيخ الإسلام ابن تيميه قديما بأنه خرق الإجماع في قضايا الطلاق وما يتعلق بها ، وهي التي قال فيها تلميذه :( وله فتاوي نيل من عرضه بسببها وهي مغمورة في بحر علمه( انتهي كلام الذهبي ) انتهي كلام القرضاوي .
جزي الله شيخنا عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء ، وحشرنا الله وإياه مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .