المبادئ الأخلاقية فى
الزكاة
الزكاة تتحقق بها فضيلة الرحمة بين أفراد المجتمع ، فيحصل بها التماسك بين أبنائه ، كما تعين على نزع الغل ، والحقد ، من صدور الفقراء ، وهكذا يستتبع قلة فى وقوع الجرائم ، التى تقلق المجتمع (1) .
فالزكاة فى الشرائع لها هدف وهو تحقيق السند الحقيقى ، بجوار السند المعنوى ، فالأمور التعبدية كالصلاة والصوم يكملها السند المالى الحقيقى لما فيها من سند معنوى ، فإذا وقف الإنسان بجوار أخيه فى الصلاة وتلفظ معه بالخير ثم سانده بالمال تحققت بذلك الحياة المرجوة ، من عمارة الأرض التى أخبرنا عنها ربنا عز وجل فى قوله " الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ " (2) .
لأن أديان السماء المتعاقبة تهدف إلى تحقيق أمرين :
(1) هدم الشرك واستئصال دواعيه .
(2) انتفاع المؤمنين بجنى ثمرات هذا الإيمان (3).
وإن كان هدف الصلاة والصيام والحج إقامة العدالة والمساواة بين الناس ، فان من أبرز أهداف الزكاة العمل على توزيع الثروات على الفقراء . فالزكاة وسيلة من وسائل الضمان الاجتماعى التى جاءت بها الشرائع ، وتقرب المسافة بين الأغنياء والفقراء (4) .
لأن المؤمن من عرف نفسه وعرف ربه ، وعلم ان لله ملك السماوات والأرض وما بينهما، وأنه غنى عنهما وما فيهما ، وقد سخرهما للإنسان بفضله ، وجعله خليفة فى أرضه ، وهذا فضل من الله ورحمة منه وإحسان ، وأمره بالزكاة ليتطهر بتلك العبادة عن روح المادة الحاجبة لبصيرته لتشرق له أنوار المعطى الوهاب 0
لذا فمن حكمة الزكاة كما يقول البعض : " أمر الله عباده بالزكاة للتطهير ولتنقي الروح من عناصر المادة الحاجبة عن حسن المصير، لأن المادة فى الإنسان حجاب الروح عن الأكوان وبكشف هذا الحجاب تشرق أنوار المعطى الوهاب (5) ، فالزكاة نور للروح وضياء ، وفيها كشف التثبت بالأخلاق الحميدة ، فالزكاة وان كانت فريضة إلا أنها تربى المتصف بها بالأخلاق الجميلة ، التى يحث عليها الشارع الحكيم ، كالإحسان ومساعدة الآخرين ، فزكاة المال من المسلم ليست مثل زكاة المال من المؤمن ، وزكاة المال من المؤمن ليست كزكاة المال من المحسن ، وزكاة المال من المحسن ليست كزكاة المال من الموقن ، فهم درجات (6) 0
يقول تعالى : " يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ " (7) .
ويقول الكتاب المقدس : " بيعوا مالكم وأعطوا صدقة اعملوا لكم أكياس لا تفنى وكنزاً لا ينفذ فى السموات حتى لا يقرب سارق ولا يبلى السوس لانه حيث يكون كنزكم هناك يكون قلبكم أيضا" (
فالزكاة عبادة مالية وظاهرة اجتماعية ، اقتضتها حكمة الذات العليا ، لأسرار خفية ، وآيات ربانية يعلمها الله تعالى لمن شاء من عباده لتظهر حكمة السعادة والشقاء ولتشرق شمس الصفات والأسماء (9) ، فالزكاة طهارة لنفس الغنى من الشح البغيض ، تلك الآفة النفسية الخطيرة التى قد تدفع من اتصف بها إلى الدم فيسفكه أو العرض فيبذله أو الوطن فيبيعه ، ولن يفلح فرد أو مجتمع سيطر عليه الشح وملك ناصيته (10) .
