الشيخ سعد الفقي | 08-07-2010 02:03
"وسط هذا الكم المتراكم من المسئوليات العامة والخاصة لابد من الانسلاخ عن تبعاتها والركون إلي الأصل في حياتنا وهو العبادة .ويا حبذا لو تحققت بمعانيها السامية. في أداء شعيرة العمرة المقرونة بالنية الخالصة. بالتقرب إلي الله سبحانه وتعالي والذهاب إليه وحيداً فريداً. دون تعلق بزخارف الدنيا ومباهجها الزائلة فطلب الغوث والنجاة لايكون إلا من الله ومن منا بلا ذنوب صغرت أم كبرت. ومن منا لاتعتريه العقبات وضغوطات الحياة التي تتقاذف فوق رؤؤسنا جميعاًُ.
" الطواف حول الكعبة يشعرك برهبة المكان وجلال الموقف فمنذ أكثر من ألف وأربعمائة عام كانت الموقعة. عندما حاول إبرهة حاكم الحبشة. هدمها والقضاء عليها ظناً منه أن يمتلك تجفيف منابع التوحيد. إلا أن محاولاته باءت بالفشل ومازالت خيبته مضرباً للأمثال وحتي يرث الله الأرض ومن عليها. ليس هذا هو الدرس المبتغي ولكن ماهو أرقي .هو ماعلمنا إياه عبد المطلب جد النبي ( محمد بن عبد الله ) صلى الله عليه وسلم .عندما أعلنها صريحة مدوية وهو موقف لايمكن تأويله بالضعف والاستكانة والانكسار. بقدر ماهي صرخة في وجه الاستكبار والتجبر. فقد قال مخاطباً ابرهه ( أما الإبل فهي لي وللبيت رب يحميه ) وكانت الاستجابة من وراء الحجب فدعوات المظلومين ليس بينها وبين الله حجاب .فقد صدرت الأوامر بفتكه وإهلاكه هو وجنوده وان تعددت مسمياتهم بشراً كانوا أم دواباً وربما يغيب عن البعض أن ابرهة كان يمتلك ترسانة من الاسلحه ربما فاقت مانسمع عنه في زماننا.ويحاول المرجفون أن يقذفوا الرعب والرهبة في قلوبنا ( ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل .. ألم يجعل كيدهم في تضليل ) الخ الآية .
" وللدعاء حول الكعبة مذاق خاص وحلاوة لايُطعمها إلا من كُتب له القبول. وبقدر الإخلاص تتحقق الإجابة وقد كان فاروق الإسلام عمر بن الخطاب يقول ..( والله اني لاأحمل هم الإجابة ولكني أحمل هم الدعاء) . وهناك تعيش حالة من الانسجام الروحي والجسمانى وتستشعر ماتحياه من طمأنينة وسكينة وهدوء ورضا . وهي لحظات ندر أن تجد مايوازيها وفي كل الأحوال أنت في معزل إلا أنه هذه المرة في كنف الله ورعايته فلا مكان أمام القرب منه للأموال والأولاد والجاه وكل مايحرص عليه الإنسان بعيداً عن المكان والزمان الذي يُختار لك .
" السعي بين الصفا والمروة سبعة أشواط وهو أخف وطأة من الطواف الذي لايخلو من زحام علي الدوام وفي كل الأوقات وكلما اقتربت من الحجر الأسود فأنت في موقف لاتُحسد عليه وان جاهدت (ألا ضرر ولا ضرار) .. وفي السعي تعود بك الذاكرة إلي الوراء وتعيش أحداثاُ تبرز معطياتها أن من اعتمد علي الناس مل ومن اعتمد علي جاهه ذل ومن اعتمد علي ماله قل ومن اعتمد علي الله لاذل ولا مل ولا قل. فقد ترك أبو الأنبياء زوجه هاجر ووليدها إسماعيل دون زاد. فالمنطقة جرداء لازرع فيها ولا ماء وفي لحظة فاصلة ظنت فيها الأم أن السبل قد تقطعت بها وبفلذة كبدها واستشعرت الخطر المحق والمحقق . فكانت العناية التي أنبعت الماء من تحت أقدامها وهي تسعي مهرولة ذات اليمين وذات اليسار لتبحث عما تروي به ظمأها ووليدها ..
