هكذا تكلم أمين الخولي ـ د. محمد عمارة
د. محمد عمارة (المصريون) : بتاريخ 2 - 3 - 2009
لقد مضى المرحوم الشيخ أمين الخولي (1313 ـ 1385 هـ ـ 1895 ـ 1966م) في حديثه عن القرآن الكريم، فعرض لعدد من القضايا.. ولعدد من الشبهات التي يثيرها خصوم هذا القرآن..
عرض للحديث عن الجمع الذي قام به الصحابة ـ على عهد أبي بكر الصديق ـ والذي كان ـ في الحقيقة ـ جمعًا للصحائف التي كتب فيها القرآن على عهد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال شيخنا :
"إن هذا الجمع الذي تم في عهد أبي بكر كان الجمع الذي يحقق المعنى المادي للجمع والضم ـ (فكأنه جمع الملازم في كتاب).. والحال التي تم فيها وبها هذا الجمع تهيئ من الاطمئنان إلى المجموع ما لا يكاد يتوافر مثله على التاريخ لما حفظت البشرية من نصوص وأصول..."
وبعد هذا المقطع ـ من هذا العالم المحقق ـ بأن القرآن قد حظي ـ في التدوين والجمع ـ بما لم يحظ به نص من النصوص على امتداد تاريخ البشرية قاطبة.. عرض لما يثار حول هذا التدوين والجمع للقرآن من شبهات.. فقال:
"أما الأخبار التي تلقي ظلالاً على هذه الحقائق، فإننا لا نشعر بحاجة إلى الوقوف عند شيء منها، لغير سبب واحد يقضي بالانصراف عن ذلك:
فهي أخبار آحاد لا يسهل فحص أسانيدها. وهي ، مع ذلك، عرضة للتأثر بأهواء ذوي الهوى من أصحاب العصبية الدينية ـ والخصومة الاعتقادية في كل حين ـ روجها في القديم من روجها من هؤلاء، ويثير الغبار بها أشباه لهم في هذا العصر، من ذوي الأغراض السياسية والاعتقادية المحترفين ذلك... وهي، مع كل، لا تمس القرآن من بعيد أو قريب لو تمثل الواقفون عندها الظروف والملابسات التي جمع فيها القرآن هذا الجمع في زمن أبي بكر، حال الناس آنذاك، ومدى معرفتهم للقرآن، وحال من قام بهذا الجمع، وقدرته عليه، وقدر الرقابة العامة على ما يتم من عمل في ذلك، والطاقة الإنسانية الممكنة في مثل هذا الجمع، وما تهيأ منها للبشرية كل حين في حفظ مثل تلك النصوص الدينية أو الدنيوية، وما يتصل بكل ذلك من معان واعتبارات كبرى ـ تعطي ضمانات لمثل هذا العمل يكون الوقوف بعدها عند مثل الأخبار المتناقلة عن طريقة الجمع وأحواله، مما يبدو عبثًا لا طائل تحته..
وما أرى إلا أن تمثل حالة المسلمين عند هذا الجمع سنة 11 هجرية، وحال القرآن فيهم، أولى للمعتقد والباحث جميعًا من الوقوف عند منثورات أخبار آحاد أكثرها معلقة لا سند لها، وهي خليقة باضطرابها أن تخفي الصورة الصحيحة المشرقة للحياة والناس، والظروف التي جمع فيها القرآن جمع أبي بكر الثاني، بعد جمع الرسول الأولي قبله.."
وبعد تبديد هذه الشبهات ـ التي هي "عبث لا طائل تحته" ـ حقق الشيخ الخولي قضية جمع عثمان بن عفان الأمة على مصحف واحد، وقضية الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، فقال:
"إن الأحرف السبعة ليست هي القراءات السبع، وإنما هي لهجات مختلفة في اللغة العربية، وجدت في القرآن جملة، لا أنها كانت سبع لهجات في كل آية وكل موضع من القرآن، ولقد كانت ضرورة حيوية اقتضاها الواقع اللغوي للعربية. وهذه الضرورة قد ارتفعت الحاجة إليها حين تغير حال المجتمع الإسلامي، عندما انضبط الأمر، وتدربت الألسن، وكثر الناس والكُتّاب.. وعندما ارتفعت هذه الحاجة إلى الأحرف المختلفة جمع عثمان "المصحف الإمام".. فكان مصحفه حرفًا واحدًا.. لقد عزا الناس ـ بعد جيل تغيرت فيه الحياة تغيرًا جوهريًا كبيرًا ـ لا ضرورة تقضي عليهم باستعمال حروفهم، لئلا يختلفوا، فقد صاروا بحيث يستطيعون الاتفاق.. وهذا الذي صنعه عثمان، إذا ما سميناه جمعًا، فإنه لجدير بأن يسمى جمع المسلمين، لا جمع القرآن.. فإن جمع القرآن كان في عهد الرسول ـ بمعنى ضم أجزائه.. وفي عهد أبي بكر بما حفظ أصلاً رسميًا يكون مرجعًا، وعمل عثمان هو تهيئة هذا الأصل الرسمي للتداول العملي على حال تلائم الدعوة الإسلامية التي امتدت وتمتد.."
هكذا تكلم أمين الخولي ـ شيخ الأمناء ـ فهل يتأمل ما قال هؤلاء "المحترفون من ذوي الأغراض السياسية والاعتقادية الذين يتعلقون بالعبث الذي لا طائل تحته ـ ؟!.. أم أن أمراض القلوب قد أعيت حكماء الأطباء؟!..