الإسلام وثقافة الاستهلاك يقول الله تعالى " يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ " ، " ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا " ، " وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ، ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا " ، " الذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما " .
فاشتملت هذه الآيات على الأمر بالاقتصاد والنهي عن الإسراف ، وإذا كان الإسراف في الأكل والشرب ممنوعا ، وجب أن يكون الإسراف في الإنفاق ممنوعا ، لأن ذلك إنما يكون بصرف المال في أكثر مما يحتاج إليه من المأكول والمشروب ، وذلك الأكثر ممنوع من أكله ، فينبغي أن يكون صرف المال في الممنوع ممنوعا ، وحد السرف في الأكل أن يجاوز الشبع ويثقل البدن حتى لا يمكن معه أداء واجب ولا قضاء حق إلا يحمل على البدن ، وليس السرف في الإنفاق كل ما ذكرنا ، لكن في المسكن والملبس والمركب والخدام من السرف مثل ما في الطعام والشراب ، فأما الإنفاق فيما يبقى وينمو فليس بسرف كشري الضياع والمواشي للنسل لأن هذه تغل وتنمو ، فيزداد بما يصرف فيها أضعافه قال ومما يدخل في جملة التبذير والإسراف أن لا يبالي الواحد فيما يشتري ويبيع كأن يغبن أو يغبن فيبيع بوكس ويشتري بفضل .
كذلك الإنفاق في الملاهي والشهوات المحرمة من التبذير الموجب للحجر والوقف فأما إذا اشترى طعاما أكثر من حاجته أو لباسا أو خادما أكثر من حاجته فهو ، وإن كان سرفا فليس من السرف الموجب للحجر لأنه يستبدل بالملك ملكا يوازنه ، وإنما ينبع الإسراف منه في الانتفاع بما ملكه » .
" وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كُلْ مَا شِئْتَ وَالْبَسْ مَا شِئْتَ مَا أَخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ سَرَفٌ أَوْ مَخِيلَةٌ " .
قال الحليمي رحمه الله : « وجاء في الاقتصاد في الإنفاق نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تستر الجدر » . وعن عائشة : أنها أخذت نمطا تستر به على الباب فلما قدم فرأى النمط عرفت الكراهية في وجهه ، فجذبه حتى هتكه أو قطعه ، وقال : « إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين » .
بعد هذه الجولة في كتب التراث الإسلامي علينا أن نضع في الاعتبار أو علينا استخلاص ومعرفة ما يلي :
أولا : سمات الثقافة الاستهلاكية :
1. سطحية بدائية، تميل إلى حب التملك والتباهي ، وحب الظهور والتقليد بالتبعية ، والرغبة في التميز والاختلاف ، مثل مكالمات الجوال ورناته وجنون الازياء والمعرضة, والأيس كريم المستورد، والعطور، ومستحضرات التجميل والبخور, والمكسرات ، ولعب الأطفال ، والتدخين ، هذا بالإضافة إلى إنفاق الملايين من الدولارات على الذهب والمجوهرات ، وكذلك الهامبورجر, والبيتزا والكولا , والفياجرا, وأفلام هوليود, وموسيقى الجاز و(الروك آند رول) ومنتجات الجينز ، والمخدرات بكل أصنافها , وأفلام الجنس والعنف والإثارة والرذيلة بكل أنواعها.
2. تربط السعادة دائما بالقدرة على اقتناء كل ما تشتهيه النفس.
3. الكم الهائل من الإعلانات التجارية للسلع الثانوية والكمالية .
4. تحقيق أكبر فرص الكسب والثراء على حساب شعوب العالم الفقيرة.
ثانيا : معرفة سبيل الوقاية والعلاج :
1. معرفة أوجه الأنفاق المشروع في الإسلام ينقسم إلى ثلاث مراتب :
المرتبة الأولى : الإنفاق الضروري ، وهو الإنفاق لأجل حفظ النفس بالمأكل والمشرب الحلال الطيب المعتدل والمسكن اللائق والتطيب والعلاج والمواصلات والتعليم بأشكاله المختلفة .
المرتبة الثانية : وتشمل الإنفاق في الحاجيات أن الملبس الوثير والمسكن المريح والأكل الباهظ الثمين ووسيلة النقل الفارهة وتعليم الأولاد في المدارس الخاصة والذهاب إلى أشهر الأطباء وهو ما يمكن أن يستغنى عنه الناس في حياتهم المقتصرة .
والمرتبة الثالثة : الإنفاق في التحسينات أي أن يتمتع الإنسان المسلم بطيبات ونعم الله إذا قدر على اقتنائها بعد أن يكفى حاجة أولاده وأسرته بالملبس والمأكل والمسكن .
2. العمل على إعادةُ تكوين العقلية العملية المنتجة عند أبناء هذه الأمة لمقاومة العقلية الكسولة الخاملة المستهلكة ، حتى تتحرر الأمة من التبعية الفاضحة للغير ، الذي أصبحت تعتمد عليه في الغذاء الذي يحييها والسلاح الذي يحميها .
3. فكل الدلائل في سائر مجتمعاتنا الإسلامية المعاصرة تنبئ بنتائج كارثية ، إن سارت الأمةُ وهي تحمل لواء الفكر الاستهلاكي , أو تصر على إنتاج ما لا تحتاج, واستهلاك ما لا تنتج .
4. العمل على تحصين الإنباء ضد تأثير الأفكار والثقافات الفاسدة التي تبثها وسائل الأعلام في عصر العولمة ، الأفكار التي تلوث العقيدة بالشرك ، والعبادة بالبدعة ، والفكر بالخرافة ، والأخلاق بالتحلل والانهيار .
5. يجب عدم إغفال الدور الحيوي للمرأة في عملية ترشيد الاستهلاك .
إعداد الشيخ / محمود عبدالله بكارإمام مسجد عمر بن عبد العزيز بمصر الجديدة - القاهرة .