أهلا وسهلا بك إلى منتديات أئمة الأوقاف المصرية .
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـــات، بالضغط هنا.كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.

الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
منتديات أئمة الأوقافالخطبة الاسترشادية 24 شوال 1437هـ 29 يوليو 2016     آفات الهوى Emptyالإثنين يوليو 25, 2016 8:24 am من طرفمنتديات أئمة الأوقافاليوم السابع / غلق باب التقديم لمسابقة الدعاه بعد غد الثلاثاء الموافق 26 يوليو 2016     آفات الهوى Emptyالأحد يوليو 24, 2016 8:13 am من طرفمنتديات أئمة الأوقافضوابط الاعتكاف لشهر رمضان 1437 هـ 2016 م     آفات الهوى Emptyالإثنين مايو 30, 2016 7:51 am من طرفمنتديات أئمة الأوقافتعميم : عدم حضور أي دورات تدريبية إلا بتصريح من الأوقاف     آفات الهوى Emptyالإثنين مايو 30, 2016 7:36 am من طرفمنتديات أئمة الأوقافتعليمات هامة للأئمة قبل شهر رمضان 1437 هـ 2016 م     آفات الهوى Emptyالإثنين مايو 30, 2016 6:46 am من طرفمنتديات أئمة الأوقافأسماء الناجحين في مسابقة التسوية لوظيفة إمام وخطيب المجموعة الأولى     آفات الهوى Emptyالخميس أبريل 28, 2016 7:48 am من طرفمنتديات أئمة الأوقافأسماء المرشحون أوئل القراءة الحرة لمرافقة بعثة الحج لهذا العام 1437هـ 2016 م     آفات الهوى Emptyالأربعاء أبريل 20, 2016 8:53 pm من طرفمنتديات أئمة الأوقافأسماء الناجحين في مسابقة التفتيش العام إبريل 2016 م    آفات الهوى Emptyالأربعاء أبريل 20, 2016 8:41 pm من طرفمنتديات أئمة الأوقافإلى اخي الأستاذ سعد غابة فضلا     آفات الهوى Emptyالجمعة أبريل 15, 2016 1:36 pm من طرفمنتديات أئمة الأوقاف وفاه كبير ائمه مركز زفتى غربيه    آفات الهوى Emptyالسبت أبريل 02, 2016 6:49 pm من طرفمنتديات أئمة الأوقاففضيلة الشيخ زكريا السوهاجي وكيل وزارة الأوقاف بأسوان يفتتح مسجد الروضة    آفات الهوى Emptyالسبت مارس 26, 2016 6:55 am من طرفمنتديات أئمة الأوقافتكليف د خالد حامد برئاسة لجنة الاتصال السياسي بالوزارة يعاونه الأستاذ مخلص الخطيب     آفات الهوى Emptyالسبت مارس 19, 2016 9:13 am من طرفمنتديات أئمة الأوقافحوار فضيلة الشيخ جابر طايع رئيس القطاع الديني بوزارة الأوقاف مع جريدة الأهرام     آفات الهوى Emptyالجمعة مارس 18, 2016 12:06 am من طرفمنتديات أئمة الأوقافافتتاح عشرة مساجد غدا الجمعه 18 مارس 2016 م    آفات الهوى Emptyالخميس مارس 17, 2016 11:50 pm من طرفمنتديات أئمة الأوقافالمطالبون بالتسوية بالمؤهل الجامعي عليهم التوجه لمديرياتهم فورا وآخر موعد غدا الثلاثاء     آفات الهوى Emptyالإثنين مارس 07, 2016 6:48 am من طرفمنتديات أئمة الأوقافاقتراح من فضيلة الشيخ عبد الناصر بليح بعمل انتخابات مجلس إدارة الصندوق بالمديريات أو بقطاعات ثلاثه     آفات الهوى Emptyالأحد مارس 06, 2016 7:57 am من طرفمنتديات أئمة الأوقافماذا تعرف عن صندوق نهاية الخدمة    آفات الهوى Emptyالأحد مارس 06, 2016 7:36 am من طرفمنتديات أئمة الأوقافإعلان شغل وظائف بمديرية أوقاف بني سويف     آفات الهوى Emptyالخميس مارس 03, 2016 7:48 am من طرفمنتديات أئمة الأوقافأسماء الذين سيحصلوا على الدرجات بوزاة الأوقاف لجميع العاملين بالوزارة 2016     آفات الهوى Emptyالخميس مارس 03, 2016 7:33 am من طرفمنتديات أئمة الأوقافأسماء الناجحين في مسابقة إيفاد القراء في شهر رمضان 1437هـ 2016 م     آفات الهوى Emptyالثلاثاء مارس 01, 2016 8:50 am من طرف

منتديات أئمة الأوقاف المصرية  :: الداعية جامع وجامعة

شاطر
    آفات الهوى Emptyالسبت ديسمبر 18, 2010 5:13 am
المشاركة رقم:
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
الرتبه:
الصورة الرمزية

الشيخ عبد الستار الخضراوى

البيانات
عدد المساهمات : 110
نقاط : 322
تاريخ التسجيل : 20/11/2010
العمر : 64
العنوان : مركز منوف محافظة المنوفية امام وخطيب بمسجد الناخودية
مكان العمل : امام وخطيب ومدرس اول

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: آفات الهوى     آفات الهوى Emptyالسبت ديسمبر 18, 2010 5:13 am



آفات الهوى



ملخص الخطبة
1- التحذير من اتباع الهوى. 2- الفرق بين الإنسان والحيوان هو العقل. 3- الفرق بين منهج الله سبحانه وتعالى وبين مناهج البشر. 4- صور من اتباع الهوى. 5- عواقب اتباع الهوى. 6- سبل الوقاية من اتباع الهوى.
الخطبة الأولى**أما بعد: ان اصدق الحديث كلام الله وخير الهدى هدى محمد صلى الله علية وسلم وشر الامور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار أيها المؤمنون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى في السرّ والعلن، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70، 71].عباد الله، يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم : فَأَمَّا مَنْ طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النزعات:37-41].إنه اتّباع الهوى الذي حذّرنا منه المولى عز وجل، وحذّرنا منه نبينا محمد ، وبين خطره علماء الأمة. إنه الهوى الذي يغير الأمور فيجعل المعروف منكرًا والمنكر معروفًا، ويصبح المسلم ـ بل المتبع لهواه ـ لا يميز بين خير أو شر ولا بين حسن أو قبيح إلا ما أشرب من هواه. يقول النبي في الحديث الذي رواه مسلم: ((تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودًا عودًا، فأيما قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأيما قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير القلوب على قلبين: أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربادًا كالكوز مجخيًا، لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أشرب من هواه))، فأصبح هواه هو الذي يسيره، فأصبح هواه هو الذي يقوده، فأصبح هوى النفس هو الذي يقود الإنسان الذي اتبع هواه.فاتباع الهوى ـ يا عباد الله ـ أن تكون النفس هي القائدة للإنسان، تحسن له القبيح وتقبح له الحسن، وتقوده إلى المهالك فيطيعها في كل صغيرة وكبيرة، دون أن يبحث عن دين أو عن شرع أو عن خلق أو عن قيم أو عن مبادئ، وإنما يتبع هواه، أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ [الفرقان:43]. لقد أصبح الهوى عند ذاك الإنسان الذي قادته نفسه الأمارة بالسوء وقاده الهوى والشيطان، أصبح الهوى إلهًا يعبده، يحلِّل له ويحرّم له، فيتبعه عند كل صغيرة وكبيرة.