يقول تعالى : " وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " (11) ، فهى تطهير . لنفس صاحبها من خبث البخل المهلك وإنما تقدر طهارتها بقدر بذله وفرحه بإخراج ماله واستبشاره بإنفاقه (12) 0
ويقول الكتاب المقدس : "فمتى صنعت صدقة فلا تعرف شمالك ما تفعل يمينك" وهذه الصدقة المخرجة يكون صاحبها له نية نقية ويشير الكتاب فى ذلك فمتى صنعت صدقة فلا تصوت قدامك بالبوق كما يفعل المراؤون فى المجامع وفى الازقة لكى يمجدوا فى الناس" (13)
وهى فى الجانب الآخر طهارة لنفس الفقير من الحسد والبغض على ذلك الغنى الكانز لمال الله عن عباد الله ، ثم هى طهارة للمال فان تعلق حق الغير بالمال يجعله ملوثاً لا يطهر إلا بإخراج حق الله تعالى منه ، ولذا يقول بعض السلف " الحجر المغصوب فى الدار رهن بخرابها " (14) .
ولذا يقول الطوسى : من وجب عليه الزكاة يحتاج إلى أربعة أشياء :
(1) أن يكون ماله من حلال .
(2) لا يكون جمعه للافتخار والتكثر .
(3) أن يبدأ بحسن الخلق والسخاوة مع الأهل والعيال .
(4) مجانبة المن والأذى إلى من يدفع إليه الزكاة (15) .
فالزكاة فى حقيقتها مبدأ أخلاقي أودعه الله تعالي فى تشريعه حتى يتعاون العباد فيما بينهم ، يؤدون شكر الله عز وجل عن تلك النعم ، ويقول صاحب كشف المحجوب " والزكاة فى الحقيقة هى الشكر على وصول النعم ، والشكر يلزم أن يكون من جنس النعم ، وعلى ذلك فالصحة نعمة من نعم الله تعالى وعلى كل عضو من أعضاء الإنسان تجب زكاة مفروضة ، لذلك فأصحاء الأبدان يلزمهم أن يشغلوا أعضاءهم بعبادة الله ولا يعرضونها للهو واللعب حتى يؤدوا زكاة عافيتهم كاملة "(16) 0
فالزكاة أخلاق ، والخالق عز وجل جعلها فى كل شرائعه دليل إيمان العباد ، فمن المبدأ الأخلاقي للزكاة :
1- إتصال أخوى أخلاقي : يستشعر الجميع أنهم متساوون وأنهم مسئولون عن بعضهم البعض ، فبالزكاة يتصل الإنسان بأخيه صاحب الحاجة ويقف الغنى بجوار المحتاج حتى يشعر الضعيف والفقير أن له حقا عند الغنى فيقول تعالى "وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ "(17)0
وكأن الله عز وجل قد جعل الزكاة حقاً للفقير على الغنى ، ليتعارف كل واحد منهم مدى قربه من الله تعالى 0
ويقول الكتاب المقدس : بل اعطوا ما عندكم صدقة فهوذا كل شئ يكون نقياً لكم" (18) وهذه النقاوة تكون باستشعار الأخوة لأن فيها معنى الرحمة والرب يقول " من يرحم الفقير يقرض الرب وعن معروفة يجازيه " (19)
وهذا القرض الرباني دليل الإيمان يقول تعالي " من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافا كثيره والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون( )"
2- اتصال أخوى : يستشعر الإنسان أنه مسئول عن أحوال إخوانه بأن يسأل على بنى جنسه من البشر ، فيجب على كل صاحب نعمة أن يبحث عن الفقراء الذين يحتاجون هذه النعمة ، ويدفع إليهم زكاتها 0
فيقول تعالى : " لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ " (20) 0
فذاك دليل على أن التقى هو الذي يتحسس أخبار الفقراء ويصلهم ، فلا ينتظر الفقراء حتى يأتوه ويطلبوا المساعدة ، وإنما هو الذي يبحث عن الفقراء ويصل إليهم ويمدهم بما أنعم الله عليه .
ويشير الكتاب المقدس فى هذا قائلا : "ما المنفعة يا أخوتى إن قال أحد أن له إيماناً ولكن ليس له أعمال، هل يقدر الإيمان أن يخلصه؟ (21)
3- نزع ما فى النفوس : من حب تملك الدنيا ، وترويض النفس ، على عدم حب الدنيا، ومساعدة المحتاج ، وإن كان على حساب النفس .
ويقول تعالى : " فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ "(22) 0
ويقول الكتاب المقدس: "صالحة الصلاة مع الصوم والصدقة خير من ادخار كنوز الذهب" (23)