المحن والمنح للدكتور سعد الدين هلالي
جريدة الجمهورية الثلاثاء 8 فبراير 2011م
قرآن وسنة
المحن والمنح
سعد الدين هلالي
جرت سنة الله تعالي في أرضه أن يجعل من المحن منحا. ومن النقم نعما حتي لا ييأس الإنسان بل يعيش علي الأمل والفأل دائماً. فيتمكن من أداء رسالته الإعمارية بالعطاء والبناء. ويتحقق مراد الله من خلقه في قوله سبحانه: "هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها" هود "61".
وقد ترجم الفقهاء المسلمون العلاقة بين المحن وبين المنح في القاعدة الفقهية الشهيرة: "إذا ضاق الأمر اتسع وإذا اتسع ضاق" واستدلوا عليها بأدلة كثيرة من أظهرها قول الله تعالي: "فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا" الشرح "5 و6".
يقول ابن كثير: هذا إخبار من الله تعالي إن مع العسر يوجد اليسر ثم أكد هذا الخبر.
وكان من أسباب نزول هاتين الآيتين ما روي عن أنس بن مالك ان النبي صلي الله عليه وسلم كان جالسا وحياله حجر. فقال: "لو جاء العسر فدخل هذا الحجر لجاء اليسر حتي يدخل عليه فيخرجه". وقد أخرج بن جرير الطبري عن الحسن انه لما نزلت هاتين الآيتين من سورة الشرح خرج رسول الله صلي الله عليه وسلم مسرورا فرحا وهو يضحك ويقول: "لن يغلب عسر يسرين. لن يغلب عسر يسرين. فإن مع العسر يسرا ان مع العسر يسرا".
ويبين ابن كثير معني هذا بأن العسر جاء معرفا في الحالين فهو مفرد. أي ان العسر الأول هو نفسه العسر الثاني. أما اليسر فقد جاء بصفة التنكير. فكان اليسر الأول بخلاف اليسر الثاني. فتعدد اليسر بحالين. وانفرد العسر بحال واحدة. ولهذا قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "لن يغلب عسر يسرين".
ومن هنا يرقب المسلم اليسر في شدة العسر. وينتظر الفرج في شدة الضيق. ويتلقي المنح في شدة المحن. ولا يعرف طريق اليأس لأنه يؤمن بقول الله تعالي: "انه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون" يوسف "87".
ومن عجيب فضل الله عز وجل أن خلق اليسر مع العسر ليطمئن المؤمن ويوقن بالرحمة في ظل عذاب الدنيا قال تعالي: "ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا ان رحمة الله قريب من المحسنين" الأعراف "56".
ولا يظن ظان ان اليسر يخلق بعد العسر لظاهر قوله تعالي: "فيجعل الله بعد عسر يسر" الطلاق "7".
لان هذه الآية جاءت لبيان ترتيب التعلق بجعل اليسر بعد العسر. أما الخلق فكلاهما أي العسر واليسر بأمر إلهي واحد كما قال تعالي: "فإن مع العسر يسرا ان مع العسر يسرا" الشرح "5 و6".. فليطمئن قلب كل مؤمن بأنه لن يغلب عسر واحد يسرين. وان العسر لا يخلق وحده وإنما يخلق اليسر معه وإن تأخر في الظهور لحكمة قد يعلمها الراسخون في العلم. بتوفيق من الله تعالي.