ندوة لمناقشة كتاب دليل الإمام لتجديد الخطاب الديني ندوة: استفزاز غير المسلم "خط أحمر"
القاهرة- صبحي مجاهد **
مطالبة جماعية بتغيير الخطاب الدعوي الراهن
يبدو أن الحديث عن الخطاب الدعوي يشغل كل مهموم بقضايا الأمة، غيور على صورتها أمام العالمين. إذ تحولت ندوة أقامتها وزارة الأوقاف المصرية لمناقشة "دليل الإمام لتجديد الخطاب الديني" إلى ورشة لتصحيح المنهج الدعوي المتسبب في تشويه صورة الإسلام، ووضع محددات تصحيح صورة الإسلام من خلال مراجعة الخطاب الدعوي.
وكان أبرز ما طرح في الندوة -المقامة أول ديسمبر الحالي- علاقة المنهج الدعوي بصورة الإسلام في العالم. وأشار الدكتور مصطفى الفقي -رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان المصري- إلى المخالفات التي يرتكبها الدعاة فوق المنابر تجاه "الآخر"؛ من الانشغال بتكفير عقائد غير المسلمين.
سياسة "التكفير"
وتحدث الفقي عن الآثار السلبية الناتجة عن اتهامات الآخر بالكفر، موضحًا أن كل كلمة تسيء للآخر تسيء في الوقت نفسه للإسلام ووسطيته وسماحته، وتضر بالإسلام والمسلمين داخليا وخارجيا.
ودلل على قوله بأن إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام استند على المنطلقات السلبية السائدة في حديث الدعاة ونظرتهم تجاه الآخر. كما طالب الدعاة بضرورة التوقف عن استفزاز الآخرين، والكف عن وصف المسيحيين أو اليهود بأنهم كفار لأنهم مخالفون لنا في العقيدة. مضيفًا: "يجب أن نتوقف في خطب الجمعة عن استفزاز غير المسلمين لمراعاة تعددية المجتمع وتكوينه". وأضاف: "تضر ردود الأفعال العاطفية التي يتم تشكيلها في المساجد بالمسلمين أكثر مما تنفعهم، وهو ما ظهر واضحا في قضية سلمان رشدي الذي لم يكن معروفا، إلا أن الاهتمام المبالغ للدعاة بتناول القضية دون وعي جعل منه نجما في عين الغرب، وتم تكريمه بأرفع وسام في بريطانيا".
واعتبر الفقي تجديد الخطاب الديني داعما للفكر الوسطي، ويحقق مكاسب على مختلف الأصعدة الاجتماعية والسياسية والدولية، وقال: "قضية الخطاب الديني ليست دينية فحسب، وإنما تؤثر على الأوضاع السياسية وصورتنا في الخارج".
وقسَّم الخطاب الديني إلى ثلاثة أركان: مصدر الخطاب، ووسيلة ذلك الخطاب، ومتلقي الخطاب. وأوضح أن مصدر الخطاب الديني يتمثل في المؤسسة الدينية التي تتسم حاليا بالتراجع والانقسام؛ لهذا أصبحت الناس تتلقى الدين من خارج هذه المؤسسة.
ثم انتقل الدكتور الفقي إلى الركن الثاني، وهو الوسيلة "الداعية". وأكد على أهمية تحلي الداعية بالقدرة على التواصل مع الحضارات الأخرى؛ حتى يتحدث عن ومع الآخرين على دراية ومعرفة لا على تكهنات وأحكام مسبقة.
وعن الركن الثالث في الخطاب الديني وهو المتلقي؛ طالب الفقي بضرورة مراعاة الداعية لاحتياجات وأولويات المتلقي، من خلال الحديث في القضايا التي تمثل تحديا فعليا له في حياته، وعدم الدخول في قضايا جزئية لا تشغله. وحذر الفقي من الخوض في الفتاوى الغريبة التي تبعد الناس عن قضايا الأمة، وطالب الداعية بأن يجعل عماد دعوته رؤية واضحة للعالم، والتعرف على الظروف المحيطة حتى تخرج دعوته إيجابية محققة لأهدافها.
واعتبر الدعوة أسلوبا مهمًّا لنشر وسطية واعتدال الإسلام في العالم إذا ما خرج الدعاة من حالة الغيبة التي تشيع بينهم، والأفضل لهم أن ينشغلوا بعرض أطروحات الإسلام في قضايا مثل تداول السلطة والحريات في التعبير والاعتقاد.
ثم حدد د. الفقي عدة منطلقات يمكن من خلالها رفع مستوى الدعوة وتقديم الإسلام في إطاره الوسطي، أهمها التركيز على الأدلة العقلية، وعدم الاقتصار على النصوص؛ لأن غير المسلمين يتقبلون الخطاب العقلي لا الوعظي.
