ما يٍذهب الله به الهم والغم والكرب [size=12](حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خَرَجَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ يَمْشُونَ فَأَصَابَهُمْ الْمَطَرُ فَدَخَلُوا فِي غَارٍ فِي جَبَلٍ فَانْحَطَّتْ عَلَيْهِمْ صَخْرَةٌ قَالَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ادْعُوا اللَّهَ بِأَفْضَلِ عَمَلٍ عَمِلْتُمُوهُ فَقَالَ أَحَدُهُمْ اللَّهُمَّ إِنِّي كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَرْعَى ثُمَّ أَجِيءُ فَأَحْلُبُ فَأَجِيءُ بِالْحِلَابِ فَآتِي بِهِ أَبَوَيَّ فَيَشْرَبَانِ ثُمَّ أَسْقِي الصِّبْيَةَ وَأَهْلِي وَامْرَأَتِي فَاحْتَبَسْتُ لَيْلَةً فَجِئْتُ فَإِذَا هُمَا نَائِمَانِ قَالَ فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ رِجْلَيَّ فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبَهُمَا حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ قَالَ فَفُرِجَ عَنْهُمْ وَقَالَ الْآخَرُ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أُحِبُّ امْرَأَةً مِنْ بَنَاتِ عَمِّي كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرَّجُلُ النِّسَاءَ فَقَالَتْ لَا تَنَالُ ذَلِكَ مِنْهَا حَتَّى تُعْطِيَهَا مِائَةَ دِينَارٍ فَسَعَيْتُ فِيهَا حَتَّى جَمَعْتُهَا فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتْ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ فَقُمْتُ وَتَرَكْتُهَا فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً قَالَ فَفَرَجَ عَنْهُمْ الثُّلُثَيْنِ وَقَالَ الْآخَرُ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقٍ مِنْ ذُرَةٍ فَأَعْطَيْتُهُ وَأَبَى ذَاكَ أَنْ يَأْخُذَ فَعَمَدْتُ إِلَى ذَلِكَ الْفَرَقِ فَزَرَعْتُهُ حَتَّى اشْتَرَيْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرَاعِيهَا ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَعْطِنِي حَقِّي فَقُلْتُ انْطَلِقْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ وَرَاعِيهَا فَإِنَّهَا لَكَ فَقَالَ أَتَسْتَهْزِئُ بِي قَالَ فَقُلْتُ مَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ وَلَكِنَّهَا لَكَ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا فَكُشِفَ عَنْهُمْ ) .
ـــــــــــ
1- صحيح البخاري 2063
في هذا الحديث يبين لنا رسول الله (e) أن هناك ثلاثة نفر لما وقعوا في هذا الضيق دعوا الله بأفضل عمل تقرب كل واحد منهم به إلى الله تعالى وأخلص فيه النية لله تعالى
فالأول : أستشفع في دعائه ببره لوالديه , والثاني : أستشفع بخوفه من الله من الوقوع في جريمة الزنا من أحب النساء إليه وذلك عندما ذكرته بتقوى الله عز وجل , والثالث : أستشفع بحفظ حق الأجير حتى عاد وأخذه .
وإليك عبد الله هذه القصة التي تدل أن الأعمال الصالحة تنجي أصحابها :
هذه أم شريك التي تزوجها رجل من قريش ثم أسلمت , فكانت تجلس مع نساء قريش تحدثهم عن الإسلام وعظمته وتدعو إلى الله عز وجل , حتى علم بها رجال قريش فأتوا بها ثم قالو لها لولا أن بيننا وبين قومك عهودا لقتلناك ولكن يجب أن نردك إلى قومك فأركبوها على بعير من غير رحل تحتها أو غطاء حتى تكون في تعب و مشقة , وكانوا يمضون بها في الشمس فإذا نزلوا في مكان في الصحراء ليستريحوا ربطوها في الشمس وجلسوا هم في الظل ينامون ويأكلون ويشربون .
وظلوا هكذا في اليوم الأول واليوم الثاني واليوم الثالث لم تأكل ولم تشرب حتى كادت أن تهلك من شدة الجوع والعطش وشدة حرارة الشمس ، ثم بعد ذلك نزل هؤلاء منزلا ليستريحوا ويناموا فيه ، وبينما هي مربوطة في حرارة الشمس المحرقة .