إن الهوى ـ يا عباد الله ـ من أخطر الأمور التي يصاب بها الإنسان، ولنعلم ـ أيها المؤمنون ـ أن الفرق بين الإنسان وبين الحيوان هو هذا العقل الذي ميز الله به الإنسان، فجعله يميز بين الحسن والقبيح، وبين الضار والنافع، وبين ما ينفعه في دينه ودنياه وبين ما يضره، بيد أن الحيوان لا يعلم شيئًا من ذلك؛ لأنه لا عقل له، لكن النتيجة مختلفة، فالحيوان يكون ترابًا يوم القيامة لأنه غير مكلف، بينما الإنسان إما أن يصير إلى جنة وإما إلى نار بحسب حاله الذي كان عليه في الحياة الدنيا.وينبغي أن نعلم أن الفرق بين منهج الله سبحانه وتعالى وبين مناهج البشر أن مناهج البشر تتبع الهوى وتسير وفق الأهواء ووفق الرغبات والشهوات، بينما منهج الله سبحانه وتعالى لا خطأ فيه ولا ميل؛ لأنه منزل من قبل رب الأرض والسماوات، وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ [المائدة:49].
إن من يتحاكم إلى غير شرع الله قد اتبع الهوى، والهوى يختلف بحسب اختلاف الرغبات والشهوات، ومحالٌ أن يتفق الناس أصحاب الأهواء على منهج واحد؛ لأن الأهواء تختلف، ولأن الرغبات تختلف، بينما حكم الله واحد لا يتغير.
لما سرقت المخزومية في عهد النبي وأراد النبي أن يقطع يدها حز هذا الأمر في نفوس أصحاب الهوى من كفار قريش الذين يتحاكمون إلى العادات وإلى المبادئ الأرضية، فأرسلوا أسامة بن زيد إلى النبي ليشفع لتلك المرأة فلا تقطع يدها، فغضب النبي غضبا شديدا وقال: ((يا أسامة، أتشفع في حد من حدود الله؟! إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد. وايم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)) رواه أبو داود وأحمد ومسلم بمعناه.إنه منهج الله الذي لا يعرف المحاباة، ولا يعرف المداهنة، ولا يعرف الفرق بين الكبير والصغير، ولا بين الرئيس والمرؤوس، ولا بين الغني والفقير، فالناس أمام شرع الله سواسية كأسنان المشط، هكذا هو منهج الله، منهج ثابت دائم لا يتغير ولا يتبدل ولا يزول ولا يحول، هكذا هو المنهج الشرعي الذي أنعم الله به على هذه الأمة.
وينبغي أن نعلم ـ يا عباد الله ـ أن العبد في هذه الحياة بين إجابتين لا ثالث لهما، إما أن يستجيب لشرع الله، وإما أن يستجيب لهواه، لا ثالث للأمرين، إن لم يستجب لشرع الله فهو مستجيب لهواه لا محالة، يقول الله سبحانه وتعالى: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ [القصص:50]، إذا لم يستجيبوا لك ـ يا محمد ـ فإنما يتبعون أهواءهم ورغباتهم. هذا هو المنهج الواضح: أن الإنسان إذا لم يستجب لشرع الله سبحانه وتعالى فإنه متبع لهواه، رضي بذلك أم لم يرض.
لماذا ـ يا عباد الله ـ جاءت الشريعة واضحة في هذا الأمر، وجاءت النصوص الشرعية متواترة في التحذير من الهوى، وفي بيان عاقبته، وفي بيان أنه من أعظم الأمور التي ينهى عنها؟!إن الهوى ـ يا عباد الله ـ من أعظم الآفات ومن أعظم المصائب ومن أعظم السيئات التي يبتلى بها العباد في هذه الحياة الدنيا؛ لأن من يتبع هواه قد جعل هواه إلهًا يعبَد من دون الله، أَفَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ [الجاثية:23]، لأنه جعل هواه مشرعًا يشرع له ما يريد ويقبح له ما يريد.
لما دخل عدي بن حاتم على النبي وسمعه يتلو قول الله تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة:31] قال: يا رسول الله، لم نعبدهم! قال: ((أليسوا يحلون لكم الحرام ويحرمون لكم الحلال فتطيعوهم؟))، قال: بلى يا رسول الله، قال: ((فتلك عبادتهم)) رواه الطبراني في الكبير وحسنه الألباني.
إن من اتخذ إلهه هواه قد عبد هذا الهوى، ومن جعل نفسه هي التي تحلل أو تحرم فقد جعل نفسه إلهًا من دون الله، من اتخذ العادة منهجًا يرجع إليه في التحليل والتحريم فقد اتخذ العادة إلهًا تعبد من دون الله، من اتخذ التقاليد الأرضية أو البشرية أو القبلية منهجًا يتحاكم إليها دون شرع الله فقد اتخذها إلهًا من دون الله يُعبد. هذا منهج واضح لا غبش فيه ولا غموض، قد بينه المولى عز وجل بقوله: أَفَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ [الجاثية:23].
في اتباع الهوى ـ يا عباد الله ـ استهانة بالذنوب والمعاصي، فتصبح المعصية عند الإنسان لا شيء؛ لأنه لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أشرب من هواه. يقول عبد الله بن مسعود : (إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه في أصل جبل يوشك أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا فطار) رواه الترمذي وصححه الألباني. يستهين بالمعصية، لا يرى لها شدّة المؤمن الذي يخشى الله سبحانه وتعالى، ويخاف من عقوبته، ويفكر فيما أعده الله تعالى للعصاة.أَفَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ [الجاثية:23]، قال بعض الصالحين: "إذا همت نفسك بالمعصية فذكرها بمراقبة الله سبحانه وتعالى، وأن الله يراك ومطلع عليك، فإن لم ترتدع عن المعصية فذكرها بالفضيحة، فإن لم ترتدع فذكرها بأخلاق الرجال، فإن لم ترتدع فاعلم أنك قد انقلبت في تلك الساعة إلى حمار". إذا لم يردع الإنسان خوف الله ومراقبته ولم تردعه الفضيحة ولم تردعه أخلاق الرجال فما الفرق بينه وبين البهيمة؟! ما الفرق بينه وبين العجماوات؟!
