جدل بين علماء الدين حول استبدال الأضحية بالنقود: أثارت فتوي أصدرها أحد علماء الأزهر وهو الدكتور بكر عوض عميد كلية أصول الدين بجواز التصدق بنفس قيمة الأضحية علي الفقراء والمحتاجين بدلاً من التضحية وأن من يفعل ذلك يأخذ ثواب المضحي جدلاً كبيراً بين العلماء ما بين مؤيد ومعارض وهو الأمر الذي أثار حيرة واسعة بين جماهير المصريين.
وفي الوقت الذي أيَّد فيه بعض العلماء هذه الفتوي فقد خالف آخرون وقالوا إنه إذا تخلي كل المسلمين عن أداء سُنَّة الأضحية وأخرجوا بدلاً منها صدقة فإن هذه السُنَّة ستموت وهو ما لا يسمح به الإسلام.
وتطرح فتوي الدكتور عوض الكثير من الأسئلة خاصة في ظل ظهور ما يُعرف باسم صك الأضحية وتتمثل هذه الأسئلة في مشروعية عدم ذبح الإنسان القادر مادياً ولكنه غير مقتدر صحياً؟ وهل يجوز للإنسان توكيل آخر للذبح عنه وعدم مشاهدة ذبح أضحيته لسبب أو لآخر؟ وما مدي مشروعية استبدال الأضحية بالصدقات علي الفقراء؟ طرحنا تلك الأسئلة علي عدد من علماء الشريعة ورصدنا إجاباتهم في التحقيق التالي:
بداية فقد أيد الشيخ جمال قطب رئيس لجنة الفتوي الأسبق بالأزهر هذه الفتوي أيضاً قائلاً: الأصل في الأضحية هي الإنفاق علي الفقير وإدخال السعادة إلي قلوب الفقراء في يوم العيد فإذا نظرنا إلي الأحوال الاقتصادية لوجدنا حاجة الفقير للمال أكثر من اللحوم لسد حاجته الضرورية لذلك من يتصدق بنفس قيمة الأضحية يأخذ ثواباً أكثر من المضحي لأنه يقوم بتطبيق المعني الجوهري للأضحية.
أوضح أن الإسلام دين تيسير ويبحث عن مصلحة الفقير مثلما هو الحال في زكاة الفطر حيث أجاز بعض الفقهاء إخراجها نقوداً بدلاً من الحبوب إذا كان في ذلك مصلحة الفقير التي يجب النظر إليها بعين الاهتمام.
استبدال مرفوض
وعارضها الشيخ عبدالحميد الأطرش الرئيس الأسبق للجنة الفتوي بالأزهر قائلاً: لا يمكن استبدال الأضحية بالمال لأن رسولنا صلي الله عليه وسلم كان يقول لابنته فاطمة "قومي يا فاطمة واشهدي أضحيتك فإن الله يغفر بأول قطرة من دمها" ويقول رسول الله صلي الله عليه وسلم أيضاً: "ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلي الله من إراقة دم وإنه يؤتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها وإن الدم ليقع من الله عز وجل بمكان قبل أن يقع علي الأرض فطيِّبوا بها نفساً".
وأوضح الشيخ عبدالحميد الأطرش أن رسولنا صلي الله عليه وسلم يأمرنا بأن نأكل من لحم الأضحية ونطعم بها الغير وندخر منها أيضاً لذلك لابد أن يُراق الدم يوم العيد بعد صلاة العيد مباشرة كما أمرنا رسولنا الكريم والله عز وجل فيقول الله تبارك وتعالي "فصل لربك وانحر" وقوله: "لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوي منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله علي ما هداكم وبشِّر المحسنين".
المدلول الشرعي للأضحية
ويتفق الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية مع الشيخ الأطرش قائلاً: الأضحية في مدلولها الشرعي هي ما يذكر تقرباً إلي الله تعالي في أيام النحر بشرائط مخصوصة. وقد شرعت بقوله تعالي: "فصل لربك وانحر" ويقول رسول الله صلي الله عليه وسلم : "من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا" والحكمة في مشروعيتها في شكر الله تعالي علي نعمة الحياة كما أن فيها إحياء لسُنَّة إبراهيم عليه السلام إذ امتثل لأمر ربه بذبح بنه إسماعيل حتي فداه الله بذبح عظيم. ومن هنا فإن إحياء هذه الشعيرة تحقيق التوسعة علي النفس وعلي الأهل والتحدث بنعمة الله تعالي تحقيقاً لقوله تعالي: "وأما بنعمة ربك فحدِّث" كما يؤكد تصديق ما أخبره الله به من أنه خلق الأنعام لنفع الإنسان وأذن في ذبحها ونحرها لتكون طعاماً له وإحياء لذكري عظيمة تتمثل في امتثال أبينا إبراهيم لإرادة الله تعالي.