تقول أم شريك بنفسها " بينما أنا كذلك شعرت بدلو فيه ماء بارد أحلى من العسل لمس شفتي فشربت ثم ارتفع عني ثم نزل ولمس شفتي فشربت ثم ارتفع ثم نزل ولمس شفتي فشربت ثم وضع من هذا الماء على جسدها ليبرده من حرارة الشمس .
(سنة غائبة ) فكان الشرب على ثلاثة مرات وهو السنة ، وذلك لان شرب الماء بكمية كبيرة والجسد ساخن من حرارة الشمس أو العمل الشاق يسبب للجسد ضررا كبيرا .
فلما استيقظ الكفار من النوم وذهبوا إليها وجدوا أثر الماء على ملابسها وعلى الأرض فقالوا لها أفككت وثاقك وذهبت إلى أسقيتنا وشربت من الماء ؟ قالت لا والله ها أنا كما تركتموني , قالوا فما هذا الماء ؟ رررررررر
قالت : نزل عليّ دلوا من السماء فشربت ، وانظروا إلى أسقيتكم فذهبوا إلى أسقيتهم فوجدوها مشدودة كما هي فعادوا إليها وقالوا لها أنت صادقة وان دينك خير من ديننا , ونشهد أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله "
وأسلموا كلهم بسبب هذه المرأة المسلمة الصالحة التي تقربت إلى الله تعالى بالدعوة إليه ونشر الإسلام وان كان مقابل ذلك أن تقدم نفسها وكل ما لديها فداء لدين الله سبحانه قال تعالى : { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ { (1)
والسؤال هنا ماذا تفعل حتى يفرج الله كربك ويذهب غمك وهمك ؟
فإذا نظرت إلى هؤلاء الذين تعرفوا على الله في الرخاء بالأعمال الصالحة التي تقربهم إليه تعالى فعرفهم الله في الشدة وأنقذهم من المهالك وفرج كربهم وأزال همهم تعلم الإجابة على هذا السؤال ، وهو أن تكون مثل هؤلاء , تتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة التي تجعلك من المؤمنين فقد قال الله تعالى ( كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ ) (2)
وقال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا) (3)
وكذلك تجعلك هذه الأعمال من أولياء الله تعالى الذين تكفل الله بحفظهم وحمايتهم بل والدفاع عنهم ومحاربة من عاداهم
فقد روى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم)إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ) (4)
(( من عادى لي ولياً ، فقد آذنتُه بالحرب ))
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
1- فصلت (33)
2- يونس (103)
3- مريم (96)
4- البخاري 6021
فأولياء الله هُمُ الذين يتقرَّبون إليه بما يقرِّبهم منه ويحارب كل من تعرض لهم بسوء , وأعداؤه الذين أبعدهم عنه بأعمالهم المقتضية لطردهم وإبعادهم منه فأصلُ الولاية : القربُ ، وأصلُ العداوة : البعدُ
فقد روى الإمام أحمد في كتاب " الزهد " بإسناده عن وهب ابن منبِّهٍ ، قال : ( إنَّ الله تعالى قال لموسى - عليه السلام - حين كلمه : اعلم أنَّ مَنْ أهان لي وليّاً ، أو أخافه ، فقد بارزني بالمحاربة ، وبادأني ، وعرَّض نفسه ودعاني إليها ، وأنا أسرعُ شيءٍ إلى نُصرة أوليائي ، أفيظنُّ الذي يُحاربني أنْ يقومَ لي ؟ أو يظنُّ الذي يعازّني أنْ يعجزني ؟ أم يظنُّ الذي يبارزني أنْ يسبقني أو يفوتني ؟ وكيف وأنا الثَّائرُ لهم في الدنيا والآخرة ، فلا أَكِلُ نصرتهم إلى غيري ) .
واعلم أنَّ جميعَ المعاصي محاربة لله - عز وجل - ، قال الحسن : ابنَ آدم هل لك بمحاربة الله من طاقةٍ ؟ فإنَّ مَنْ عصى الله ، فقد حاربه ، لكن كلَّما كانَ الذَّنبُ أقبحَ ، كانت المحاربة لله أشد ولهذا سمّى الله تعالى أَكَلةَ الرِّبا ، وقُطَّاع الطَّريق محاربينَ لله تعالى ورسوله ؛ لعظيم ظلمهم لعباده ، وسعيهم بالفساد في بلاده .
