الفرق بين التواضع والكبرياء
قد يتصور البعض ان التواضع والكبرياء علي طرفي نقيض، غير ان ذلك ليس صحيحاً، فالمتواضع لا يفقد كبرياءه ولا ينهج سلوكاً متنازلاً للآخرين، بل ان التواضع في معناه الحقيقي يصدر عن قوة في الشخصية لديها بصيرة متميزة للواقع الاجتماعي ولا تري غرضاً أو هدفاً للاصطدام مع الآخرين والتعالي عليهم والنظر اليهم من علياء.. وحينما نقول ان التواضع الاجتماعي لا يعني التنازل عن الكبرياء فإننا نقصد بذلك، ان التواضع قدرة علي العطاء والمنح وطاقة من المحبة للآخرين تتفهم ظروفهم ولا تتردد في تقديم العون لهم كلما لزم الأمر ذلك.
فالمتواضع انسان يحتفظ بكبريائه. ولا يتنازل عنه ولكنه يري ان العلاقة مع الآخرين لابد وان تكون خالية من التعالي الاجتماعي أو الميل للغطرسة والرغبة في الانفتاح علي الناس ولا يعني التواضع التخلي عن الكبرياء، واللجوء الي ذل النفس.. فالكبرياء والتواضع ليسا علي طرفي نقيض أبداً، فبوسعنا ان نحفظ كبرياءنا لأنفسنا دون أن نتخلي عن تواضعنا، بل ان الكبرياء هو الذي يضمن للتواضع حدود الوعي، كما ان التواضع يعزز فينا احساسنا بالكبرياء غير الجائر الذي لا ينزلق الي مزالق الاستعلاء والغرور.
ولعل المعيار السليم الذي يحفظ للإنسان المتواضع مكانته وكبرياءه هو أن يتعامل مع الآخرين علي قواعد صحيحة ووفقاً للوائح والأعراف والتقاليد المتوارثة.. اذ ان ايماننا بأن الزمن لا يسير بالمرء علي وتيرة واحدة، وان سنوات المد والارتقاء قد يقابلها سنوات الجزر والمعاناة هي من الحقائق التي لا يجب ان تغيب عن بصيرتنا. ومن ثم فالذين وضعتهم ظروفهم في موقف مأزوم أو تعرضوا لأزمات في حياتهم لسبب أو لآخر، لا يجب ان تترفع عن التعامل معهم، باعتبارهم أناساً مسكونين بالألم ومن ثم يكون تجنبهم وتجاهلهم من باب الرغبة في الانطلاق الاجتماعي وعدم الرغبة في الاختلاط معهم تجنباً للعدوي منهم.
فالتواضع ينبغي ان يكون سلوكاً أصيلاً في تكويننا، غائراً في دواخلنا نسلكه عن قناعة وليس عن تبرير.. إذ ان البعض يقنع نفسه بأنه متواضع، بأن يحسن الحديث مع من هم أقل منه شأناً، فإذا ما حدثت ظروف جديدة طارئة كشف عن وجهه الحقيقي وتحول الي دكتاتور بالغ العنف والغضب.. فمثل هذا التواضع المزيف هو الذي يكشف حقيقة الانسان ويؤثر علي كبريائه، فالتواضع الذي يستهدف الوصول الي أهداف يحول الانسان الي كائن أملس ولزج، فالتواضع في الحياة لا يعني اللجوء الي السلوك الذهني الناعم الذي يتيح للفرد انسيابية اجتماعية، وطلاقة تكتيكية تحقق له ما يريد.. كما انه لا يعني التزلف، واللجوء الي سلوك تبريري نقنع من خلاله انفسنا بأننا أناس متواضعون لا نجرح مشاعر الآخرين والأقل شأناً منا ولا نتحدث اليهم باستعلاء.
فكل الأديان السماوية قد حضت علي التواضع ورسمت ملامح واضحة وفارقة بينه وبين التذلل وحثت علي ضرورة التحلي بهذه الفضيلة التي تكسب الفرد رحيقاً محبباً وعطراً اجتماعياً فواحاً بجعل الآخرين يسعون الي مصادقته فمن تواضع لله رفعه .