هكذا يحذرنا المولى عز وجل من هذه المصيبة، من هذه الآفة التي ابتلي بها كثير من الناس، حذرنا المولى عز وجل من اتباع الهوى لأن اتباع الهوى يقود صاحبه إلى النار والعياذ بالله تعالى، يقول النبي : ((حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات)) رواه مسلم. فكل الشهوات التي تشتهيها النفس الأمارة بالسوء هي قائدة إلى النار والعياذ بالله، وأما الجنة فهي محفوفة بما تكره النفس، فإن المسلم يجاهد نفسه في هذه الحياة الدنيا وينهاها عن الهوى، وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:40، 41].
إنّ اتباع الهوى ـ يا عباد الله ـ له صور كثيرة، وله مجالات عدة، ينبغي أن يتنبه لها المسلم حتى لا يقع في اتّباع الهوى من حيث لا يشعر، فيكون ممن سخط الله عليه والعياذ بالله .من ذلك أن يلهث وراء لذة عاجلة من الحرام دون أن يبحث عن الحكم الشرعي في ذلك، أن يبحث عن اللذة العاجلة من الحرام من شهوة مال أو فرج أو منصب أو دنيا أو نحو ذلك دون أن يبحث عن الحكم الشرعي، وإنما همه أن يشبع رغبته، أن يشبع هوى نفسه، أن يشبع شهوته، سواء كان ذلك حلالاً أو حرامًا. يقول النبي : ((تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة؛ إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط. تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش)) رواه البخاري. فسمى النبي من يسعى وراء الدرهم والدينار بدون أن يسأل عن الحكم الشرعي في هذه المسألة بأنه عابد له، ((تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم)).
ومن صور اتباع الهوى ـ يا عباد الله ـ أن يكون الإنسان المتّبع لهواه فاقدًا للغيرة، فلا غيرة عنده أبدًا، يرى الحرام فلا يتحرك، يرى المنكرات فلا يتمعر وجهه. الغيرة من صفات الإيمان، إن الله يغار، وغيرة الله أن تنتهك حرماته. كان النبي لا يغضب لنفسه أبدًا، فإذا انتهكت حرمات الله غضب لله، غضب لحرمات الله أن تنتهك. قال : ((لا يدخل الجنة ديّوث))، قيل: من الدّيوث يا رسول الله؟ قال: ((الذي لا يبالي من دخل على أهله)) أو كما قال النبي ، رواه عبد الرزاق في مصنفه والطبراني في الكبير قال الهيثمي في المجمع: "فيه مساتير وليس فيهم من قيل: إنه ضعيف".فالرجل المتّبع لهواه لا غيرة عنده، ثبت في الحديث الصحيح أن شابًا دخل على النبيّ فقال: يا رسول الله، ائذن لي في الزنا، فأوشك الصحابة أن يقعوا فيه وأن ينالوا منه، فقال النبي : ((دعوه))، ثم قال: ((ادنوا أيها الشاب))، فأدناه إليه بأبي هو وأمي ، فقال: ((أيّها الشاب، هل ترضى الزّنا لأمك؟!))، قال: لا، جعلني الله فداك، قال: ((فكذلك الناس لا يرضونه لأمهاتهم))، قال: ((أترضاه لأختك؟!))، قال: لا، جعلني الله فداك، قال: ((فكذلك الناس لا يرضونه لأخواتهم))، وما زال النبي يسأله: ((أترضاه لعمتك؟! أترضاه لخالتك؟!))، وهو يقول: لا يا رسول الله، عند هذا وضع النبي يده على صدره وقال: ((اللهم اغفر ذنبه، وحصن فرجه، وطهر قلبه))، قال: فوالله، لقد خرجت وما من شيء أبغض إلى في الدنيا من الزنا. رواه أحمد وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.لقد فهم من هذا الحديث أن أصحاب الهوى يرضون الزنا لأمهاتهم ولأخواتهم وخالاتهم ولعماتهم، بينما المؤمن الذي لا يتبع هواه يغار ولا يرضى الهوى ولا يرضى الخنا ولا يرضى الزّنا، ولا يرضى الجرائم لأهله وأقاربه، لا يرضاه للمسلمين كلّهم.من صوَر اتباع الهوى ـ يا عباد الله ـ أن صاحب الهوى عنده استعداد أن يبيع دينه من أجل لذة عاجلة من متاع الدنيا، فهو لا يجد غضاضة أن يسرق أو يزني أو أن يشهد الزور أو أن يفعل الحرام من أجل لذة عابرة، من أجل أن يشبع هوى نفسه والعياذ بالله.
ذكر ابن الجوزي في كتاب ذم الهوى أن مؤذنًا في بغداد، وأنصتوا ـ يا رعاكم الله ـ لهذه القصة المؤثرة التي تبين عاقبة اتباع الهوى أعاذنا الله وإياكم منه، أن مؤذنًا في بغداد كان يسمّى صالح المؤذن، يؤذن أكثر من أربعين سنة، فصعد ذات ليلة على مئذنة المسجد، فنظر في بيت مجاور فرأى امرأة فهوِيها، فلم يكمل الأذان والعياذ بالله، فنزل إلى تلك الدار وطرق بابه، فخرجت تلك الفتاة، فقال: أريد أن أتزوجك، قالت: لا يحل لك ذلك، قال: ولم؟ قالت: لأنك مسلم وأنا نصرانية، قال: أدع ديني وأدخل في النصرانية، وترك دينه. قالت: إنك إذا وصلت إلى رغبتك تركتني، ولكن لا بد أن أتوثّق منك، قال: بم؟ قالت: هذا لحم الخنزير فكل منه، وهذا الخمر فاشربه، فأكل لحم الخنزير وشرب الخمر، قالت له: إن أبي غائب فاصعد إلى سطح الدار حتى يأتي أبي فيكمل الأمر، فصعد وبينما هو صاعد على السلم أخذت به نشوة الخمر فترنح فسقط فمات والعياذ بالله. مات نصرانيًا بعد أن كان يؤذن أكثر من أربعين سنة، فلما بلغ شأنه للمسلمين ألقوه في زبالة هناك فأكلته الحيوانات والكلاب، والعياذ بالله من سوء الخاتمة.
أَفَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ [الجاثية:23]. عندما يجعل الإنسان هواه قائدًا لا يدري قد يفاجئه ملك الموت وهو في تلك اللذة العابرة، وهو في تلك الشهوة والعياذ بالله، فليتصور كل إنسان أن ملك الموت ربما ينزل به في أي لحظة، فلا تدعوه نفسه الأمارة بالسوء لشهوة عابرة والعياذ بالله، وينسى جنة عرضها السماوات والأرض.من صور اتباع الهوى ـ يا عباد الله ـ أن يحرص العبد على الدنيا وعلى المال وعلى الربح بدون أن يبحث عن الحكم الشرعي في ذلك، يقول : ((أيما جسد نما من سحت فالنار أولى به)) رواه الطبراني وأبو نعيم في الحلية وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير.