وقسم أولياءه المقربين إلى قسمين :
أحدهما : من تقرَّب إليه بأداء الفرائض ، ويشمل ذلك فعل الواجبات ، وتركَ المحرَّمات ، لأنَّ ذلك كُلَّه من فرائضِ اللهِ التي افترضها على عباده .
(( وما تقرَّب إليَّ عبدي بمثل أداءِ ما افترضتُ عليه ))
والثاني : من تقرَّب إليه بعدَ الفرائضِ بالنوافل والسنن .
(( ولا يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافل حتّى أحبَّه ))
فظهر بذلك أنَّه لا طريق يُوصِلُ إلى التقرُّب إلى الله تعالى ، وولايته ، ومحبته سوى طاعته التي شرعها على لسان رسوله ، فمنِ ادَّعى ولايةَ الله ، والتقرُّب إليه ، ومحبَّته بغير هذا الطريق ، تبيَّن أنَّه كاذبٌ في دعواه .
وأداء الفرائض أفضلُ الأعمال كما قال عمرُ بنُ الخطاب - رضي الله عنه - : أفضلُ الأعمال أداءُ ما افترضَ اللهُ ، والوَرَعُ عمّا حرَّم الله ، وصِدقُ النيّة فيما عند الله - عز وجل - .
وقال عمرُ بنُ عبد العزيز في خطبته : أفضلُ العبادة أداءُ الفرائض ، واجتنابُ المحارم .
وذلك لأنَّ الله - عز وجل - إنَّما افترض على عباده هذه الفرائض لِيُقربهم منه ، ويُوجِبَ لهم رضوانه ورحمته
فالذين تقرَّبوا إلى الله بعدَ الفرائض بالاجتهاد في النوافل و الطاعات ، والبعد عن دقائقِ المكروهات بالوَرعِ ، وذلك يُوجبُ للعبدِ محبَّة اللهِ ، كما قال : (( ولا يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنوافِلِ حتّى أُحبَّه )) ، فمن أحبه الله ، رزقه محبَّته وطاعته والاشتغالَ بذكره وخدمته ، فأوجبَ له ذلك القرب منه ، كما قال الله تعالى : { مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }المائدة (54)، ففي هذه الآية إشارةٌ إلى أنَّ مَنْ أعرض عن الله ، ولم يسع للقرب منه ، استبدل الله تعالى من هو أولى بهذه المنحة منه وأحقُّ .
وفي بعض الآثار يقول الله - عز وجل - : (( ابنَ آدم ، اطلبني تجدني ، فإنْ وجدتني ، وجدتَ كُلَّ شيء ، وإنْ فُتُّك ، فاتك كُلُّ شيءٍ ، وأنا أحَبُّ إليك من كلِّ شيءٍ ))
كان ذو النون يردّد هذه الأبيات بالليل كثيراً :
اطلبوا لأنفسكم مثل مــا وَجَدْتُ أنـا
قد وجدت لي سكَناً ليس في هواه عَنَا
إنْ بَـعـَدْتُ قرَّبَنِي أو قَـرُبْتُ مِنه دَنا
قوله : (( فإذا أحببتُه ، كنتُ سمعه الذي يسمع به ، وبصرَه الذي يُبصرُ به ، ويدَه التي يبطش بها ، ورجلَه التي يمشي بها ))
المراد بهذا الكلام : أنَّ منِ اجتهدَ بالتقرُّب إلى الله بالفرائضِ ، ثمَّ بالنوافل ، قَرَّبه إليه ، ورقَّاه من درجة الإيمان إلى درجة الإحسان ، فيصيرُ يَعبُدُ الله كأنه يراه ، فيمتلئُ قلبُه بمعرفة الله تعالى ، ومحبَّته ، وعظمته ، وخوفه ، ومهابته ، وإجلاله ، والأُنس به ، والشَّوقِ إليه ، حتّى يصيرَ الله تعالى في قلبه لا يغيب كما قيل :
ساكنٌ في القلب يَعْمُرُه لَسْتُ أنساهُ فأَذكُرُه
غَابَ عَنْ سمعي وعن بصري فسُوَيدا القلب تُبصِرُه
قوله : (( ولئن سألني لأعطينَّه ، ولئن استعاذني لأعيذنّه ))
يعني أنَّ هذا المحبوبَ المقرَّب ، له عند الله منْزلةٌ خاصة تقتضي أنَّه إذا سأل الله شيئاً ، أعطاه إياه ، وإنِ استعاذَ به من شيءٍ ، أعاذه منه ، وإن دعاه ، أجابه ، فيصير مجابَ الدعوة لكرامته على ربه - عز وجل - ، وقد كان كثيرٌ مِنَ السَّلف الصَّالح معروفاً بإجابة الدعوة .
