خطورة الخطاب الديني الطائفي في الفضائيات الجمهورية
لقد كان السبيل وإلي عهد قريب لمعرفة تعاليم الدين والوقوف علي الرأي الديني فيما يستجد من قضايا يقتصر في كل بلد إسلامي علي العود إلي دار الإفتاء في ذلك البلد. أو إمام المسجد القريب في القرية أو المدينة. لكن في هذا العصر والظروف التي خلقتها الثورة المعلوماتية وما أفرزته من تحولات تقنية هائلة وعلي رأسها تقنيات الاتصال الحديثة هذا من جهة. ومن جهة ثانية ظهور هذا الكم الهائل من القنوات التليفزيونية الدينية التي راج سوقها. وتهافت الناس عليها تهافت الفراش علي النار. لما وجدوه لذي بعض المفتين من تزمت وتحريم لكل ما يجد في الحياة من متغيرات علمية. اقتصادية. طبية ونحوها أو ما لمسوه لدي البعض الآخر من إهدار للثوابت الدين وقواعده فراحوا يطلقون الفتاوي علي عواهنها بدعوي الانفتاح علي كنوز الحداثة وفتوحاتها والتيسير علي الناس. دون الارتكاز علي الضوابط الشرعية والاستئناس بقواعدها الأصلية. لذا وجب التصدي لهذه الظاهرة. بعدة أشياء من أهمها:
1 تدريب العلماء والدعاة المتخصصين علي تجديد خطابهم وترشيده وتعليمهم أصول الفتوي وما تقتضيه لجذب هؤلاء الشباب الذين انجرفوا خلف الأصوات العالية المتشددة.
ولقد أحسنت دار الإفتاء المصرية عندما شرعت في تدريب عدد من الأئمة علي ذلك لكن لاتزال الهوة سحيقة والجهد المبذول ليس كافيا مقارنة بما هو حاصل علي الجانب الآخر.
كما قامت وزارة الأوقاف بتبني مشروع تجديد الخطاب الديني ووضعت لذلك عددا من البرامج والآليات وأنشأت الدورات التدريبية المختلفة. لكن لانزال نطمع في أن يتواكب التعليم بصفة عامة والديني بصفة خاصة مع مقتضيات العصر ويتبني صناعة العالم الذي يرتبط بالأصل ويراعي ظروف العصر.
2 إنشاء قناة دينية واجتماعية بإشراف المؤسسة الدينية "الأزهر الأوقاف دار الإفتاء" لعرض الإسلام ناصعا مشرقا كما هو دون تحريف لنجابه الفكر بالفكر والاستفادة من القنوات الوسطية الموجودة بالفعل والتي جذبت الكثير من المشاهدين لانها تخاطب العقل من ناحية والفطرة من ناحية أخري. كما يمكن الاستفادة من الإمكانات المتاحة وهي عظيمة جدا. والقنوات الموجودة حاليا والتابعة لوزارة الإعلام وما أكثرها كافية لو أحسن استخدامها وكل ما هو مطلوب زيادة المساحة المخصصة للبرامج الدينية بهذه القنوات خاصة التي لها نسبة مشاهدة كبري والاستعانة بالإعلاميين الكبار ممن يتمتعون بالجماهيرية وكذا الدعاة المرموقين. مع مراعاة عامل القبول الكريزما عند اختيار هؤلاء الدعوة دون التركيز فقط علي التخصص.
3 تبني فكرة الدراما لنشر الإسلام المعتدل الوسطي بقيمه النبيلة التي تراعي حقوق الإنسان كإنسان بغض النظر عن جنسه أو لونه أو عقيدته وتكثيف ذلك. وليس فقط الدراما الدينية التاريخية.
4 تبني فكرة صناعة النجوم كما فعل الآخرون بمواصفات أكثر دقة ليسهم هؤلاء في تعميق المفهوم الصحيح للتدين الذي يعني بالآتي:
* تصحيح المفاهيم.
* شحذ ما ضعف من همم المسلمين بسبب اليأس الذي أصابهم جراء الاستبداد والتخلف والتمزق وتقوية ما خار من عزائمهم.
* ربط الدين بواقع الأمة والإسهام في إيجاد الحلول لما تعانيه من مشكلات يومية.
* بيان ان الايمان لابد أن يصحبه عمل صالح علي الأرض لمصلحة الأمة ومواجهة التحديات بالعقل المبدع المستنير بالوحي المنضبط بالمصلحة المستفيد من تجارب الأمم المتحضرة.
* اعادة تشكيل وعي المسلم وفهمه وتصوراته ورؤاه وفق عقيدة الإسلام الصحيحة تمهيدا لاعادة بعث النموذج الإسلامي المفقود وفق مقتضيات الحاضر ومتطلبات الأمة.
* استيعاب سنن التطور والتغير دون التقوقع علي مرحلة تاريخية باعتبارها النموذج الأفضل حضاريا أو الانزواء عن هموم العصر والانشغال بقضايا لا تقدم ولا تؤخر.
* بناء وعي إسلامي حضاري قوامه العقل والوحي.
* تعليم الناس جوهر الدين وحقيقته بعد أن حادوا عنه واختلت لديهم الموازين فجعلوا الفرض نافلة والنافلة واجبا والدين صورا وأشكالا لا صلة لها بالحضارة حتي ظن الناس ان أساس التدين الانسحاب من الحياة أو الهروب إلي أنماط من السلوك تعد تاريخية من وجهة النظر الشرعية.
* بيان ان المسلم لا يمكن أن يكون عابدا لله وهو مفرط في واجبات أمته ومستهينا بمسئولياته.
* يجددون الإسلام وفق منهج الاجتهاد الذي لا يجيز إلغاء النص ولا فرق الاجماع ولا مخالفة قياس جلي ولا يخلط بين الشريعة التي يجب التقيد بها جملة وتفصيلا وبين الفقه الذي يمكن الاسترشاد به وفق ضوابط محددة. ولا بين تعاليم الدين التي هي وحي وبين كسب العقل البشري الذي هو جهد واجتهاد.
وبالله التوفيق