نعمة التعدد والاختلاف في الإسلام ـ د. محمد عمارة
د. محمد عمارة (المصريون) : بتاريخ 23 - 3 - 2009
وفي إطار وحدة الأمة الإسلامية ـ التي هي فريضة دينية.. وضرورة حياتية ـ والجامعة في رعيتها أهل الديانات المختلفة ـ عرفت أمتنا التنوع المشروعي والطبيعي في الشعوب والقبائل.. وفي الألسنة واللغات ـ ومن ثم القوميات ـ.. وفي الأجناس والألوان والأعراق..
ولم يأنف شعب من شعوب هذه الأمة من أن يحكمه ـ بالإسلام ـ حاكم يختلف عنه في الجنس أو اللون أو الإقليم .. لأن وحدة الأمة مثلت "جنسية الإسلام والمسلمين".. فصلاح الدين الأيوبي (532 ـ 589 هـ ـ 1137 ـ 1193م) ـ الكردي ـ هو الذي وحد العرب وحكمهم وقادهم في أمجد المعارك ضد الصليبيين.. وغدا مفخرة التاريخ العربي والإسلامي، على امتداد الأوطان والقوميات .. والقرون..
ومحمد علي باشا الكبير (1184 ـ 1265 هـ ـ 1770 ـ 1849م) ـ الذي نشأ في "قولة" ـ باليونان ـ هو الذي بنى مصر الحديثة، وعمل على تجديد شباب الدولة العثمانية.. وتبوأ مكانته المرموقة في مصر والعالم العربي وفي إفريقيا، دون أن يكون "فرعوني النسب".. أو من سلالة عدنان أو قحطان!.
وفي إطار الحضارة الإسلامية الواحدة: تنوعت وتمايزت العادات والتقاليد والأعراف.. وتعددت الثقافات الفرعية في إطار وحدة حضارة الإسلام..
وفي إطار وحدة الإسلام: تنوعت وتمايزت الأقطار والأقاليم والولايات والأوطان.. دونما اعتراف من الأمة "بالحدود والحواجز" التي تمزق وحدة دار الإسلام.. تلك "الحدود" التي فرضتها الهيمنة الاستعمارية الغربية، وقبلت بها ـ وحافظت عليها ـ "الأطماع" ضيقة الأفق، التي خدم أصحابها ويخدمون أعداء وحدة دار الإسلام!..
هكذا كانت نعمة التعدد والتمايز والاختلاف في إطار الإسلام، الذي جمع المسلمين على هذه الجوامع الخمسة، عبر تاريخه الطويل والعريق..
ولذلك، كان التكفير.. والنفي.. والإقصاء هو العدو الأول لهذه النعمة العظمى التي أنعم الله بها على أمة الإسلام..
فكل الأبواب مفتوحة.. وكل الآفاق ممتدة أمام العقل المسلم في الاجتهاد والتجديد والتنوع والاختلاف.. شريطة أن يقم كل ذلك على الأرض المشتركة لثوابت الإسلام، وفي إطار الجوامع التي جمع عليها الإسلام كل الذين شهدوا ويشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.. دونما تكفير أو نفي أو إقصاء.
ولقد أصاب شيخ الإسلام ابن تيمية (661 ـ 728 هـ ـ 1263 ـ 1328م) كبد الحقيقة عندما أعلن أن كل القضايا ـ حتى الأصولية ـ التي اختلف فيها المسلمون، ليس في أي منها ما يؤدي إلى التكفير ـ والنفي والإقصاء من الملة ـ .. لأن أيًا من هذه القضايا لا تتوقف على معرفتها صحة الاعتقاد والإيمان بأصول الإسلام..
نعم.. أعلن شيخ الإسلام ابن تيمية ـ باسم أهل السنة والجماعة ـ الذين يمثلون اليوم 90% من أمة الإسلام ـ هذه الحقيقة الكبرى فقال:
".. وأهل السنة لا يبتدعون قولا، ولا يكفرون من اجتهد فأخطأ، وإن كان مخالفًا، مكفرًا لهم، مستحلا لدمائهم، كما لم يكفر الصحابة الخوارج، مع تكفيرهم لعثمان وعلي ومن والاهما، واستحلالهم لدماء المسلمين المخالفين لهم"
فالوقوع في مستنقع التكفير لا يبرر الوقوع في هذا المحظور..