وبناء علي هذا الفهم المستنبط من حكمة تشريع الأضحية فإنه لايقوم غير الأضحية من الصدقات مقامها حتي لو تصدَّق إنسان بشاة حية أو بقيمتها في أيام النحر لم يكن ذلك مغنيا له عن الأضحية ذلك لأن الوجوب في النحر يتعلق بإراقة الدم والأصل أن الوجوب إذا تعلق بفعل معين لا يقوم غيره مقامه كالصلاة والصوم. وإذا كان قد نقل عن أبي حنيفة جواز دفع القيمة فقد كان ذلك في الزكاة التي تؤدي من عين المال أو بقيمته تيسيراً علي الفقراء.
أما الأضحية فإنها من شعائر الإسلام حيث ضحي رسول الله صلي الله عليه وسلم والخلفاء من بعده وحيث قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : "ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحل إلي الله من إراقة دم وان الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع علي الأرض فطيًّبوا بها نفساً" وأما توزيع القيمة يُعد صدقة لا أضحية وهناك فرق بين الأضحية والصدقات.
أحكام وشروط الأضحية
وعن تعريف الأضحية وحكامها الشرعية قال الدكتور محمد عبداللطيف قنديل الأستاذ بكلية الدراسات الإسلامية للبنات بالإسكندرية هي اسم لما يذبح من بهيمة الأنعام سواء كانت من الإبل والبقر والغنم ووقتها يوم النحر من بعد صلاة العيد إلي آخر أيام التشريق وهو الثالث عشر من ذي الحجة بنية التقرب إلي الله تعالي بنية الأضحية. وتنفيذاً لقوله تعالي: "فصل ربك وانحر" وقوله أيضاً "ولكل أمة جعلنا منسكاً ليذكروا اسم الله علي ما رزقهم من بهيمة الأنعام" وقوله كذلك: "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أُمرت وأنا أول المسلمين".
وروي أن النبي صلي الله عليه وسلم ضحي بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمي وكبَّر وعن حكمها قال: ذهب جمهور الفقهاء إلي أنها سُنَّة مؤكدة. وروي الترمذي أن رجلاً سأل عبدالله بن عمر رضي الله عنهما عن الأضحية أهي واجبة؟ قال: ضحي صلي الله عليه وسلم والمسلمون من بعده. وقال الترمذي: العمل علي هذا عند أهل العلم أن الأضحية ليست بواجبة وقد شرَّعها الله تعالي لحكم وفوائد كثيرة تشترك في بعضها مع الهدي الذي يذبحه الحاج متمتعاً كان أو قارناً.
ومن هذه الحكم ذكر الله تعالي وتوحيده. حيث يجب علي المضحي أن يذكر الله تعالي علي أضحيته عند ذبحها كما قال تعالي: "ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات علي ما رزقهم من بهيمة الأنعام.." وشكر الله تعالي بتذكر نعمته علينا بأن خلق لنا هذه الأنعام وأحلها لنا لقوله تعالي : "كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون" وأيضاً التوسعة علي الناس خاصة الفقراء والمساكين في هذه الأيام المباركة حيث جاء في الحديث: "إنما هي أيام أكل وشرب وذكر الله" فيشارك الفقراء والمحتاجون الأغنياء والقادرين في أكل اللحم في هذه الأيام المباركة. فيقول الله تعالي : "فكلوا منها واطعموا البائس الفقير" ويقول الله تعالي "فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر" كما أنها إحياء لذكري نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل حيث فدي الله إسماعيل من الذبح بالكبش العظيم. وفي هذه القصة من العبر الكثير. منها طاعة الله تعالي مهما كان الأمر الذي كلفنا به. وشكره الله تعالي علي هذا الفداء والتخفيف علي نبيه إبراهيم وابنه إسماعيل وعلي الأمة الإسلامية إلي قيام الساعة.
وعن شروطها قال: اجتهد الفقهاء في وجوب توافر مجموعة من الشرط أهمها أن تبلغ السن المطلوبة ويجزيء من الشاة ما له نصف سنة ومن الماعز ما له سنتان ومن الإبل ما له خمس سنوات ويستوي في ذلك الذكر والأنثي.
