أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـــات، بالضغط هنا.كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
جريدة الأهرام 8 يناير 2011 بقلم د علي جمعه مفتي الجمهورية
دعا الإسلام المسلمين إلي المشاركة والتعاون مع المجتمعات التي يعيشون فيها, حتي ولو كانت غير مسلمة, وألا يكونوا جماعات منغلقة علي نفسها لا تتصل ولا تتواصل مع غيرهم من أهل البلاد التي يعيشون فيها.
لئلا ينفر منهم الآخر ولا ينبذهم, قال تعاليلا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين)(الممتحنة:, قال الكواشي:إنها نزلت رخصة في صلة الذين لم يعادوا المؤمنين ولم يقاتلوهم. وقال القشيري: من كان فيهم حسن خلق, أو للمسلمين منهم رفق, أمروا بالملاينة معهم, ومنه قول رسول الله صلي الله عليه وسلم لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حين ردت علي اليهود قولهم'السام عليكم'فقال:'مهلا يا عائشة, إن الله يحب الرفق في الأمر كله'(البخاري2242/5, والبحر المديد303/6). وقد حكي الدارقطني أن عبدون وزير المعتضد وكان نصرانيا دخل علي القاضي إسماعيل فقام له ورحب به, فرأي إنكار من عنده فقال:علمت إنكاركم وذكر آية الممتحنة وهذا رجل يقضي حوائج المسلمين, وهو سفير بيننا وبين المعتضد, وهذا من البر, فسكت الجماعة عند ذلك.(تاريخ بغداد289/6) وهذا النموذج الذي وضعه الإسلام للتعايش السلمي مع الآخر, قد طبقه المسلمون الأوائل حين هاجروا إلي الحبشة هربا من اضطهاد مشركي مكة, فاندمجوا في المجتمع وتعاملوا مع الأحباش, وتاجروا معهم, وأخذوا وأعطوا, بل لقد دعوا الله تعالي للنجاشي بالظهور علي عدوه والتمكين له في بلاده, وفرحوا بنصرته,وتذكر بعض الروايات أن المسلمين قد تعاونوا مع النجاشي في حربه مع عدوه, ولعلهم رأوا في ذلك نصرة للحق وردا للمعروف, فقد روي أن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه قاتل بالحبشة مع العدو الذي كان قصد النجاشي, وإنما فعل ذلك; لأنه لما كان مع المسلمين يومئذ آمنا عند النجاشي فكان يخاف علي نفسه وعلي المسلمين من غيره, فعرفنا أنه لا بأس بذلك عند الخوف. كما روي أن الزبير بن العوام رضي الله عنه قاتل مع النجاشي عدوا له, فأعطاه العنزة التي صارت إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم.(أنساب الأشراف:86/1). وفي قتال المسلمين مع غير المسلمين ضد غيرهم من المشركين قرر قدامي الفقهاء أنه:'إذا كان قوم من المسلمين مستأمنين في دار الحرب فأغار علي تلك الدار قوم من أهل الحرب لم يحل لهؤلاء المسلمين أن يقاتلوهم; لأن في القتال تعريض النفس فلا يحل ذلك إلا علي وجه إعلاء كلمة الله عز وجل وإعزاز الدين, وذلك لا يوجد هنا لأن أحكام أهل الشرك غالبة فيهم فلا يستطيع المسلمون أن يحكموا بأحكام أهل الإسلام, فكان قتالهم في الصورة لإعلاء كلمة الشرك, وذلك لا يحل إلا أن يخافوا علي أنفسهم من أولئك,فحينئذ لا بأس بأن يقاتلوهم للدفع عن أنفسهم لا لإعلاء كلمة الشرك'(المبسوط للسرخسي97/10). وقال الإمام الشافعي:'قد قيل يقاتلهم قد قاتلهم الزبير وأصحاب له ببلاد الحبشة مشركين عن مشركين, ولو قال قائل يمتنع عن قتالهم لمعان منها:أن واجبا علي من ظهر من المسلمين علي المشركين فغنم فالخمس لأهل الخمس وهم متفرقون في البلدان, وهذا لا يجد السبيل إلي أن يكون الخمس مما غنم لأهل الخمس ليؤديه إلي الإمام فيفرقه,وواجب عليهم إن قاتلوا أهل الكتاب فأعطوا الجزية أن يحقنوا دماءهم, وهذا إن أعطوا الجزية لم يقدر علي أن يمنعهم حتي يحقنوا دماءهم كان مذهبا, وإن لم يستكرهوهم علي قتالهم كان أحب إلي ألا يقاتلوا, ولا نعلم خبر الزبير رضي الله عنه يثبت ولو ثبت كان النجاشي مسلما كان آمن برسول الله وصلي عليه النبي صلي الله عليه وسلم.'(الأم242/4). وقال الإمام أحمد:'النجاشي كان مسلما كما قال الشافعي: وحديث أم سلمة في قصة الزبير حديث حسن, وكان ذلك قبل نزول هذه الأحكام في الغنيمة والخمس والجزية التي لأجلها استحب الشافعي ألا يقاتلوا إن لم يستكرهوهم علي قتالهم'(معرفة السنن والآثار98/7). ويتضح من هذه المسألة أن الواقع الزمني والحال الاجتماعي الذي صيغت فيه المؤلفات والآراء الفقهية الكبري كان له تأثير في توجيه أو تغليب نموذج من نماذج التعايش في هدي النبي صلي الله عليه وسلم علي نموذج آخر, فإن الدولة والحضارة الإسلامية في زمانها الأول كانت في أوج ازدهارها وقوتها, ولقد انشغل الفقهاء المجتهدون حينئذ بالفقه الزمني والذي كان واجب وقتهم ولا غضاضة عليهم في ذلك, ولكل وقت واجبه المنوط بأهل العلم والدراية, شريطة ألا يخرجوا عن الإطار الذي حددته السيرة العطرة بأقوالها وأفعالها وتقريراتها. إن نموذج الحبشة وهو أن يكون المسلمون أقلية تعيش في مناخ من الأمن والعدل والحرية في ظل دولة غير إسلامية- فهذا النموذج أو هذه الحالة قد تبدو في القرن الثاني أو الثالث الهجري مجرد فرض مستبعد قيامه,وعليه فإن الفقهاء لم يستجيزوا التعامل معه أو تصوره; كي لا يكون تأصيل أحكام لمثل هذا النموذج فيه ذريعة للضعف, ولكن الزمان قد استدار والواقع قد تغير وربما تحتاج الأمة إلي أن تعود لهذا النموذج مرة أخري,فيتمسكوا بالسيرة العطرة لرسول الله صلي الله عليه وسلم ويطبقوها في واقعهم الذي يعيشونه, ليهتدوا به في تعاملهم مع الأمم التي يعيشون فيها, غير مفرطين في ثوابت الدين وأصوله.