إن الذين يبحثون عن المال بدون أن يبحثوا عن الحكم الشرعي في ذلك هم الرأسماليون أعداء الله الذين همهم الدرهم والدينار، والذين عناهم النبي بقوله: ((تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم)).
إن من يبحث عن الربح بدون أن يبحث عن الحكم الشرعي فهو متبع لهواه؛ لذا ـ يا عباد الله ـ ينبغي أن ننتبه لهذه القضية حتى لا نكون عبادًا للهوى من حيث لا نشعر. كم هي المشاريع الربحية التي تخرج بين الناس في كل يوم، ومنها ما هو مخالف لشرع الله، سواء في البيع والشراء أو في صور من صور الاستثمار الجديدة التي بدأت تغزو أسواقنا، وبدأت تغزو منتدياتنا. من منا قبل أن يساهم في مؤسسة ما أو في اكتتاب معين أو في بيع سلعة معينة سأل أهل العلم: هل يجوز لي ذلك؟! هل بيع هذه السلعة موافق لشرع الله أم لا؟! هل المساهمة في هذه المؤسسة أو في هذه الشركة موافق لشرع الله أم لا؟! أم كان هم الإنسان الدرهم والدينار، همه الريال، همه الربح، فيكون عبدًا للدرهم وعبدًا للدينار والعياذ بالله تعالى. هذه من صور الحرام، ومن صور اتباع الهوى والعياذ بالله.
ومن صور اتباع الهوى ـ يا عباد الله ـ سقوط العالم وطالب العلم عندما يبيع دينه بسبب منصب أو وظيفة، أو بسبب اتباع شيء من متاع الدنيا الزائل والعياذ بالله. وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ [الأعراف:175، 176]. كم من الناس عندهم علم ولكنهم يتبعون أهواءهم والعياذ بالله، من أجل دنيا زائلة والعياذ بالله.
مر أبو حنيفة رحمه الله ذات يوم بغلام يلعب في الطين، فقال له: يا بني، انتبه لا تسقط في الطين، فأجرى الله الحق على لسان هذا الفتى الصغير، فقال له: بل أنت ـ يا إمام ـ انتبه لا تسقط؛ فإن سقوط العَالِم سقوط للعَالَم. هكذا يجري الله الحق على لسان فتى صغير. يقول له: بل أنت ـ أيها العَالِم ـ انتبه لا تسقط فإن سقوطك سقوط للأمة كلها، سقوط للعالم. فكان الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى بعد ذلك لا يفتي في أي مسألة حتى يستشير أصحابة ويستشير أهل العلم خشية أن يقع فيما يسخط الله سبحانه وتعالى.
ومن صور اتباع الهوى ـ يا عباد الله ـ الجور في الحكم؛ أن يحكم الإنسان بغير شرع الله تعالى، يقول الله تعالى: فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا [النساء:135]. فمن يحكم بغير شرع الله فقد اتبع الهوى، واتبع النفس الأمارة بالسوء، واتبع المصلحة والعياذ بالله تعالى. من يجور في الحكم وهو يعلم أنه مخالف لحكم الله فهو متبع لهواه، رضي بذلك أم لم يرض.
تحاكم علي بن أبي طالب هو ورجل من اليهود سرق درعه، تحاكما إلى شريح القاضي، فقال القاضي شريح لعلي بن أبي طالب : اجلس ها هنا يا أبا الحسن، وقال لليهودي: اجلس ها هنا يا فلان، فغضب علي غضبًا شديدًا، وقال: يا شريح، لقد أخطأت في الحكم، قال: ولم؟ قال: فضلتني على خصمي كنيتني وقلت: يا أبا الحسن، وفضلتني عليه وناديته باسمه. ثم طلب من كل منهما أن يبين حجته وبينته، فعلي لم يكن عنده بينة، واليهودي لم يكن عنده بينة، قال: يا علي، هل عندك شهود؟ قال: نعم يشهد معي ابني الحسن أن هذا درعي اشتريته بمالي ـ الحسن بن علي المشهود له بالجنة ـ قال: لا أرضى شهادة الابن لأبيه، لا أقر شهادة الابن لأبيه، هل معك شهادة أخرى؟ قال: لا، فحكم القاضي بالدرع لذلك اليهودي، عند هذا قال ذلك اليهودي: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله، أمير المؤمنين يحاكمني إلى قاضيه!! فيحكم قاضيه عليه، والله، ما هذا بدين بشر أبدًا.******أقول ما تسمعون، وأستغفر المولى العظيم الجليل لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.*الخطبة الثانية
أما بعد: أيها المؤمنون، لقد ظهر لنا خطر اتباع الهوى، وأن الهوى إله يعبد من دون الله تعالى، وأن من وقع في عبادة الهوى فهو على شفا جرف هار، ما عليه إلا أن يراجع نفسه، وأن يعود إلى ربه عز وجل، وأن لا يكون ممن أضلهم الشيطان من حيث لا يشعر. إن ثمة أمورًا ذكرها العلماء رحمهم الله تعالى تحول بين الإنسان وبين اتباع الهوى.
فمن ذلك أن يتأمل الإنسان في العاقبة، في عاقبة هذه الحياة وفي نهايتها، ويتأمل في الآخرة وما أعد الله فيها للمحسنين، وما أعد فيها للعصاة والعياذ بالله، وأن هذه الدنيا لا تسوى شيئًا أمام الآخرة التي فيها كل شيء، وأمام الجنة التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، مهما ملك الإنسان من أموال ومهما ملك من متاع فإنه شيء يسير في جنب ما أعده الله تعالى للمؤمنين. ثبت في صحيح مسلم أن النبي قال: ((يؤتى بأنعم أهل الدنيا ـ ممن تبع هواه ـ من أهل النار فيغمس فيها غمسة واحدة، فيقال له بعد ذلك: يا ابن آدم، هل مر بك نعيم قط؟ هل رأيت نعيمًا قط؟ فيقول: لا يارب، ـ هذا أنعم أهل الدنيا، لما غمس في النار غمسة واحدة نسي ذلك النعيم ـ، ويؤتى بأبأس أهل الدنيا من أهل الجنة ـ ممن لم يعرف نعيمًا قط، ولكنه من الصالحين ـ فيغمس في الجنة غمسة واحدة، فيقال له بعد ذلك: يا ابن آدم، هل مر بك بؤس قط؟ هل رأيت شقاءً قط؟ فيقول: لا يارب)). لقد أنسته تلك الغمسة كل شيء، الجنة والنار ينبغي أن يتفكر فيهما المسلم فينسيه ذلك عن اتباع الهوى .
