لم يعد عذر للسلبين مقال للدكتور سعد الدين هلالي قرآن وسنة
لم يعد عذر للسلبيين
د. سعد الدين هلالي
dr.saadhelaly@hotmail.com
كان الاحباط واليأس الذي مني به الشعب المصري في العقود الأخيرة سببا لانتشار ظاهرة السلبية. فكان أكثر الناس لا يحركون ساكنا وهم يرون الفساد بكل صنوفه. وفي كل المؤسسات. فانتشرت الرشوة والمحسوبية والظلم والبطش وتفاوتت الأرزاق بمعيار الشخصنة أو العبودية للرؤساء. وكلما حاول البعض أن يهم بالنصح أو بالابلاغ للجهات المعنية للمطالبة بحقه أو لدفع الظلم عن نفسه تحول إلي مجرم بالقانون ونزلت عليه المصائب من كل حدب وصوب للقضاء عليه وعلي أمثاله ممن تسول له نفسه الامارة بالسوء أن يرفع رأسه. أو أن يمس حرمة النظام الذي يعطي لنفسه قداسة وصفة من صفات الله سبحانه في قوله تعالي: "لا يسأل عما يفعل وهم يسألون" "الأنبياء: 23".
والعجيب ان النظام لم يكن هو الرئيس فقط. وانما كان منظومة الحكم ومفاصله. بل وأطرافه التي كانت أرجلا كثيرة في الوحدات المحلية والادارات الحكومية الخدمية منها والأمنية. التعليمية منها والبحثية. فلم يسلم من الظلم المسلمون والمسيحيون. الفلاحون والعمال والموظفون. أصحاب الحرف والمهن الخاصة. والطلاب والأساتذة. والظلمة بكل أسف هم من بني جنسهم ووطنهم. ولكنهم التحقوا بالنظام فصاروا أصحاب القرار باختلاف مستوياتهم. فاجتمعوا علي أن يكون نظامهم عصابة يحابي بعضهم بعضا في مواجهة الشعب. وكانوا قد نجحوا في تفريقه وبث الفتنة بين طوائفه ليبقي ضعيفا متقطع الأوصال. فتسهل السيطرة عليه وابتلاع خيراته أطول زمن. وفصلوا القوانين التي تمكنهم من شرعنة الظلم - ان صح التعبير - حتي قال لي أحد كبار المسئولين في هذا النظام البائد وهو يبرر تمكينه لبعض الفاسدين في الادارات التي يرأسها "نحن نعطي بالقانون ونمنع بالقانون". هكذا كانت غطرسة الظالمين ويا ويل من لم يستسلم لجبروتهم حتي أصيب أكثر الناس بالاحباط. وبدا للناس أن مصر غير ولادة للعباقرة والموهوبين والشجعان.
وفي الخامس والعشرين من يناير الماضي انتبه الشعب المظلوم فعرف ان الظلم لا يأتيه من ذاته وانما ينصب عليه من نظامه. كما اكتشف ان الشعب لحمة واحدة متراحمة ليس بالقانون وانما بالأخلاق والدين والأعراف الوطنية الأصيلة. فالكل يحترم الآخر ويقدره في عقيدته وشعيرته. ويباركه في رزقه ونعم الله له. فاجتمعوا علي النظام الفاسد حتي أسقطوه ودارت الدائرة علي النظام الذي تبين أن قوته كانت وهما. وان تعاونه كان وهنا. وان اجتماعه كان ضعفا. حيث تساقطت مفاصله وتنكر بعضهم لبعض. ويخجل أحدهم من اعلان انتسابه إليه. وصدق الله حيث يقول: "الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين" "الزخرف: 67".
وفي هذه المناسبة التي يستحيي فيها الشخص من الانتساب لنظام الظلم. ويشرف أن يكون منتسبا لشباب ثورة الخامس والعشرين من يناير ولو لم يخرج فيها تولد حكم شرعي جديد. وهو انه لا عذر لمظلوم أن يستسلم. ولا عذر لمطلع علي فساد أن يسكت. ولا عذر لمن يمكنه الاصلاح ألا يبادر إليه. فالايجابية المجتمعية صارت فرض عين في الجملة. والسلبية صارت كبيرة من الكبائر التي تخرج صاحبها من وجه من وجوه الايمان. فقد أخرج مسلم عن تميم الداري أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "الدين النصيحة" وأخرج الطبراني في الأوسط عن حذيفة. أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم". وصفة الإسلام في هذا الحديث لبيان الواقع وليس للتقييد كما يقول أكثر العلماء. فالمعني الشرعي هو أنه من لم يهتم بأمر الناس فليس منهم.