مقارنة الاديان (آداب الحوار 5 ) الإلمام بالمسالة
من الحق علي من يكتب في المسألة للناس أن يعينهم علي الإلمام بموضوعه إلماما يجعله واضح الإعلام في نظر من يقرا أو يأخذ عنه(80) ، فيكون إلمامه إلمام نفع لا لضر أو إذلالا كقول الجاحظ " قد قلنا في جواباتهم ، وقومنا مسائلتهم بما لم يكونوا ليبلغوه لأنفسهم ليكون الدليل تاما والجواب جامعا ، وليعلم من قرأ هذا الكتاب وتدبر هذا الجواب أنا لم نغتم عجزهم ، ولم ننتهز غرتهم، وأن الإدلال بالحجة ، والثقة ، بالفلج والنصرة هو الذي دعانا إلي أن نخبر عنهم ما ليس عندهم ، وإلا نقول في مسألتهم بمعنى لم ينته إليه منبه أو يشير إليه مشير وإلا يوردوا – فيما يستقبلون – علي ضعفائنا ومن قصر نظره منا شيئا إلا والجواب قد سلف فيه وألسنتهم قد أدلت به وسألناهم إن شاء الله ونجيب عنهم ونستقصي لهم في جواباتهم كما سألنا لهم أنفسنا واستقضينا لهم مسائلهم " (81) 0
ومثاله في ذكر وفاة موسى عليه السلام في الكتاب فكيف يكتبها ويخبر عن وفاته ؟ ويجيب البابا شنوده عن ذلك قائلا (82) " ، موسى كتب الأسفار الخمسة كلها ما عدا خبر وفاته طبعا ، وهذه الفقرة عن خبر وفاته كتبها تلميذه وخليفته يوشع وكان يمكن أن يبدأ يوشع سفره بها 0
لكن رأى من الأفضل أن يكتب خبر وفاة موسى ودفنه في آخر الأسفار استكمالا للتاريخ ، أما كتابة موسى للأسفار فهي واضحة بالنصوص سواء العهد القديم أو الجديد(83) 0
ففي سفر الخروج " قال الرب لموسى اكتب هذا تذكارا في الكتاب " (84) ، وفي العدد " وكتب موسى مخارجهم برحلاتهم حسب قول الرب" (85) ، وفي التثنية " وكتب موسى هذه التوراة وسلمها للكهنة بنى لاوي حامل التابوت " (86) ، أما في العهد الجديد ففي يوحنا " وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء " (87) ، وهناك شهود عديدة علي كتابة موسى التوراة ، فلاشك أن موسى عليه السلام هو اقدر انسان علي كتابة التوراة (88) 0
ولذا فإن الباحث في هذا المجال لابد أن يكون متسلحا بالعلم اليقين ، والمعرفة المؤكدة حول الفكرة التي يحاول بحثها ، وإلا فليس هناك داع أن يتناول موضوعا بالبيان والتوضيح بدون معرفة تامة بجوانبه .
لأن وسائل الأعلام تركز علي الجانب السلبي من هذا الحوار ، متجهة نحو إظهار الدين علي أنه مصدر للنزاع والشقاق بدل أن يكون مصدر للسلام ، ومن هنا يجب إلا نقيس كوامن الإسهام الدينى في الحياة العامة عبر أصوات وسائل الإعلام التي تروج للتيارات غير المتبصرة من التعبيرات الدينية .
وعلي الفرد أن ينظر إلي الصورة الأوسع للأديان والتقاليد الدينية التي تعمل معا من أجل الصالح العام لأن البعد الدينى للحوار بين الثقافات حيوى وضروري من أجل مستقبل يملؤه السلام ، وهنا تتبادر إلي الذهن مقولة هانس كنج الشهيرة " لاسلام بين الشعوب دون سلام بين الأديان ، ولا سلام بين الأديان دون حوار بينها " (89) 0
الترجيح المستدل
من الآداب في البحث عدم ترجيح رأي إلا بعد الاستدلال عليه بالدليل الدامغ الذي لا يوقع الوهن في صدر الباحث ، وكذلك كل واحد من المتجادلين المتحدين للمحاوريين الجدليين ( المناظرة ) حول موضوع معين يجب عليهم بحث التعصب لوجهة نظر سابقة وإعلانهما الاستعداد التام للبحث عن الحقيقة والاخذ بها عند ظهورها سواء كانت وجهة نظر سابقة أو وجهة نظر من يحاوره في المناظرة أو وجهة نظر أخري جديدة عنها (90) 0
والترجيح المستدل علي خطأ النصوص أو تعارضها ليس بظاهرها وإنما بالتفسير التحليلي لها، ومن الأخطار التي يقع فيها بعض المشككين عرض النصوص بما يقابلها من تعارض ظاهري يستدلوا به علي أن الكتاب محرف ومثاله
قوله تعالي ويقابله
لا تبديل لكلمات الله (91) وإذا بدلنا آية مكان آية (92)
لا مبدل لكلماته (93) ما ننسخ من آية أو ننسها (94)
إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (95) يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب(96)
فهذه الطريقة التي عرضت بها الآيات يظهر فيها التعارض بل التناقض(97)، لكن قد تتعارض النصوص فيقضى حكما يخالف ويتعارض مع ما يقتضيه نص آخر ، وتكون مهمة المجتهد في هذه الحالة توضيح مسالة الخلاف أو ترجيح أحد الحكمين المتعارضين ظاهريا وتقديمه علي الآخر بناءا علي مرجح من المرجحات . وهذا مجال واسع للأولويات ، وعلماء الأصول وضعوا مجموعة من المرجحات منها ما يعود إلي السند ومنها ما يعود إلي المتن ومنها ما يعود إلي اعتبارات خارجية (98)0