كيف نقرأ السيرة النبوية؟ قلم م. محمد صالح
كثير من الناس يقرأ السيرة بطريقة سرد تاريخي وكأنها أحداث في الماضي لا صلة لها بالحاضر وإن لم يقصدوا ذلك فهماً ومعنى وإنما هو ما اعتادوه…لنأخذ نموذجين لنقرأ السيرة من أحداث قد تبدو عابرة:
نقرأ:
وقد خرج الرسول (ص) مهاجراُ وتاركاُ ابن عمه علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) محله ليرد الأمانات إلى أهلها
وعندما يريد المؤرخ أو الكاتب أن يسهب في التوقف عند هذه النقطة يصف شجاعة الإمام علي ،ويصف حنكة الرسول (ص) في التمويه وأمانته….نعم هذا حق..لكن إن نظرنا بعمق نجد ما يلي:
1ـ أن الرسول (ص) في صراع مع أهل مكة ومنهم من يضع الأمانات عنده والدليل على ذلك أنهم لم يكونوا من المهاجرين….وهذا الصراع ليس حديثا وإنما استمر ثلاثة عشر عاما…لم يؤمنوا بما جاءهم به لكنهم لم يفقدوا الثقة أو يترددوا في وضع أماناتهم عنده.
2ـ أن لهذا الرجل المؤتمن أصحاب عذبوا وسلبت أموالهم غصبا.
3ـ أن هذا الرجل معرض للتصفية الجسدية
السؤال:
إن لم يخطر ببالهم خيانة الأمانة فهل خطر ببال النبي وهو مغادر لدار العدوان أن يأخذ هذه الأموال ليعوض بها أصحابه الذين سلبت مكة أموالهم بعدما هاجروا عنها….أليس في هذا المنطق قراءة أن الأمانة في الإسلام هي أمانة حتى ولو كانت لعدوك…
أصحاب المبادئ من الدعاة وطلاب النهضة والإصلاح يواجهون بالمعادة من بعض الناس أو من أصحاب التوجهات المختلفة.
هؤلاء لا يعادون المجتمع الذي يعيشون فيه بشخص الإنسان وإنما فكره،وهو لا يكره الإنسان المخالف بل يريد له الخير…ويتصرف بأسلوب طبيعي كجزء من المجموعة التي يعيش معها.
إن معاداة المجموعة المحيطة بهم لا تولد عندهم حالة المواجهة العاطفية فهم حاملي رسالة ،كل ما في الأمر إن هنالك غشاوة تحاول باستمرار إزالتها فإن لم تستطع لا تقاطع ولا تأخذ موقف مضاد ما دام الحوار في الفكر .
الحالة ذاتها في فهم الرسول (ص) بعدما قيل له :
(لو شئت لأطبقن عليهم الاخشبين)
هذه ليست إنسانية مفرطة بل هي فهم لمعاني قيمة وفكر راقي ، وأن هنالك نوع من الشروط والمحددات أمام الداعية أو أصحاب المبادئ وطالب النهضة مما يجعلهم يستوعبون أن هنالك ظلم في محيطه ..عليه أن يحتويه ..لأنه إن كان يظن أن يعطى بعدل فلماذا يرفض الواقع ويسعى لتغييره ،ولما كانت دعوته للتغيير من الجذور وإنما يطالب بأن لا يظلم وأن يقر بحقه في رأيه وإبداءه.
إذن علينا ونحن نواجه الجاهلية الحديثة اليوم أن نستحضر هذه المواقف ونفهمها بأنها ليست استباحة لأموال الغير وأرواحهم ، وأن لا نتعامل وكأننا معسكرين متحاربين ،تلك لمحات من موقف يمر علينا مر الكرام