مقارنة الاديان (آداب الحوار 3 ) فهم مطلب صاحب الكتاب والنصوص من أصحابها
من آداب البحث والنظر فهم مطلب الكتاب وصاحبه ، فمن طالع أو فسر كتاب فعليه أن يقف علي حالات المصنف وعاداته وطائفته التي تربى فيها وعلي مذهبة وفكره وآرائه التي نهجها ، وعادة المؤلفين أن يذكروا غاية ما الفوه في مقدمتهم فيقول " ابن كمونه " (44) ، أنه جرت مفاوضات اقتضت أن يكتب كتابة " تنقيح الملل الثلاث " ، علي هذه الطريقة وانه لم يذكر شئ فيه عن هوى أو تعرض لترجيح ملة علي أخري وإنما كان قصده أن يقرر مباحث كل ملة إلي غاياتها القصوى(45) ، ويؤكد نجم الدين الطوفي (46) ، أنه ألف مؤلفه لأنه رأي كتابا صنفه بعض النصارى يطعن في الدين الإسلامي ويقدح في رسالة محمد ( ) فرأي مناقضة ذلك وان يحذر الناس منه وضعفاء المسلمين من ذلك الكلام (47) ، وينهج القس منيس عبد النور (48) ، هذا المنوال في كتابه ، فيقول : " علي الهجمات أن رجال الدين قد ردوا علي هذه الهجمات وفندوا خطأها لكل المعترضين ولازال هؤلاء يقتبسونها كأنها صحيحة ولازال بعض أساتذة الجامعات يرددونها بدون أن يتيحوا لتلاميذتهم فرصة الاطلاع علي الردود المفندة ، لأن النصوص ربما تتعارض فى ظاهرها ، أما في حقيقتها فهي متممة لها ، وذلك فيما ورد في الأمثال " (49) ، لا تجاوب الجاهل حسب حماقته ، لئلا تعدله أنت ، جاوب الجاهل حسب حماقته ، لئلا يكون حكيما في عين نفسه ، فالناظر فيها يجد تضارب في النص ويستدل به علي تحريفه ، لكن بالفهم من أصحاب الكتاب لهذه المسألة نجده يزول التضارب الظاهري ، فالكتاب يترك لك حرية التصرف مع الجاهل في هاتين الفقرتين حسب النتيجة المتوقعة فالجاهل المماري المناقش بلا فائدة ينزلك إلي مستواه وهذا مفهوم عبارة ( لئلا تعدله أنت ) أي تصير مساويا له في الجهل والحماقة ، ولكن إن بدا لك الجاهل في ثوب المنتصر في كلامه الباطل الذي هو ضد الحق فيمكنك أن تجيبه وتفحمه ( حتى لا يكون حكيماً في عين نفسه ) وحتى لا يبدو الباطل منتصرا (50)0
ولذا وضع رحمة الله الهندي قاعدة " لابد للمفسر أن يفهم مطلب الكتاب ، كما كان في ضمير المصنف ، فلابد لمن طالع أو فسر أن يكون واقفا علي حالات أيام المصنف وعادة طائفته التي تربي المصنف فيها وعلي مذهبهم وان يكون واقفا علي صفات المصنف وأحواله ايضا لا أن يبادر بمجرد معرفة اللسان علي ترجمة الكتاب وتفسيره ، ولابد أن يتوجه إلي تسلسل المطالب ولا يفسد علاقة الأقوال السابقة واللاحق وإذا فسر مطلبا فلابد أن يلاحظ معه كل مقام له مناسبة ومطابقة بهذا المطلب ثم يفسر " (51) 0
استخدام الأساليب العلمية
ذلك في عرض آراء أصحاب الشرائع فلا يصح ذكر الشرائع أو مؤلفاتها بالسب أو التهاون بها بدون الاعتماد علي منهج علمي يسير علي منوال الباحثين وذلك بالالتزام بالطرق المنطقية السليمة من :-
• تقديم الأدلة المثبتة أو المرجحة للأمور المدعاة 0
• إثبات صحة النقل للأمور المنقولة ( المروية ) (52) 0
ولذا كان للباحثين في الشرائع طرق ودراسات للمقارنة بين الأديان بمنهج علمي من هذه الطرق(53) :
(1) الطريقة النفسية :
وهذا اللون من الدراسة يبدأ فيه الباحث من الإنسان باعتبار الذات التي هى موضوع العلاقة مع الوجود الإلهى ويري المطبقون لمثل هذا المنهج أن من شأن هذا المبدأ أن يعرفنا بالوسائل الفعالة التي تبناها الإنسان في تحقيق وإبراز مقومات دينه إلي حيز التنفيذ ، كما يبصرنا بالتجارب الروحية التي يحصل عليها الإنسان أثناء مزاولته لطقوس أو شعائر دينه . ومن خصائص هذه الطريقة (54) :
1- الإصرار علي الجوانب الإنسانية 0
2- ترابط المادة ـ مهما كانت غير عادية ـ مع المعتقدات السارية بغية ربط وتوضيح الجوانب الدينية وغير الدينية في طبيعتها الإنسانية العامة وتصل هذه الطريقة النفسية إلي تأكيد ما يلي :-
أ ـ أوجه الشبه الأساسية والجوهرية بين البشر .
ب ـ القيمة الذاتية للطقس أو المعتقد بالنسبة للفرد .
ج ـ اتجاه الدين في مجال تأثيره و إثبات صحته إلي الارتباط بما هو غير ديني علي وجه التحديد 0
(2) الطريقة التاريخية والاجتماعية (55)
وهى دراسة الأديان بالسياسات والاقتصاد والظروف الاجتماعية والجغرافية بصورة عامة وبكل ما يحيط بالجماعة التي تدين بهذا الدين .
وهذه الطريقة تجعل الدين مجرد رجع أو صدى لهذه الحياة الطبيعية ، وهذه بلا شك وجهة نظر مادية بحته ، مع مراعاة المفارقة بين تاريخ الأديان باعتبارها نظما محددا لجماعة معينة في أزمنة مخصوصة وبين تاريخ الدين من حيث كونه ظاهرة تمت في ضوء العلاقة مع الفكر في التاريخ البشري بصفة عامة .