أسباب النصر للدكتور سعد الدين هلالي الجمهورية الموافق 12 فباير 2011 م
قرآن وسنة
أسباب النصر
د. سعد الدين هلالي
dr.saadhelaly@hotmail.com
للنصر أسباب مادية وأخري معنوية. ومن أهم الأسباب المادية: التعاون. وهو الاجتماع علي هدف واحد حتي ولو كانت إمكانات المتعاونين متفاوتة أو كانت قدرة كل واحد من المتعاونين ضعيفة في ذاتها» لأن التعاون يجعل من التفاوت وحدة واحدة ومن الضعف قوة ضارية.
يحكي في الأدبيات العربية أن شيخاً كبيراً أراد أن يوصي أولاده وبنيه بأغلي ما عنده من وصايا فطلب إليهم أن يجتمعوا عنده ذات يوم وفي يد كل واحد منهم عود من حطب فلما اكتمل عددهم أمرهم أن يضعوا الحطب في حزمة واحدة ثم أمر كل واحد منهم أن يظهر قوته وشجاعته بأخذ تلك الحزمة ليكسرها. فلما عجزوا وحدانا أمرهم أن يفكوا تلك الحزمة وأن يسترد كل واحد منهم عوده الذي وضعه ففعلوا ثم اصدر أمره إليهم أن يكسر كل واحد ما معه من عود فكسره بسهولة فقال قولته الشهيرة:
كونوا جميعاً يا بني إذا اعتري
خطب ولا تتفرقوا آحاداً
تأبي العصي إذا اجتمعت تهشماً
وإذا افترقت تكسرت أعوداً
وقد ترجم البعض هذا الدرس في عبارة مختصرة يحفظها كثير من الناس وهي أن: "الكثرة تغلب الشجاعة".
وقد كان درس هذا العربي الأصيل وما تبعه من بيان هو ما فهمه الشباب المصريون وترجموه إلي عمل في الخامس والعشرين من يناير الماضي. عندما خرجوا إلي ميدان التحرير يعلنون غضبهم واحتجاجهم علي الفساد والظلم المستقوي بالسلطة وهم عزل يرفعون شعار: "سلمية سلمية" ولكنهم كانوا متعاونين بشعار: "يد واحدة" لا يفرقون في جمعهم الكريم بين مسلم ومسيحي وغيرهما. ولا بين عالم ومثقف وغيرهما. ولا بين كهل وشيخ وغيرهما. ولا بين ذكر وأنثي وطفل. الكل يد واحدة بأصابع متفاوتة. من يداوي الجراح ومن يحمل القمامة. ومن يؤمن الطريق. ومن يصد المعتدين. ومن يهتف بالمطالب ومن يخطب لتقوية العزائم. ومن يصلي ويدعو الله تعالي بالفرج.
لم يتوقع كثير من الناس أن هؤلاء المسالمين الضعفاء سينتصرون ويحققون إرادتهم في مواجهة السلطة ذات القوة والسلاح إلا أن نصيحة العربي القديم بالتعاون كانت حقاً وعن تجربة فاستمسكوا بها حتي حقق الله لهم ما أرادوا واحتفلوا بالنصر مساء الجمعة العاشر من فبراير الجاري وفرح معهم كثير ممن لم يلحقوا بهم ولكنهم فهموا الدرس مؤخراً وأدركوا قول الله تعالي: "قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك علي كل شيء قدير" آل عمران .26
إن التعاون سلاح النصر المحسوس الذي لا يقهر. وهو من سنن الله في الأرض يكون لمن اتخذه دون النظر إلي عقيدته ورسالته. فإذا اتخذه الظلمة انتصروا به. وإذا اتخذه المظلومون انتصروا به» لأنه سلاح في ذاته وليس عقيدة أو رسالة. ومن هنا جاء الإسلام آمراً بالتعاون في حال وناهياً عنه في حال أخري فقال سبحانه: "وتعاونوا علي البر والتقوي ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان" المائدة 2» لأن الذين يتعاونون علي البر والتقوي قد استخدموا السلاح في رسالة الحق والخير. وأما الذين يتعاونون علي الإثم والعدوان فهم الذين يستخدمون السلاح في رسالة الفساد والشر ما أجمل التعاون لبناء الحضارة والحرية. وما أقبحه في الظلم والإرهاب.