الصفات المستحبة في المؤذن
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن هناك صفات مستحبة ينبغي توفرها في المؤذن، ومن هذه الصفات ما يلي:
1. أن يكون المؤذن بصيراً، وهذه الصفة اتفق جمهور الفقهاء على استحبابها، وأنه أولى من الأعمى؛ لأنه أعلم بدخول الوقت1. وظاهر مذهب المالكية عدم ترجيح أذان البصير على الأعمى تأسياً على أن مؤذن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان أعمى وهو ابن أم مكتوم، والأمانة هي المرجح بين الأعمى والبصير عند المالكية2. وقد اتفق الفقهاء جميعاً على صحة أذان الأعمى، وعلى أنه لا يكره إذا كان معه من يخبره بدخول الأوقات، أو إذا أذَّن بعد بصير3.
2. أن يكون المؤذن صيتاً حسن الصوت فصيحاً، وهذه صفة اتفق الفقهاء -رحمهم الله- على أنه يستحب أن يختار للأذان المؤذن الصيت صاحب الحسن، دون ما فيه غلظة أو فظاظة4. وقد استدلوا على ذلك بحديث عبد الله بن زيد -رضي الله عنه- أن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال له: (فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت به فإنه أندى صوتاً منك)5. ومعنى: (أندى) أي أرفع وأعلى وأبعد، وقيل أحسن وأعذب6. ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- اختار أبا محذورة للأذان لكونه صيتاً، وذلك في قصة إسلامه، وطلب أبو محذورة من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يجعله مؤذناً بمكة- فقال: (قد أمرتك به)7. واستدلوا كذلك بما روي أن مؤذناً أذن فطرَّب في أذانه، فقال له عمر بن عبد العزيز-رحمه الله-: أذِّن أذاناً سمحاً و إلاَّ فاعتزلن8. واستدلوا أيضاً بأن المقصود من الأذان الإعلام، وإذا كان المؤذن صيتاً ما أبلغ في الإسماع9. ولأن المؤذن إذا كان حسن الصوت فإنه يكون أرق لسامعيه، فيميلون إلى الإجابة10. فصاحب الصوت الحسن له تأثير عجيب في جذب قلوب الناس، وهزّ قلوبهم الحنين إلى علام الغيوب، ومن ثم إتيانهم إلى المسجد لأداء الصلاة. فمن المشاهد أن المصلين في المسجد الذي مؤذنه حسن الصوت أكثر عدداً من غيره.
3. أن يكون المؤذن حراً، وهذه أيضاً صفة اتفق الفقهاء على استحبابها، وقد نقل الإجماع على ذلك ابن هبيرة 11. واستدلوا على ذلك بحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: (ليؤذن لكم خياركم، وليؤمكم قرَّاؤكم) 12. وجه الدلالة أنه أمر بأن يكون الأذان لخيارنا، والحر خير من العبد. واستدلوا بما روي أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- سأل فقال: من مُؤذنوكم اليوم؟ قالوا: موالينا وعبيدنا، قال: إن ذلك بكم لنقص كثير، أو كبير13. ولأن الحر أولى لأنه أكمل14. ولأن العبد لا يتفرغ لمراعاة الأوقات لاشتغاله بخدمة المولى15. ولأن العبد الغالب عليه الجهل16.
4. وهناك صفات أخرى تستحب في المؤذن، ذكرها بعض الفقهاء، منها ما ذكره فقهاء الحنفية من أنه يستحب أن يكون المؤذن عالماً بالسنة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (ليؤذن لكم خياركم، وليؤمكم قراؤكم)17. فقالوا: وخيار الناس العلماء؛ ولأن مراعاة سنن الأذان لا تأتي إلا من العالم به18. واستحبوا أيضاً أن يكون مواضباً على الأذان ؛لأن حصول الإعلام لأهل المسجد بصوت الواظب أبلغ من غيره؛ لأن صوته يصير معهوداً للقوم فلا يقع الاشتباه، فكان أفضل19. وقال فقهاء المالكية: ويستحب أن يكون المؤذن حسن الهيئة20. وقال فقهاء الشافعية: يستحب أن يكون من ولد من جعل الأذان فيهم، أو من الأقرب فالأقرب إليهم21. واستدلوا لذلك بما يلي: حديث أبي هريرة-رضي الله عنه- أنَّ النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: (الملك في قريش، والقضاء في الأنصار، والأذان في الحبشة) 22. وبقول أبي محذورة- رضي الله عنه-: جعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأذان لنا 23. والله أعلم.