من ذلك أن يتأمل في فضيلة الصبر، وأن الجنة حفت بالمكاره، وأن النار حفت بالشهوات، وأن الصبر هو عاقبة المتعففين، فماذا كان يوسف عليه السلام، ماذا كان سيكون لو أنه اتبع هواه؟! لكن لما خالف هواه واتبع منهج الله تعالى كان إمامًا للمتعففين، كان إمامًا للصابرين، كان إمامًا للمتبعين لمنهج الله تعالى، قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ [يوسف:33]. هكذا ينبغي أن يفكر الإنسان في الآخرة.**من ذلك ـ يا عباد الله ـ أن يتأمل المسلم أن الهوى لا يدخل في شيء إلا أفسده، فلا يدخل في عبادة إلا أفسدها وأبطلها وأخرج الإخلاص منها وأدخل الرياء فيها، ولا يدخل في مال إلا أدخل فيه الحرام، ولا يدخل في علم إلا أدخل فيه الجهل، ولا يدخل في شيء إلا أفسده، كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: "فصاحب الهوى لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أشرب من هواه".
وأخيرًا: ينبغي أن نفهم ـ يا عباد الله ـ أنه لا يستقيم إيمان العبد حتى يكون هواه تبعًا لما جاء به النبي ، كما روي في الحديث: ((لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به)) رواه ابن أبي عاصم في السنة وابن بطة في الإبانة وضعفه الألباني في تخريج كتاب السنة. فهوى المؤمن متبع لشرع النبي ولما جاء به النبي ، لا يستقيم إيمان العبد حتى يكون هواه تبعًا لما جاء به النبي يكفينا ذلك.
ألا وصلوا وسلموا على خير الخلق محمد بن عبد الله، عليه من ربه أفضل الصلاة وأتم التسليم، إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن بقية أصحاب محمد أجمعين، وعن التابعين وتابع التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين...

التحذير من اتباع الهوى
قضايا في الاعتقاد*البدع والمحدثات******ملخص الخطبة
1- الغاية من الخلق. 2- أصل المخالفات. 3- حقيقة الإسلام. 4- خطورة اتباع الهوى. 5- اختلاف العقول. 6- الوحي حاكم على العقل. 7- صفات أهل الأهواء.الخطبة الأولى اما بعد: أيّها الناس، فاتَّقوا الله تعالى حقَّ التقوى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون [آل عمران:102]. التَّقوى على الإيمانِ عَلَم، وبه تثبُت على الصراطِ القدَم.
ثم اعلَموا ـ رحمكم الله ـ أنَّ أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هدي محمّد ، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثة بِدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالة في النار.
أمّا بعد: أيّها المسلمون، فإنَّ الله خلق الخلقَ لعبادته وحدَه والدخولِ تحت أمرِه ونهيِه، قال سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الجن:56]، وقال عزَّ من قائِل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُم لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21]. وما أُرسِلت الرّسُل وأنزِلت الكتب وقام سوقُ الجنّة والنار إلا لأجلِ هذه الحقيقةِ العظيمة، ولإخراج العبادِ مِن داعيةِ أهوائِهم إلى عبادةِ خالِقهم ومولاهم، بتوحيدِه واتِّباع أمره واجتنابِ نهيه في كلِّ تفاصيل الحياة، والرّجوع إلى شرعِه في كلِّ الأحوال، والانقياد إلى أحكامِه على كلِّ حال، وكتابُ الله وسنّة رسوله متوافِرةٌ على هذا المَقصد؛ ليكون الإنسانُ على ما يُرضِي ربَّه سبحانه وتعالى، فإن خالف هذا المقصدَ فهو المتوعَّد بالعذاب العاجل في الدنيا والآجلِ في الآخرة: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63].
أيّها المسلمون، إنَّ أصلَ المخالفات هو اتّباع الهوى والانقيادُ إلى الأغراض العاجِلة والشهوات الزائلة، وقد جعل الله اتّباعَ الهوى مُضادًّا للحقّ كما في قوله سبحانه: فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ [ص:26]، وقال عزّ وجلّ: فَأَمَّا مَن طَغَى وَآثَرَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الجَحِيمَ هِيَ المَأْوَى وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى [النازعات:37-41]، وقال عن نبيِّه : وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى [النجوم:3، 4]، فقد حصَر الأمرَ في شيئين: الوحي والهوى، فلا ثالثَ لهما.وقد عُلِم بالتَّجاربِ والعادات كما علِمَ بالنّصّ أنَّ المصالحَ الدينيّة والدنيويّةَ لا تحصُل مع الاسترسالِ في اتِّباع الهوَى والتمشِّي مع الأغراضِ بلا ضَابطٍ؛ لما يلزم في ذلك من الفوضَى والتهارُج والتقاتُل والهلاك.
أيّها المؤمنون، ولا يتِمّ الإسلام حقيقةً إلا بإسلامِ النّفس وقيادِها لبارِيها سبحانَه كما قال عزّ شأنه: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ [آل عمران:162، 163].
ذلك أنَّ حقيقةَ الإسلام هو الاستسلام لله والانقيادُ له بالطاعة، فإسلامُ القيادِ لربِّ العالمين والقبولُ والرّضا بحكمه وشرعِه في كلِّ نواحي الحياة فرضٌ لازمٌ، وهو مقتضَى الإسلام، ومَن عارض شرعَ الله برأيه فليس بمستَسلِمٍ لله؛ بل هو عبدٌ لهواه، وهو المقصود بقول الله تبارك وتعَالى: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ [الجاثية:23]، وقال سبحانه: فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ [القصص:50].وإذا كان الاستِسلام لله في كلِّ الأمور هو مقتضى الإسلام فإنّه أيضًا شرطُ الإيمان، قال سبحانه: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]، وفي الحديث أنَّ النبيَّ قال: ((لا يؤمِن أحدُكم حتى يكونَ هواه تبعًا لما جِئتُ به))(1)[1]، قال النوويّ: "حديث حسن صحيح، رُوِّيناه في كتابِ الحجّة بإسناد صحيح"(2)[2].
أيها المسلمون، ومع أنَّ الشريعة الإسلاميّة قد جاءت بمصالح الخَلق إلاَّ أنها لم توضَع على مقتضَى تشهِّي العبادِ وأغراضِهم، وَلَوِ اتَّبَعَ الحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ [المؤمنون:71]. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في دَرء تعارض العقل والنقل: "إنَّ الناسَ لا يفصِل بينهم النزاعَ إلاّ كتابٌ منزَّل من السماء، ولو رُدُّوا لعقولِهم فلكلِّ واحدٍ منهم عقل"(3)[3].