ويشترط كذلك سلامتها من العيوب فلا يجوز التضحية بالمعيبة مثل: المريضة البيِّن مرضها والعوراء البيِّن عورها والعرجاء البيِّن عرجها والعجفاء التي لا تُنقي: أي ذهب مخها من شدة الهزال فالله طيب لا يقبل إلا طيباً ومن يعظِّم شعائر الله فإنها من تقوي القلوب.
وأنهي كلامه بدعوة المؤسسات الدينية إلي إصدار فتوي جامعة مانعة في القضية المثارة حول استبدال الأضحية بالنقود.
عدالة اجتماعية
ويقول الدكتور طه الدسوقي حبيشي أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر: رغم استحباب قيام المسلم بذبح أضحيته أو رؤيتها عند الذبح إلي أن بعض المسلمين لا يستطيعون فعل ذلك بأنفسهم ولذلك أجاز الشارع التوكيل بذبح الأضحية. فالوكالة في الأضحية مشروعة وعلي الوكيل أن يلتزم بالأوصاف التي يشترطها الشرع فيها من حيث وقتها وتوزيعها علي من يستحقها ومن هنا فإن توزيع مال الأضحية وعدم النحر غير مستحب خاصة في حالة وجود تلك الجمعيات التي تنحر نيابة عن المسلم وتوزع لحوم الأضاحي بطريقة عادلة علي الفقراء أي أن الفقير يستفيد فقط.
يجب التشديد علي أن يلتزم الوكيل بتوزيع لحم الأضحية كما ورد عن الفقهاء بأن يكون الثلث لصاحبها والثلث للفقراء والمساكين والثلث للهدايا. ولو أخرجها كلها للفقراء فلا بأس بذلك. وعليه أن يلتزم بتعليمات موكله بشأن أضحيته. وبناء علي هذا فإن ما عرف هذه الأيام "بصك الأضحية" أمر جائز ومشروع.
ويشير الدكتور حبيشي إلي أن هذا الأمر يشبه ما تفعله المملكة العربية السعودية في الفدي الذي يذبحه الحجيج حيث يدفع الحاج ثمن الأضحية لبنك مخصص لذلك في المملكة ويقوم البنك بشراء وذبح وتوزيع الأضحية علي من يحتاجها سواء كان المحتاج داخل المملكة أو في أي مكان من العالم وهذه الوسيلة منعت ما كان يحدث من عشوائيات في الذبح أثناء الحج بشكل كان يؤدي إلي وجود الكثير من الأضاحي في الطرقات.
سُنَّة واجبة
ويقول الشيخ فرحات المنجي من علماء الأزهر الشريف: إن ذبح المسلم للأضحية سُنة واجبة طالما توفرت القدرة المالية له وهذا بإجماع الفقهاء حتي أن الإمام أبا حنيفة قال إنها واجبة علي القادر مادياً ولهذا لا يجوز للمسلم المقتدر مادياً عدم الذبح وإن كان غير قادر صحياً فيجوز له توكيل غيره في ذبحها حيث جاء في الأثر أن النبي صلي الله عليه وسلم أوكل الإمام علي بن أبي طالب في النحر عنه وقد انتشرت في الفترة الأخيرة الجمعيات التي توزع صك الأضحية فيجوز للمسلم الذي لا تناسب ظروفه الصحية والاجتماعية الذبح أن يقوم بتوكيل إحدي تلك الجمعيات للذبح بدلاً منه بشرط أن يلتزم الوكيل باتباع صحيح السُنَّة النبوية في اختيار الأضحية وذبحها وفق أحكام الشريعة الإسلامية وتوزيع لحومها وعدم بيع أي جزء منها.
