لماذا تراجع الأزهر؟ ـ د. محمد عماره
الثلاثاء, 16 سبتمبر, 200
لقد وقف خلف تطوير الأزهر الشريف – الذي صدر له القانون 103 لسنة 1961م – رجال عظام لا يشك عاقل في إخلاصهم للإسلام.. والعلوم الإسلامية، التي هي رسالة هذه المؤسسة الإسلامية على مر تاريخها الطويل.
ومن هؤلاء الرجال العظام شيخ الأزهر الإمام محمود شلتوت (1310-1383هـ/1893-1973) .. والرجل العظيم الذي صاغ قانون التطوير، الأستاذ محمد سعيد العريان (1323-1384هـ/1905-1964م) .. والذي وضع في المادة الثانية من قانون التطوير هذه العبارات التي تحدد رسالة الأزهر، فتقول:
الأزهر هو الهيئة الإسلامية الكبرى التي تقوم على حفظ التراث الإسلامي ودراسته وتجليته ونشره، وتحمل أمانة الرسالة الإسلامية إلى كل الشعوب وتعمل على إظهار حقيقة الإسلام وأثره في تقدم البشر وفي الحضارة، وكفالة الأمن والطمأنينة وراحة النفس لكل الناس في الدنيا والآخرة، كما تهتم ببعث الحضارة العربية والتراث العلمي والفكري للأمة العربية وإظهار أثر العرب في تطور الإنسانية وتقدمها..
وتعمل على رقي الأداب وتقدم العلوم والفنون، وخدمة المجتمع والأهداف القومية والإنسانية والقيم الروحية، وتزويد العالم الإسلامي والوطن العربي بالمختصين وأصحاب الرأي فيما تتصل بالشريعة الإسلامية.
والثقافة الدينية والعربية ولغة القرآن، وتخريج علماء عاملين متفقهين في الدين يجمعون إلى الإيمان بالله والثقة في النفس وقوة الروح، كفاية علمية وعملية ومهنية لتأكيد الصلة بين الدين والحياة والربط بين العقيدة والسلوك وتأهيل عالم الدين للمشاركة في كل أسباب النشاط والإنتاج والريادة والقدوة الطيبة للمشاركة في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
كما تهتم بتوثيق الروابط الثقافية والعلمية مع الجامعات والهيئات العلمية الإسلامية والعربية والأجنبية.
وغير هذا الحديث الجميل عن رسالة الأزهر – في ظل التطوير – تحدثت المذكرة الإيضاحية لقانون التطوير - 103 لسنة 1961م – عن العديد من المبادئ المبتغاة من وراء هذا التطوير ومنها:
أولا: أن يبقى الأزهر وأن يدعم ليظل أكبر جامعة إسلامية، وأقدم جامعة في الشرق والغرب.
ثانيا: أن يظل كما كان لها منذ أكثر من ألف سنة حصنا للدين والعروبة، يرتقي به الإسلام، ويتجدد ويتجلى في جوهره الأصيل، ويتسع نطاق العلم به في كل مستوى وفي كل بيئة، ويزاد عنه كل ما يشوبه، وكل ما يرمى به.
وإزاء هذه المقاصد العظيمة والجميلة من وراء تطوير الأزهر.. يرد السؤال القائم منذ ذلك التاريخ وحتى الآن: لماذا تراجع الأزهر.. ولم تتحقق مقاصد التطوير ؟!
صحيح أن التطوير قد أثمر دخول الفتيات إلى الأزهر وتعليم اللغات الأجنبية والقانون المقارن.. وإنشاء مدينة البعوث للطلاب الوافدين والتوسع في المعاهد الدينية والكليات الجامعية الشرعية والمدنية.. لكن تراجع المستوى وهبوط الكيف والنوع هو حقيقة ليس عليها خلاف.
وفي اعتقادي أن استقالة الدكتور شلتوت، بعد أن حيل بينه وبين سلطاته، التي كانت الضمانة لتحقيق التطوير الحقيقي، وكذلك هزيمة 1967 التي أصابت كل مؤسسات العلم والتعليم والثقافة بالتراجع..
بعد صرف كل الجهود للعسكرة والحرب، وتوالي القيادات الأزهرية المتشككة في مقاصد التطوير، أعتقد أن هذه الأسباب قد كانت من أهم عوامل هذا التراجع الذي أصاب هذا المعهد الإسلامي العتيد.