الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أما بعد:
أولاً: تعريف المصافحة:
في اللغة: المُصَافَحَةُ والتَّصَافُحُ الأخذ باليد(1).
وفي الاصطلاح: وَضْعُ أَحَدِ الْمُلاقَيْنَ بَطْنَ كَفِّهِ عَلَى بَطْنِ كَفِّ الآخَرِ إلَى آخِرِ السَّلامِ أَوْ الْكَلام(2)ِ، وقيل: هي مُفاعَلة من
إِلصاق صُفْح الكف بالكف، وإِقبال الوجه على الوجه.(3)
حكم المصافحة:
الأصل في المصافحة عند اللقاء بين المسلمين أنها سنة لأن النبي - عليه الصلاة والسلام - كان يصافح أصحابه - رضوان الله عليهم - إذا لقيهم، وكانوا إذا تلاقوا تصافحوا فعن أنس قال: (( كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا))(4).
ولا خِلاَفَ فِي أَنَّ الْمُصَافَحَةَ حَلالٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسلام -: ))تَصَافَحُوا تَحَابُّوا(5)))، وَرُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ
وَالسَّلامُ - أَنَّهُ قَالَ: ((إذَا لَقِيَ الْمُؤْمِنُ أَخَاهُ فَصَافَحَهُ تَنَاثَرَتْ ذُنُوبُهُ))(6)، وَلأَنَّ النَّاسَ يَتَصَافَحُونَ فِي سَائِرِ الأعْصَارِ فِي
الْعُهُودِ وَالْمَوَاثِيقِ فَكَانَتْ سُنَّةً مُتَوَارَثَةً(7)، وقال الإمام النووي - رحمه الله -: "أنها سنة عند التلاقي للأحاديث الصحيحة،
وإجماع الأئمة"(
.
أقوال العلماء في المصافحة عقب الصلاة:
قال بعض العلماء: أنها سنة عَقِبَ الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا، وَعِنْدَ كُلِّ لُقِيٍّ(9).
وقال قوم: بكراهة المصافحة عقب الصلاة.
وَقَدْ صَرَّحَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا وَغَيْرُهُمْ بِكَرَاهَةِ الْمُصَافَحَةِ الْمُعْتَادَةِ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ مَعَ أَنَّ الْمُصَافَحَةَ سُنَّةٌ(10)، وما ذاك إلا لكونها
لم تؤثر في خصوص هذا الموضع، فالمواظبة عليها فيه توهم العوام بأنها سنة فيه، ولذا منعوا عن الاجتماع لصلاة
الرغائب التي أحدثها بعض المتعبدين لأنها لم تؤثر على هذه الكيفية في تلك الليالي المخصوصة، وإن كانت الصلاة خير
موضوع.(11)
وتكره المصافحة بعد أَداء الصّلاة بكل حَال، لأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ الله تعالى عنهم - مَا صافحوا بعد أَداء الصَّلاةِ، وَلأَنَّهَا مِنْ
سُنَنِ الرَّوَافِضِ أ. هـ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ ابْنِ حَجَرٍ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ لا أَصْلَ لَهَا فِي الشَّرْعِ(12)، وَأَنَّهُ يُنَبَّهُ فَاعِلُهَا
أَوَّلاً، وَيُعَزَّرُ ثَانِيًا، ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْمَدْخَلِ إنَّهَا مِنْ الْبِدَعِ، وَمَوْضِعُ الْمُصَافَحَةِ فِي الشَّرْعِ إنَّمَا هُوَ
عِنْدَ لِقَاءِ الْمُسْلِمِ لأخِيهِ، لا فِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ، فَحَيْثُ وَضَعَهَا الشَّرْعُ يَضَعُهَا، فَيُنْهَى عَنْ ذَلِكَ وَيُزْجَرُ فَاعِلُهُ لِمَا أَتَى بِهِ مِنْ
خِلافِ السُّنَّةِ(13) أ.هـ.
وسئل عز الدين عن المصافحة عقب صلاة الصبح والعصر أمستحبة أم لا؟
فأجاب: المصافحة عقب صلاة الصبح والعصر من البدع، إلا لقادم يجتمع بمن يصافحه قبل الصلاة، فإن المصافحة
مشروعة عند القدوم.(14)
وأما المصافحة فسنة عند التلاقي سواء فيه الحاضر والقادم من سفر، والأحاديث الصحيحة فيها كثيرة جداً، وأما ما اعتاده الناس من المصافحة بعد صلاتي الصبح والعصر فلا أصل لتخصيصه، لكن لا بأس به، فإنه من جملة المصافحة، وقد حث الشرع على المصافحة، وجعله الشيخ الإمام أبو محمد بن عبد السلام من البدع المباحة(15)، ثم قال الإمام النووي - رحمه الله - عقب هذا الكلام كما في المجموع: هذا الذي قاله حسن، والمختار أن يقال: إن صافح من كان معه قبل الصلاة فمباحة كما ذكرنا، وإن صافح من لم يكن معه قبل الصلاة عند اللقاء فسنة بالإجماع.(16)
الترجيح:
من حيث أصل المصافحة فهي مشروعة بين المسلمين خاصة عند اللقاء، أما بعد الصلاة فلم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن الصحابة الكرام - رضي الله عنهم -، فهي أمر محدث، وكل محدثة بدعة، وقد سئل العلامة ابن باز - رحمه الله - عن حكم المصافحة بعد الصلاة فقال: أما ما يفعله بعض الناس من المبادرة بالمصافحة بعد الفريضة من حين يسلم التسليمة الثانية فلا أعلم له أصلاً، بل الأظهر كراهة ذلك لعدم الدليل، ولأن المصلي مشروع له في هذه الحال أن يبادر بالأذكار الشرعية التي كان يفعلها النبي - عليه الصلاة والسلام - بعد السلام من صلاة الفريضة(17).
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.