" الثابت المعتمد أن المرء يُثاب رغم أنفه وهكذا فولاة الأمور في بلاد الحرمين الشريفين يقفون في هذا الخندق من خلال رعايتهم اللامعهوده والمطلقة للاماكن المقدسة . وكفاهم مايقدمونه من دعم مادي ينفق في التوسعات التي نراها عاماً بعد آخر .. ونهوضهم بالمشاعر المقدسة وتذليلهم العقبات أمام المعتمرين والحجاج فدعاء إلي الله أن يثيبهم علي ماقدموه في الماضي والحاضر والمستقبل وهنيئاً لكل من ساهم في غرس الطمأنينة والسكينة للآخرين في كل وقت وحين .
" الزيارة إلي المشاعر المقدسة وفي مقدمتها عرفات والمزدلفة ومني أمر متعارف عليه وقد لفت نظري هذا العام مارأيته بأم العين حيث أشرفت الحكومة السعودية علي الانتهاء من بناء البنية التحتية لمترو الأنفاق الذي يبدأ من مكة وينتهي بمني. وقد اخبرني أحد مشايخ الحرم المكي أن المترو سيقل في الساعة الواحدة مالا يقل عن 500 ألف حاج من مكة إلي عرفات. مروراً بالمزدلفة وانتهاء بمني. ذهاباً واياباً وهو أمر يستحق التحية والتقدير. ولطالما تحمل الحجاج مالا يطيقون وقد قيل أن محاولات عدة بُذلت للحيلولة دون إتمام المشروع المزمع الانتهاء منه في عام 2012 من الميلاد. وكانت حيثيات الرفض أن المشروع سيكلف ميزانية المملكة المليارات وسيعمل لمده لاتتجاوز الخمسة أيام . إلا أن خادم الحرمين الشريفين كان عند عهده ووعده وقد علمت أن أحدي الشركات الصينية القائمة بالتنفيذ ستقوم بتشغيله لمده ثلاث سنوات ثم ستنتقل بعدها المسئولية إلي السعوديين .
" الطريق من مكة إلي المدينة ورغم أنه أصبح ممهداً وسهلاً وبمقدورك أن تؤدي الصلوات في مواعيدها دون تأخير فالمساجد موجودة والاستراحات كذلك لكن مالفت نظري فعلا هو ثبات الأسعار في هذا الطريق الممتد لأكثر من 400 كيلو متر أو يزيد . وربما عاد ذلك إلي القوانين الصارمة وصدق التجار مع أنفسهم ومع المترددين عليهم .وربما شغلني أكثر مارأيته من جبال شامخة وهي عبارة عن صخور صماء سوداء ولك أن تتصور ماتحمله الرسول صلي الله عليه وسلم وصحبه الكرام. عند هجرتهم من مكة إلي المدينة .كيف تسلقوا هذه الجبال وعبروها. ومالذي منحهم هذه القدرة التي لاتضاهي .. حتي ساروا مشياً وركوباً .علي دوابهم وكيف تزودوا بالطعام والشراب. إنها فعلاً رحلة عظيمة فمعانيها اكبر من كونها حكاية نسردها ونتغنى بها كل عام ونعرض لأحداثها. والتي مازالت ثرية وغنية. للبحث في مناقبها ودهاليزها والوقوف علي مضامينها .
" المدينة المنورة أو مدينة رسول الله صلي الله عليه وسلم كما يحلو للكثيرين تسميتها اسم علي مسمي ففيها قبر الحبيب المصطفى وصحبه الكرام أبو بكر وعمر. ومابين قبره ومنبره روضة من رياض الجنة ولطالما حرص الزائرون علي الظفر بالصلاة في هذا المكان وهي مهمة يستأثر بها كل من اتصف بالإرادة والعزيمة. فقد تتكرر المحاولة التي تبوء بالفشل إلا أنها مع الاستمرار. ستصيبك بإذن الله وفي صلاتك تستشعر حاله من الرضا والطمأنينة فهنيئاً لمن صلي بين قبره ومنبره وفي هذه المنطقة تسمع التأوهات والاستغاثات إلا أنها هذه المرة لمن يمتلك النواصي والخزائن . يقول في كتابه ( وإذا سألك عبادي عني فاني قريب ) قرآن كريم
الشيخ / سعد الفقى