وروى أن نازعت امرأةٌ سعيدَ بن زيد في أرضٍ له ، فادَّعت أنَّه أخذ منها أرضَهَا ، فقال : اللَّهمَّ إنْ كانت كاذبةً ، فاعم بصرها ، واقتلها في أرضها ، فعَمِيَت ، وبينا هي ذات ليلة تمشي في أرضها إذ وقعت في بئر فيها ، فماتت
وروى أبو نعيم بإسناده عن سعدٍ : أنَّ عبد الله بن جحش قال يومَ أحد : يا
رب ، إذا لقيتُ العدوَّ غداً ، فلَقِّنِي رجلاً شديداً بأسُهُ ، شديداً حرَدُهُ أُقاتلُه فيك ويُقاتلني ، ثم يأخذني فيَجْدَعُ أنفي وأذني ، فإذا لقيتُك غداً ، قلتَ : يا عبد الله ، من جدعَ أنفَكَ وأُذنك ؟ فأقولُ : فيك وفي رَسولِك ، فتقولُ : صدقتَ ، قال سعد : فلقد لقيته آخرَ النهار ، وإنَّ أنفه وأذنه لمعلَّقتان في خيط .
خلاصة القول
الأعمال التي تقربك إلى الله كثيرة ولا تحتاج إلى مشقة ولكن تحتاج إلى مداومة على فعلها وان كانت قليلة فقليل دائم خير من كثير منقطع مثل هذه الأعمال وأفضلها :-
1- الصلاةُ ، كما قال تعالى : { وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ }(1) ، وقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : (( أقربُ ما يكونُ العبدُ من ربه وهو ساجدٌ )) (2) .
2- كثرة تلاوة القرآن ، وسماعهُ بتفكُّر وتدبُّرٍ وتفهُّمٍ ، قال خباب بن الأرت لرجل : تقرَّب إلى الله ما استطعتَ ، واعلم أنَّك لن تتقرب إليه بشيءٍ هو أحبُّ إليه من كلامه عن أبي أُمامة مرفوعاً : (( ما تقرَّب العبادُ إلى الله بمثل ما خرجَ منه )) يعني القرآن .
ـــــــــــــ
1- العلق (19)
2- مسلم 744
3- كثرةُ ذكر الله الذي يتواطأ عليه القلبُ واللسان .
عن معاذٍ ، قال : قلت : يا رسول الله ، أخبرني بأفضل الأعمال وأقربها إلى الله تعالى ؟ قال : (( أنْ تموت ولسانُك رَطْبٌ من ذكر الله تعالى )) (1) .
4- محبةُ أولياء الله وأحبائه فيه ، ومعاداة أعدائه فيه ، وعن عمر - رضي الله عنه - ، عن النَّبيِّ - e- ، قال : (( إنَّ من عباد الله لأُناساً ما هُم بأنبياء ولا شُهداءَ ، يغبطُهم الأنبياءُ والشُّهداءُ بمكانهم من الله - عز وجل - )) ، قالوا : يا رسول الله ، مَنْ هم ؟ قال : (( هُمْ قومٌ تحابُّوا بروحِ الله على غيرِ أرحامٍ بينهم ، ولا أموالٍ يتعاطَوْنَها ، فوالله ، إنَّ وُجُوهَهم لنورٌ ، وإنَّهم لعلى نور ، لا يخافون إذا خافَ النَّاسُ ، ولا يَحزَنُون إذا حزن الناس )) ، ثم تلا هذه الآية : { أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ }.(2)
5- الأنفاق في سبيل الله سرا حتى يكون عملا خالصا بينك وبين الله تعالى قال تعالى : { الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ { (3) .
6- الصلح بين المتخاصمين والتأليف بين قلوب المؤمنين ( فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) (4) .
وخلاصة القول لابد أن تتحلى بتقوى الله تعالى أولا ومراقبته بالسر والعلانية وإخلاص النية في القول والعمل وطلب ما عند الله تعالى
ـــــــــــــ
1- مسند البزار
2- سنن أبي داود 3060
3- البقرة 274
4- الأنفال-1
[/size]