دماء الخليل.. ألم وأمل بقلم: سليم محمد سليم
لطالما ارتبطت الخليل بفجر الجمعة الدامي، فقبل ستة عشر عامًا كانت مجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف، وعلى بُعد مئات الأمتار وبفجر جمعة دامٍ آخر كانت الخليل على موعد مع الدماء والشهداء..
فجر الجمعة 8/10/2010م تسللت قوة كبيرة من جنود الاحتلال بالقرب من جبل جوهر جنوب مدينة الخليل برفقة عدد من الدبابات والآليات وبتغطية جوية من الطائرات لتحاصر منزلاً تحصن فيه القائدان القساميان نشأت الكرمي، ومأمون النتشة، وبدأت جولة من الاشتباكات.
انتهت العملية التي دامت قرابة 15 ساعة باستشهاد قائدي القسام الكرمي، والنتشة برصاص الاحتلال، وهدم المنزل الذي كانا يتحصنان فيه، واعتقال العديد من المواطنين.
تأتي هذه العملية الإجرامية بعد عملية سيل النار البطولية التي قتل فيها أربعة من المستوطنين الصهاينة قرب مستوطنة كريات أربع في الخليل في 31 أغسطس 2010، بعدها اعتبرت قوات الاحتلال نشأت الكرمي المطلوب الأول لها في الضفة.
العملية الوحشية بحق شهدائنا الأطهار ليست بالجديدة علينا من قبل الاحتلال الصهيوني الذي ما فتئ يسفك دمنا جهارًا نهارًا، فقد تعودنا على هذا المسلسل الإجرامي، وما هذه إلا حلقة من هذا المسلسل المتكرر، والمشاهدون كثر ولا من متحرك.
في هذه الحلقة بدت مشاركة واضحة وفعالة من أجهزة أمن السلطة، فالمشاهد يدرك تمامًا أن دورها كان في التنسيق الأمني المتواصل، فقد سعت السلطة ومنذ اليوم الأول لعملية سيل النار في الخليل بجمع المعلومات للوصول لمنفذي العملية، وتمكنت من التعرف على سيارة المنفذين، وشنت حملة اعتقالات واسعة في صفوف أنصار وقيادات حماس ردًّا على عملية الخليل!
هذا بالإضافة إلى عملها قبل عملية الاغتيال للحصول على معلومات عن نشأت الكرمي بكل الوسائل وتسليمها معلومات بمسئوليته عن العملية، وكانت قد قامت باستجواب المعتقلين واستدعاء العديد من المواطنين لسؤالهم عنه، وآخر ما كشفه أحد المواقع الإلكترونية عن محاولتها البائسة للاصطياد في المياه العكرة بعمل صفحة عبر موقع الفيس بوك "كلنا نشأت الكرمي" ليتم جلب معلومات عنه وعن مكان وجوده عن طريق استدراج المشاركين في الصفحة.
يأتي ذلك تحت غطاء سياسي فاضح فقد تعهد عباس حين انطلاق مسرحية المفاوضات بين السلطة والاحتلال في واشنطن أمام نتنياهو وهيلاري كلينتون قبل فترة وجيزة بالقبض على منفذي عملية الخليل البطولية حين قال بالحرف الواحد: "أمنكم هو أمننا، وإننا تمكنا من وضع يدنا على السيارة التي تم تنفيذ العملية فيها، وجاري البحث عن المنفذين"، وكذلك إدانة فياض للعملية وتعهده بإلقاء القبض على منفذيها.
وهذا كله يؤكد أن السلطة مشتركة في هذا المسلسل وفي هذه الحلقة بالأخص في اغتيال الكرمي والنتشة وإن اختلف الممثلون بالتنفيذ في هذا المشهد من الحلقة فالبصمة موجودة ولعب الأدوار واضح، وعلى ما يبدو أن هناك تتمة للمسلسل.
كمشاهدين ومتابعين لهذا المسلسل آلمنا كثيرًا استشهاد القائدين القساميين وحزنا لفراقهما، ولكنا نرى أن هذه الدماء جددت فينا العزم، وأذكت روح المقاومة والانتماء، وننتظر ردًّا قريبًا للقسام على ذلك، فالذي نفذ سيل النار قادر على تنفيذ غيرها.
ونرى أنه يجب على السلطة التوقف عن المشاركة في هذا المسلسل الخطير الذي يستهدف المقاومة الفلسطينية، ولا أعتقد المقاومة ستصمت طويلاً على كل هذه الجرائم من قبل الاحتلال وأعوانه، على السلطة أن تمثل وتحمي شعبها لا الاحتلال، وأن تتوقف السلطة عن المفاوضات بأشكالها المباشرة وغير المباشرة، وأن تتصالح مع شعبها، وأن تترك لهم اليد في الضفة للرد على جرائم الاحتلال، وأن تفرج عن كافة المقاومين الأبطال.
وللشهداء نطير أطيب سلام لأوراحهم الطاهرة التي حلقت في سماء فلسطين، وأزكى تحية لدمائهم الزكية التي سالت قربانًا للحرية والانتصار، وستبقى المقاومة شعلة لن تنطفئ، وعهدًا أن نسير على الدرب ولن نخون.