ويضيف الشيخ المنجي أنه ورغم ما قلناه فإن المستحب أن يضحي الإنسان بنفسه لما ورد عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه صلي صلاة العيد ثم نحر كبشين أملحين فمن الصحيح ما روي الترمذي وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : ما عمل ابن آدم يوم النحر أحب إلي الله من إهراق الدم. وانه ليؤتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها. وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع بالأرض. فطيبوا بها نفساً. قال الألباني في تحقيق مشكاة المصابيح: صحيح. ومن الضعيف ما أخرجه الحاكم أن النبي صلي الله عليه وسلم قال لفاطمة: قومي إلي أضحيتك فاشهديها. فإنه يغفر لك عند أول قطرة من دمها كل ذنب عملتيه. وقولي: إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله... إلي قوله من المسلمين. قال الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب وفي السلسلة الضعيفة: منكر: ومنها ما رواه الإمام أحمد وابن ماجه عن زيد بن أرقم قال: قال أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم : يا رسول الله ما هذه الأضاحي؟ قال: سُنَّة أبيكم إبراهيم عليه الصلاة والسلام. قالوا: فما لنا فيها يا رسول الله؟ قال: بكل شعرة حسنة. قالوا: فالصوف يا رسول الله؟ قال: بكل شعرة من الصوف حسنة لكل هذا فمن الأفضل بل والضروري الحرص علي الالتزام بإقامة شعيرة الأضحية بمشاركة الأولاد والأهل كل عام قدر الاستطاعة.
وإن تعذر لأي سبب بديهي كون الرأي يجوز إقامتها الأضحية بأي طريقة أخري من طرق الإقامة إما عن طريق أشخاص. أو مؤسسات خيرية. أو بنوك مؤهلة ذلك» حرصاً علي مصلحة الفقراء.
الذبح أولي
ولأنه تثور دوماً عدم قدرة البعض علي مشاهدة أضحيته وهي تذبح خاصة من له أطفال صغار كان لزاماً أن نسأل عن حكم من يرفض مشاهدة الأضحية وهي تذبح حيث يقول الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس اللجنة الدينية بمجلس الشعب وأستاذ السُنَّة النبوية بجامعة الأزهر أن مشاهدة الشخص لأضحيته وقت الذبح وعن ذلك يقول إن مشاهدة الأضحية وهي تذبح سُنَّة وللشخص أجر في ذلك. مشيراً لحديث الرسول صلي الله عليه وسلم لابنته فاطمة "يا فاطمة قومي واشهدي أضحيتك فإنه يغقر لك عند أول قطرة من دمها من كل ذنب عملتيه" ولهذا فإن ذبح المضحي لأضحيته بيده إن كان ممن يحسن الذبح ومشاهدته لها وقت ذبحها مستحب وليس بواجب ولا حرج علي من امتنع من مشاهدتها وقت الذبح علي أن يتأكد من أنه تم ذبحها بطريقة شرعية وآمنة.
ويضيف الدكتور عمر هاشم: ولابد أن يعي المسلم أن الذبح أولي. لأن الذبح شعيرة وقربة إلي الله عز وجل "فصل لربك وانحر" فنحن ننحر اقتداء بسُنَّة أبينا إبراهيم. وتذكيراً بذلك الحدث الجليل. حدث التضحية.
إبراهيم حين جاءه الوحي في الرؤيا. بأن ولده إسماعيل واستجاب لهذا الوحي. وذهب إلي ابنه وفلذة كبده. إسماعيل بكره الوحيد الذي جاءه علي كبر. وعلي شوق وفي غربة. فبعد هذا كله. وبعد أن رزقه الله. وبشره بغلام حليم. وبلغ معه السعي. وأصبح يرجي منه. جاءه الوحي عن طريق الرؤيا الصادقة ليذبحه إنه امتحان.. وامتحان عسير.. علي أب في مثل هذه السن. وفي مثل هذه الحال. وفي ولد ذكر نجيب حليم. وبعد أن بلغ معه السعي. في سن أصبح يرجي منه. كل هذا ويأتيه الأمر الإلهي: اذبحه! يريد الله أن يختبر.. قلب خليله إبراهيم؟؟ أما زال خالصاً لله عز وجل ؟ أم أصبح متعلقاً مشغولاً بهذا الولد؟ هذا هو البلاء المبين.. والامتحان الدقيق العسير والأمم دائماً تحاول أن تخلِّد أحداثها. وتجسِّد ذكرياتها العظيمة وتحتفل بأيام مجدها.. يوم الاستقلال يوم الجلاء.. يوم النصر.. إلخ فكذلك هذا اليوم من أيام الله. من أيام الإنسانية. من أيام الإيمان هذا يوم بطولة خالدة. خلده الله بشعيرة الأضحية.. فالمسلم يضحي بهذا اليوم. وذلك سُنة وهو أفضل من التصدق بثمنها. لأنه لو تصدَّق كل الناس بثمن أضاحيهم. فمعني ذلك أن هذه الشعيرة تموت. والإسلام يريد أن يحياها. فلا شك أن الذبح أفضل.