الإسلام ...... والآخر الديني مقال للدكتور محمد عماره
د. محمد عمارة | 25-01-2011 00:49
المصريون
لقد تفرد الإسلام بالاعتراف بكل ألوان الآخر الديني.. الحضاري.. والثقافي.. فالمؤمنون به لا يفرقون بين أحد من أنبياء الله ورسله.. وقرآنه الكريم مصدق لما بين يديه من كتاب، مع الاستيعاب لما سبق والتصحيح لما حُرف.. { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنْ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} (المائدة 48).
فهو لا يقف عند مجرد الاعتراف بالآخر، وإنما يعتبر الاختلاف والتنوع والتعددية السنة الإلهية الأزلية الأبدية، التي بدونها لن يكون هناك تنافس وتسابق على طريق الخيرات.
ولقد وضعت هذه العقيدة الإسلامية فى الممارسة والتطبيق فى علاقات الإسلام والمسلمين بالآخرين، حتى الذين لا يعترفون بالإسلام! ـ منذ اللحظات الأولى لاتصال الإسلام وأمته ودولته بهؤلاء الآخرين.. وعلى مر التاريخ الإسلامي الطويل..
ففي أول لقاء بين الدولة الإسلامية ـ دولة النبوة ـ وبين يهود المدينة المنورة.. أدخل الإسلام هؤلاء اليهود ضمن رعية الدولة ـ ونص دستورها على أن "يهود والمؤمنين أمة.. لليهود دينهم وللمسلمين دينهم.. وأن بينهم الأسوة والنصر والبر المحض".
وفى أول لقاء بين السياسة الخارجية الإسلامية وبين نصارى مصر سنة 7 هـ سنة 628م، عندما حمل حاطب بن أبى بلتعة ( 35 ق . هـ – 86 هـ- 650م) أرسلنه رسول الله ـ صلى الله علية وسلم ـ إلى "المقوقس" عظيم القبط فى مصر ـ تم الإعلان عن هذه العقيدة الإسلامية فجاء فى حوار "حاطب" مع " المقوقس" قول الأول للثاني:
"إن لك دينًا لن تدعه إلا لما هو خير منه: الإسلام الكافي به الله فقد ما سواه ونحن لا ننهاك عن دين المسيح، وإنما نأمرك به"!!
وعندما جاء نصارى نجران ـ من اليمن ـ إلى مدينة رسول الله ـ صلى الله علية وسلم ـ فى عام الوفود سنة 10هـ سنة 631م.. أعلن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ونص فى الوثيقة الدستورية التي كتبها لهم على "حماية" الدولة الإسلامية ـ وليس مجرد "السماح" بعقائد الآخرين ومقدساتهم ـ .. فجاء فى عهد الرسول لنصارى نجران ـ ولكل من يدين بالنصرانية عبر الزمان والمكان ـ : "...وأن أحمى جانبهم وأذبّ عنهم، وعن كنائسهم وبيعهم وبيوت صلواتهم، ومواضع الرهبان، ومواطن السياح، حيث كانوا .. وأن أحرس ملتهم ودينهم، أين كانوا.. بما أحفظ به نفسي وخاصتي وأهل الإسلام من ملتي".
ولقد ظلت هذه العقيدة الإسلامية قائمة ومرعية طوال تاريخ الإسلام فى علاقاته بالآخرين.. الاعتراف حتى بمن لا يعترفون به.. بل والحماية لحريتهم فى الاعتقاد، ولمقدساتهم التي يقدسون.. ولقد كانت مدينة القدس الشريف نموذجًا إسلاميًا لهذا الاعتقاد وهذه العلاقات.. فعندما فتحها المسلمون سنة 15 هـ سنة 636م كان الرومان قد احتكروها لأكثر من عشرة قرون ـ سواء فى عهد وثنيتهم أو فى عهد نصرانيتهم.. فجاءت السلطة الإسلامية لتشيع قداسة القدس بين كل أصحاب المقدسات.. ففتحت أبوابها أمام اليهود، الذين كانوا مطرودين منها، ومحرومين من سكناها.. وفتحت أبواب مقدساتها النصرانية أمام المذاهب النصرانية المتحاربة.. حتى كانت السلطة الإسلامية هي الضمان لمصلحة جميع أنواع وألوان الآخر الديني.. وخرجت القدس ـ تحث هذه السلطة الإسلامية ـ من "الاحتكار" ـ الذين مارسه الرومان.. والذي عاد ومارسه الصليبيون.. والذي تمارسه الصهيونية الآن!! فهل يعي الآخرون هذه الحقيقة من حقائق دين الإسلام .. وسياسات الدولة الإسلامية ؟!.