أما المحدد الثاني الذي أشار إليه الفقي فهو ضرورة الفصل في الدعوة بين التدين والتطرف، خاصة أن مجتمعاتنا تشهد ظاهرة ضرب التطرف للتدين، في حين أنه لا بد من المضي في التدين لتثبيت العلاقة بالدين.
وشدد في ختام كلامه على أن البساطة والعودة لثراء الدين من أهم الأمور التي لا بد من التركيز عليها لتوضيح سماحة الإسلام للجميع، وأنه لا بد أن يتم إعادة تأهيل دعاة يفهمون الآخر، وهو ما يجعل عودة بعثات الأزهر لأبنائه إلى الخارج أمرًا مهمًّا في تحقيق التجديد في الخطاب الديني.
المجتمع المتعدد
من جانبها ركزت الدكتورة زينب رضوان وكيلة مجلس الشعب على أهمية بناء العلاقة مع الآخر في مجال الدعوة خاصة داخل المجتمع الواحد، وأوضحت أنه على الدعاة وعلماء الدين أن يدركوا في دعوتهم مسئولية العلاقة مع الآخر، ومسئولية المجتمع متعدد الملل.
وشددت على أهمية ترك لفظة الكفر داخل المساجد تجاه كل من هو مخالف لنا في العقيدة، وأكدت على أهمية استبدال بمصطلحات الكفر التي يحكم بها على المغاير لعقيدة المسلمين مصطلحات أخرى مثل "المخالف لنا في الدين" دون إطلاق وصف محدد.
وأوضحت أنه إذا كان المسلمون يتعاملون بنجاح مع غيرهم اقتصاديا من دول تدين بأديان وضعية، فإنهم لن يعجزوا عن التعامل في المجتمع الداخلي مع غيرهم ممن يخالفونهم في العقيدة دون تحقير أو تميز.
واعتبر الدكتور جعفر عبد السلام -الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية- أن كل ما يحدث حاليا في اللقاءات مع "الآخر" هو الحديث المبالغ عن سماحة الإسلام؛ وهو ما جعل "الآخر" لا يبدي سوى التظاهر بالاقتناع.
وأوضح أن المطلوب: التوعية الدعوية بأهمية أن يكون الطرح الإسلامي تجاه الآخر ينطلق من أن الإسلام هو دين الحق والدفاع عن الحقوق، والاتجاه إلى التقريب بين المفاهيم الإسلامية والمفاهيم الدولية والقانونية المتداولة في سياق القضايا الإنسانية كالديمقراطية والحريات.
وعلق الدكتور أحمد كمال أبو المجد -الأمين العام للمجلس القومي لحقوق الإنسان المصري- على الوضع الراهن للخطاب الدعوي، مطالبا بتشجيع الدعاة على الاجتهاد، والإحاطة بتعاليم الإسلام كشريعة وعقيدة ومعاملات سوية، إضافة إلى تأصيل مفهوم الأخوة في الدعوة بين الرسالات السماوية.
إصلاح مراكز إعداد الدعاة
من جانبها طالبت الدكتورة سعاد صالح -أستاذة الفقه الإسلامي بجامعة الأزهر- بإصلاح داخلي في مراكز إعداد الدعاة، خاصة فيما يتعلق بالثقافة الإسلامية في التعامل والانخراط في المجتمع، من أجل النهوض بالخطاب الديني.
ورأت أن معاهد الثقافة الإسلامية التابعة لوزارة الأوقاف المصرية أصبحت تُخرِّج المتشددين فكريا، مضيفة: "لقد اشتكيت أكثر من مرة لوزير الأوقاف من تلك الثقافة المتطرفة، ولم يتم اتخاذ أي قرارات تجاه اختيار من يدخلون تلك المعاهد، وهو ما يعيق الدعوة عن تقديم صورة الإسلام السمحة".
في الوقت نفسه طالبت د. سعاد الأزهر الشريف بتبني مشروع قناة فضائية أزهرية لوقف خطر القنوات المتشددة التي تكفر الجميع، وترى في المخالف في العقيدة عدوًا يتربص بنا. واختتمت: "عندما ذهبت إلى روما لم أرَ معرفة بالإسلام الحق. المعلومات السطحية هي المسيطرة على العقول، فلم يرَ منهم أحداً في الإسلام سوى إسلام أسامة بن لادن أو إسلام نوال السعداوي، أما الإسلام المعتدل فصوته خافت بسبب دعاة التشدد والقنوات الفضائية المشوهة".
** صحفي مصري.
المصدر وسطية أون لاين . نت