عبادَ الله، قد يضعُف إيمان مسلِمٍ فيغلِبه الشيطان على معصيةٍ لا يلبَث أن يتوبَ منها فيتوبُ الله عليه، أو يموت على غير توبَة فأمرهُ إلى الله، إن شاء عذَّبه وإن شاء غفَر له، وهذا شأنُ كثيرٍ من الخلق، وكلُّ ابن آدم خطّاء، وخير الخطَّائين التوّابون، إلا أنَّ الذي يلحَقُه الذّمّ وينطبِق عليه الوعيد هو من يكابِر ويجادِل عن معصيتِه وهواه، ويعارِض حكمَ الله وشرعَه بعقلِه ورأيه، وينصِب نفسَه لنقضِ عُرى الإسلام وحربِ كلِّ فضيلةٍ لا توافِق هواه والدّعوةِ لكلِّ ما تشتهي نفسُه وتهواه، مقتدِيًا بالفلاسِفَة القدماء في اتِّباع عقلِه فيما يحَسِّنه ويقبّحه، حتى يتيهَ في بيداءِ الهوَى وظلمةِ الضلال كالكوز مجَخِّيًا، لا يعرِف معروفًا ولا ينكِر مُنكرًا إلاَّ ما أُشرب من هواه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "واتِّباعُ الأهواء في الدِّيانات أعظمُ من اتِّباع الأهواء في الشّهوات، فإنَّ الأوّلَ حالُ الذين كفروا من أهلِ الكتاب والمشركين"(4)[4]، وهؤلاء هم مَن عناهم النبيُّ في حديث أبي حذيفةَ رضي الله عنه المخرّج في الصحيحين: ((دُعاةٌ على أبواب جهنّم، من أجابهم إليها قذَفوه فيها))، قلت: يا رسول الله، صِفهم لنا، قال: ((هم من جِلدَتِنا ويتكلَّمون بألسنتنا))(5)[5]، وفي سنَن أبي داود بسندٍ حسن أنَّ النبيَّ قال: ((وإنّه سيخرج في أمَّتي أقوامٌ تجارى بهم تلك الأهواءُ كما يتجَارَى الكَلَبُ بصاحبه، لا يبقَى منه عِرق ولا مِفصلٌ إلاَّ دخَله))(6)[6]، قال الشّاطبيّ: "وحاصِل ما عَوَّلوا عليه تحكِيم العقولِ المجرَّدة، فشرَّكوها مع الشرعِ في التّحسين والتقبيح، ولو وقفوا هنالِك لكانت الداهيةُ على عظمها أيسَرَ، ولكنّهم تجاوزوا هذه الحدودَ كلَّها إلى أن نصَبوا المحارَبَة لله ورسولِه باعتِراضِهم على كتاب الله وسنّة رسوله "(7)[7].
أيّها المسلمون، إنّه لا اجتهادَ مع النص، ولا قولَ لأحدٍ مع قول الله عزّ وجلّ وقول رسوله ، وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36]، بل إنَّ كراهةَ شرعِ الله وابتغاءَ ما سِواه محبِطٌ للعمَل كما في سورةِ محمّد : ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد:9]. قال ابن رجَب: "المعاصي تقَع من تقديم الهوَى على محبّة الله ورسولِه، والبِدَع تقع من تقديم الهوَى على الشّرع ـ وهو أخطَر ـ؛ لِذا سمِّيَ أهلُ البدع أهلَ الأهواء"(Cool[8]، وإذا اعتادَت النّفسُ الرّضاع من الهوى فإنَّ فِطامها عسير.
عبادَ الله، لقد جَعل الله للعقولِ في إدراكها حدًّا تنتهي إليه، ولا يمكِن أن تحيطَ بكلّ شيء، فالإحاطة للباري وحدَه الذي يعلم الأشياءَ على التّمام والكمال والمآل، أما العِباد فإدراكهم قاصِر، ولا يتَّفقون في النّظريَات عادةً، لذلك تراهم يَرتضونَ اليومَ مَذهبًا ويرجعون عنه غدًا، ثم يصيرون بعد غدٍ إلى رأيٍ ثالث، ولو كانَ ما يقضِي به العقل كلُّه حقًّا لكفى في إصلاحِ مَعاش الخلقِ ومَعادهم ولم يكُن لبِعثةِ الرّسل عليهم السلام فائدة ولَكانت الرسالةُ على هذا الأصلِ تُعدّ عبثًا لا معنى له، وهذا كلُّه باطِل.إنَّ الواجب على المسلم الحذَرُ من هذا المزلقِ الخطير، وهو ردُّ شيءٍ من شريعةِ الله أو كراهتها أو تقديمُ الهوَى والعقلِ على الوحي، ولقد اتَّفق أهل السنة على أنَّ من فعل عددًا منَ الكبائر دون الشّرك فإنّه لا يكفر، ومَن استحلَّها كفَر وإن لم يفعَلها إذا عُلِمت من الدّين بالضرورة.ومَن أراد النّجاةَ في الدّنيا والآخرة فليَلزَم قولَ الحقِّ سبحانه: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:153].بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة، ونفعنا بما فيهما من الآياتِ والحِكمة، أقول قولي هذا، وأستغفِر الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين والمسلِمات من كلّ ذنب، فاستغفروه إنه هو أهلُ التّقوى وأهل المغفِرة.الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيِّبا مباركًا فيه كما يحبّ ربُّنا ويرضى، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله.
أمّا بعد: أيها المؤمنون، العقل محمودٌ في الإنسان، ولولاه لما اختُصَّ بالتكليف دون سائرِ الحيوان. وقَد خاطب الله العقلَ في آياتٍ كثيرة من كتابِه، وأمر بالتفكُّر والتعقّل؛ بل علَّل له كما في قوله: لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، إلاَّ أنَّ الخالقَ سبحانه كما خلَق العقلَ في الإنسان فقد فاوَتَ بين الناس، وركَّب في طبائعهم الهوَى والشّهوة، وجعل الوحيَ حاكِمًا على كلِّ ذلك ابتلاءً منه سبحانه، فمن أخضَعَ ذلك لله وحدَه فهو المسلِم المستسلِم له المنقادُ لطاعته والمستحِقّ لجنَّته، ومن تمرَّد بعقلِه وأعجِبَ برأيه فهو المتوعَّد بالعِقاب.
وقد ذكَر العلماءُ رحمهم الله أوصافًا لأهل الأهواء والمقدِّمي عقولَهم القاصِرة على الشريعة الكاملة، وهي أوصافٌ انطبقت ولا زالَت تنطبق منذ القرونِ الأولى، فمنها اتِّباع المتشابِه كما قال سبحانه: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ [آل عمران:7]، ومنها ذمُّ المتقدِّمين ممّن اشتهر علمُهم وصلاحهم واقتِداء الخلَف بهم خاصّة من الصّحابة، ويخصّ بالمَدحِ مَن يوافق هواه كالفَلاسِفَة وأهل الكلام، ومنها عَدَم تعظيم النصوصِ الشرعيّة والتهاون والتهوينُ في مخالفتها، بل يصِل الحالُ ببعضِهم إلى الاستخفافِ بها والتندُّرِ بمن تمسَّك بها وجعلِه تحت مجهَر النّقد والتثريب وإسقاطه عندَ العامّة، ومنها عدَمُ ظهورِ السنّة في عباداتهم وسلوكِهم وهيئاتهم، ومع هذا فإنَّ أحدَهم يجعل نفسَه مقارنًا لكبار علماء السنة، فهو كمن قال الله فيه: وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَذَابَ الحَرِيقِ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ [الحج:8-10].اللّهمّ يا مقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلوبَنا على دينك، واهدِ اللّهمّ ضالّ المسلمين.ثم اعلموا ـ رحمكم الله ـ أنَّ من أفضل أيّامكم يومَ الجمعة، فأكثروا من الصلاةِ والسلام على خير البريّة وأزكى البشرية محمّد بن عبد اللهِ الهاشميّ القرشيّ، فإنَّ صلاتَكم معروضة، ومن صلّى عليه صلاة واحدةً صلّى الله عليه بها عشرًا.اللّهمّ صلّ وسلّم وبارك على عبدك ورسولِك محمّد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين...(1) أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (15)، والخطيب في تاريخه (4/369)، والبغوي في شرح السنة (104)، وصححه النووي في الأربعين، قال ابن رجب: "تصحيح هذا الحديث بعيد جدًا"، ثم ذكر من أوجه ضعفه تفردَ نعيم بن حماد به وهو ضعيف والاختلافَ عليه فيه والانقطاعَ في سنده، وضعفه الألباني في ظلال الجنة (15).
(2) الأربعون النووية: الحديث الحادي والأربعون.(3) درء التعارض (1/133).
(4) مجموع الفتاوى (28/132).(5) صحيح البخاري: كتاب الفتن (7084)، صحيح مسلم: كتاب الإمارة (1847).(6) سنن أبي داود: كتاب السنة (4597) عن معاوية رضي الله عنه، وأخرجه أيضا أحمد (4/102)، وابن أبي عاصم في السنة (1، 2)، والطبراني في الكبير (19/376، 377)، واللالكائي في اعتقاد أهل السنة (150)، وصححه الحاكم (443)، وهو في صحيح سنن أبي داود (3843).(7) الاعتصام (1/483).
(Cool جامع العلوم والحكم (ص389-390)
بتصرف اتباع الهوى
الرقاق والأخلاق والآداب**أمراض القلوب, الفتن***ملخص الخطبة
1- لماذا جعل الله متبع الهوى بمنزلة عابد الوثن؟ 2- أثر اتباع الهوى على الأمة الإسلامية. 3- لماذا حذرنا الله من اتباع الهوى؟ 4- أساليب ترويض الهوى: الخوف من الله، مجاهدة النفس، التفكر في العواقب، قِصر الأمل، ذكر الموت، معرفة قدر الآخرة وقدر الدنيا.الخطبة الأولى اما بعد: أيّها الناس، فاتَّقوا الله تعالى حقَّ التقوى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون [آل عمران:102]. التَّقوى على الإيمانِ عَلَم، وبه تثبُت على الصراطِ القدَم.ثم اعلَموا ـ رحمكم الله ـ أنَّ أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هدي محمّد ، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثة بِدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالة في النار.أخي الحبيب، حديثي إليك عن أخطر أوثان العصر، بل وكل عصر، إلا أنه في عصرنا ظهر في أمتنا ظهورًا لم يسبق له مثيل، فأعلامه مرفوعة، وشاراته منشورة، وعلاماته بارزة، وعُبّاده وفرة، وكهانه كثرة، إنه الهوى، وما أدراك ما الهوى، كم فيه من هائمين، وكم عليه من عاكفين.
قال تعالى: أَرَءيْتَ مَنِ اتَّخَذَ الههُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً [الفرقان:43]، وقال: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ الههُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ [الجاثية:23].
أرأيت؟! فإن حاله عجيب، يستحق العجب والتعجب، إنه لا يهوى شيئًا إلا ركبه، ولا يتمنى شيئا إلا فعله، فلا يحرم ما حرم الله سبحانه، ولا يحلّ ما أحلّ، بل واقف مع شهواته ولذاته ولو كان فيها سخط ربه سبحانه وغضبه، فهو لا يبالي إذا فاز بشهوته رضي ربه سبحانه أم سخط، إن أحبّ أحب لهواه، وإن أبغض أبغض لهواه، وإن أعطى أعطى لهواه، وإن منع منع لهواه، فهواه آثر عنده وأحبُّ إليه من رضا مولاه؛ ولذا جعل الله متبع هواه في مخالفته بمنزلة عابد وثن، وسمى ذلك الهوى المتَّبع إلهًا.والناظر بعين البصيرة إلى واقع المسلمين يرى أن هذا الداء قد استشرى في واقعهم، يتعذبون به، ويتلوعون بمراراته، ويكتوون بحرارته، ولا نزال في كل وقت نجني من ثماره المرة ونتائجه الخبيثة.
ففي محراب الهوى أضاع كثير من المسلمين ـ ولا سيما الشباب ـ الصلوات، وارتكبوا المنكرات، واتبعوا الشهوات، واقترفوا العظائم؛ خمور ومخدرات، تفحيط ومغامرات، سهر في الليل على الحرام، ودوران في سواقي الدنيا بالنهار، رقص ومجون ومعازف، وكرة وخلاعة، ذهول عن مصائب الأمة.
وَقِرَت آذانُهم فلم تعد تسمع صرخات المسلمين في فلسطين وفي الشيشان وفي أفغانستان الجريحة وفي كشمير وفي إندونيسيا في الفلبين وفي بورما، وغيرها كثير. سَكِرت قلوبهم بالهوى حتى غدت كالأكواز المُجَخِّيَة، لا تعرف معروفا ولا تنكر منكرًا إلا ما أُشْرِب من هواها.تهتز تحت أقدامهم المدرجات في ملاعب الكرة، فيرقص اليهود والنصارى طربًا على تلك الأمة التي تخادَع وتُلهى عن قضاياها، أو تراهم وقد هاموا في سماع أغنية ساقطة، أو ترى نساء ممن أسقطن الحجاب يهمهنّ من نظر إليهن، مَن أعجب بهنّ، وتنزلق وهي لا تدري أو تدري، قال فيهم : ((ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا)) رواه مسلم.هؤلاء لم يترك الهوى عيونهم ترى أبعَد من أنوفهم، وإلا لما كان هذا حالهم والأمة الإسلامية تئن من الآلام وتنزف من الجراح، قال النبي : ((ألا إن مَن قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين، اثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهي الجماعة، وإنه سيخرج من أمتي أقوام تجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب لصاحبه، لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله)) رواه أبو داود وصححه الألباني (3843).رأينا هذه الأهواء كيف تتجارى بأصحابها، فأملهم بعيد، وتسويفهم طويل، لا يعرفون للتوبة بابًا وللعودة طريقًا، ساهون غافلون، مشغولون بالدنيا وزخارفها، يبيع أحدهم دينه بعَرَض حقير منها، يهيَّأ له وكأنه سيعيش أبد الدهر، غفلوا عن الله وذكره وعبادته، وعن الموت وسكرته، وعن القبر وظلمته، وعن الحساب وشدته.
ساروا وراء ما تهوى النفوس وتشتهي من غير تحكيم العقل أو رجوع إلى شرع أو تقدير لعاقبة، فالمتبع لهواه يرى المعصية بعين الحُسن كما يرى اللّصّ لذة أخذ المال من المسروق، ولا يرى بعين فِكره القَطع.
وهذا الذي خشيه النبي علينا، عن أبي برزة عن النبي قال: ((إن مما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات الهوى)) رواه أحمد.
فتذكر ـ أخي بارك الله فيك ـ عندما تتجرأ على معصيته سبحانه على علم, وعندما تغلب الشهوة على الإرادة، ويطغي الهوى على التقوى، أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ الههُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ.
إنه يُخشىَ والله على من اتبع هواه أن يُسلب الإيمان وهو لا يشعر، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به)) قال النووي:" رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح".
قال ابن رجب: "هذا الحديث كقوله سبحانه وتعالى: فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [النساء:65]".
وتحت اتباع الهوى كل مكروه وسوء، كما قال تعالى: إِنَّ النَّفْسَ لأمَّارَةٌ بِالسُّوء إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبّى إِنَّ رَبّى غَفُورٌ رَّحِيمٌ [يوسف:53]، وهي تأمر صاحبها بما تهوى.قال ابن عباس: (ما ذَكر الله هوى في القرآن إلا ذمّه، قال الله تعالى: وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ [الأعراف:176]، وقال تعالى: وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [الكهف:28]، وقال تعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مّنَ اللَّهِ [القصص:50])، قال أبو عثمان النيسابوري: "من أَمَّر السُّنة على نفسه قولاً وفعلاً نطق بالحكمة، ومن أمَّر الهوى على نفسه قولاً وفعلاً نطق بالبدعة؛ لأن الله تعالى يقول في كلامه القديم: وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ [النور:54]".
وقال : ((ثلاث مهلكات))، فذكر منهن: ((هوى متبع)) أخرجه البزار والطبراني في الأوسط وهو في السلسلة الصحيحة (1802).
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول في خطبته: (أفلح منكم من حُفِظَ من الهوى) رواه البيهقي، وقال الشعبي: "إنما سمي الهوى لأنه يهوي بصاحبه".
ولذا فإن اتباع الهوى هو الذي جرَّع أمتنا غُصصَ الهوان، ونتساءل: كيف رضيت الأمة بالدَّنية في دينها؟!
سؤال يتردد في كل مكان وفي كل حين، نقرؤه في العيون الحائرة والقلوب الملهوفة، في العبرات، في الآهات، في الدماء والجراح، وفيما نراه منقوشا على صفحات الوجوه. والجواب: إنه اتباع الهوى وحبّ الدنيا.
لكي تهزم عقيدة فإنك تحتاج إلى عقيدة، ما هي عقيدتنا نحن؟! الأَثَرة الفردية، اتباع الشهوات، طلب الملذات، الحياة الرغيدة، كلها أهواء. يقول بعضهم عند مناصحته على معصية: أنا حرّ في تصرفاتي، نقول: لست حرًا في معصية الله، بل إذا عصيت ربك فقد خرجتَ من عبودية الله إلى عبودية الشيطان والهوى.
حتى إذا خاض الفتى لجج الهوى…جاءت أمور لا تطاق كِبار
كم أوقع الهوَى في رذائل، وكم فوّت من فضائل، وكم نكس من رأس، وكم ألزم من عار، بل كم زحزح عن الملّة وأخرج عن حياض الدين.
وهذا جميل بن معمر مجنون بثينة يقول لمن أمره بالجهاد:
يقولون جاهد يا جميل بغزوة…قلت: وأي جهاد غيرهن أريد
فلكل حديث بينهن بشاشة…وكل قتيل عندهن شهيد
حذرنا الله سبحانه من اتباع الهوى لأن اتباع الهوى مانع من اتباع الهدى: فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ [القصص:50]، ولأن اتباع الهوى يفسد العالم: وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاواتُ وَالاْرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِمْ مُّعْرِضُونَ [المؤمنون:71]، ولأن اتباع الهوى سبب كفر من سبقنا من الأمم، فهو سبب كفر اليهود: وَلَقَدْ ءاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَءاتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُم اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ [البقرة:87]، وهو سبب كفر النصارى: قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِى دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ [المائدة:77]، وهو أيضا سبب كفر المشركين: وَكَذَّبُواْ وَاتَّبَعُواْ أَهْوَاءهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ [القمر:3]، ولأن متبع الهوى يضلّ عن سبيل الله، قال عز وجل: وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُواْ يَوْمَ الْحِسَابِ [ص:26]، ولأن متبع الهوى يُزيَّنُ له سوء عمله: أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيّنَةٍ مّن رَّبّهِ كَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ وَاتَّبَعُواْ أَهْوَاءهُمْ [محمد:14]، لأن متبع الهوى ظالم: بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَهْوَاءهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِى مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مّن نَّاصِرِينَ [الروم:29]، ولأن متبع الهوى قلبُه قاسٍ أسود، قال رسول الله : ((وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا، كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا، لا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ)) رواه مسلم وأحمد، ولأن متبع هواه مَثَلُه في الذلة والهوان كمثل الكلب: وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَاكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذالِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِثَايَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [لأعراف:176]، ولأن اتباع الهوى يمنع الفهم النافع: وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ ءانِفًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُواْ أَهْوَاءهُمْ [محمد:16]، ولأن المتبع هواه عاجز، عن أبي يعلى شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي قال: ((الكيس من دان نفسه وعمل لما




الموضوع الأصلي : آفات الهوى // المصدر : منتديات أئمة الأوقاف المصرية // الكاتب: الشيخ عبد الستار الخضراوى






توقيع : الشيخ عبد الستار الخضراوى






الــرد الســـريـع
..



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 20 ( الأعضاء 3 والزوار 17)



    آفات الهوى Collapse_theadتعليمات المشاركة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة