الخطبة الاولى
الحمد لله ، ذي البطش الشديد ، المبديء المعيد ، الفعال لما يريد ، توعد من عصاه ، وكفر به أو أشرك بنار قعرها بعيد ، حرها شديد ، ووعد من خافه واتقاه بدار النعيم ، لا يفنى نعيمها ولا يبيد ، ولهم فيها من كل خير مزيد . أحمده سبحانه ، وهو أهل الحمد والثناء والتمجيد ، وأشكره ، وبالشكر تدوم نعمته وتزيد . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، قسم خلقه قسمين ، وجعلهم فريقين ، فمنهم شقي وسعيد ، من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ، وما ربك بظلام للعبيد 0 وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، حامل لواء الدعوة للعبادة والإخلاص والتوحيد ، فنصح أمته ، وبلغ رسالته ، وجاهد في الله حق جهاده ، ونصح القريب والبعيد ، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه ، ومن تبعهم بإحسان ، وترسم طريقتهم ، لا يزيغ عنها ولا يحيد ، وسلم تسليما 0أما بعد :- فاتقوا الله أيها المسلمون ، فتقوى الله تعالى تفرج الهم ، وتكشف الغم ، وتنجي من الكروب ، وتحت الخطايا والذنوب ، ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ، ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا 0ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا ، فيا بشرى المتقين يوم الوعيد0
أيها المسلمون: إن الله سبحانه وتعالى فرض فرائض لا يجوز تضييعها ، وحد حدودا لا يجوز تعديها ، وحرم أشياء لا يجوز انتهاكها . وقد قال النبي ( ما أحل الله في كتابه فهو حلال ، وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عافية فاقبلوا من الله العافية ، فإن الله لم يكن نسيا ثم تلا هذه الآية وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا مريم:64 ) رواه الحاكم 0والمحرمات هي حدود الله عز وجل وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ الطَّلاق:1 وقد هدد الله من يتعدى حدوده وينتهك حرماته فقال سبحانه : وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ النساء:14 واجتناب المحرمات واجب لقوله ( ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم ) رواه مسلم 0ومن المشاهد أن بعض متبعي الهوى ، ضعفاء النفوس ، قليلي العلم إذا سمع بالمحرمات متوالية يتضجر ويتأفف ويقول : كل شيء حرام ، ما تركتم شيئا إلا حرمتموه ، أسأمتمونا حياتنا ، وأضجرتم عيشتنا ، وضيقتم صدورنا ، وما عندكم إلا الحرام والتحريم ، الدين يسر، والأمر واسع ، والله غفور رحيم . فنقول لهولاء: إن الله جل وعلا يحكم ما يشاء لا معقب لحكمه وهو الحكيم الخبير فهو يحل ما يشاء ويحرم ما يشاء سبحانه ، ومن قواعد عبوديتنا لله عز وجل أن نرضى بما حكم ونسلم تسليما . وأحكامه سبحانه صادرة عن علمه وحكمته وعدله ليست عبثا ولا لعبا كما قال الله : وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ الأنعام:115 وقد بين لنا عز وجل الضابط الذي عليه مدار الحل والحرمة فقال تعالى : وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ الأعراف: 157
فالطيب حلال والخبيث حرام . والتحليل والتحريم حق لله وحده فمن ادعاه لنفسه أو أقر به لغيره فهو كافر كفرا أكبر مخرجا عن الملة أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ الشُّورى:21 ثم إنه لا يجوز لأي أحد أن يتكلم في الحلال والحرام إلا أهل العلم العالمين بالكتاب والسنة وقد ورد التحذير الشديد فيمن يحلل ويحرم دون علم فقال تعالى : وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الكَذِبَالنحل: 116 والمحرمات المقطوع بها مذكورة في القرآن وفي السنة كقوله تعالى : قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ الأنعام : 151 وفي السنة كذلك ذكر لكثير من المحرمات كقوله ( إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام). رواه أبوداود وقوله : ( إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه ) . رواه الدارقطني ثم إن الله الرحيم بعباده قد أحل لنا من الطيبات مالا يحصى كثرة وتنوعا ولذلك لم يفصل المباحات لأنها كثيرة لا تحصر وإنما فصل المحرمات لانحصارها وحتى نعرفها فنجتنبها فقال عز وجل : وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ الأنعام : 119
أما الحلال فأباحه على وجه الإجمال مادام طيبا فقال يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا البقرة : 168 فكان من رحمته أن جعل الأصل في الأشياء الإباحة حتى يدل الدليل على التحريم ، وهذا من كرمه سبحانه وتعالى ومن توسعته على عباده فعلينا الطاعة والحمد والشكر .
وبالإضافة لما تقدم فينبغي أن يعلم المسلم بأن في تحريم المحرمات حكما منها : أن الله يبتلي عباده بهذه المحرمات فينظر كيف يعملون ومن أسباب تميز أهل الجنة عن أهل النار أن أهل النار قد انغمسوا في الشهوات التي حفت بها النار وأهل الجنة صبروا على المكاره التي حفت بها الجنة ، ولولا هذا الابتلاء ما تبين العاصي من المطيع . وأهل الإيمان ينظرون إلى مشقة التكليف بعين احتساب الأجر وامتثال أمر الله لنيل رضاه فتهون عليهم المشقة وأهل النفاق ينظرون إلى مشقة التكليف بعين الألم والتوجع والحرمان فتكون الوطأة عليهم شديدة والطاعة عسيرة . وبترك المحرمات يذوق المطيع حلاوة : من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ويجد لذة الإيمان في قلبه . وهذه المحظورات مما شاع فعلها وعم ارتكابها بين كثير من المسلمين ، أسأل الله لي ولإخواني المسلمين الهداية والتوفيق والوقوف عند حدوده سبحانه وأن يجنبنا المحرمات ويقينا السيئات والله خير حافظا وهو أرحم الراحمين 0
أيها المسلمون :ومن تلك المحرمات التي استهان بها الناس:الشرك بالله
وهو أعظم المحرمات على الإطلاق لحديث أبي بكرة قال : قال رسول الله : ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر (ثلاثا) قالوا قلنا بلى يا رسول الله ، قال : الإشراك بالله .. متفق عليه وكل ذنب يمكن أن يغفره الله إلا الشرك فلا بد له من توبة مخصوصة قال الله تعالى إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُمَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ النساء 48والشرك منه ما هو أكبر مخرج عن ملة الإسلام ، صاحبه مخلد في النار إن مات على ذلك .
ومن مظاهر هذا الشرك المنتشرة في كثير من بلاد المسلمين : ـ عبادة القبور واعتقاد أن الأولياء الموتى يقضون الحاجات ويفرجون الكربات والاستعانة والاستغاثة بهم والله سبحانه وتعالى يقول : وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ الإسراء: 23 ، وكذلك دعاء الموتى من الأنبياء والصالحين أو غيرهم للشفاعة أو للتخليص من الشدائد والله يقول : أَمَّنْ يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللهِ النمل: 62 وبعضهم يتخذ ذكر اسم الشيخ أو الولي عادته وديدنه إن قام وإن قعد وإن عثر وكلما وقع في ورطة أو مصيبة وكربة فهذا يقول يا محمد وهذا يقول يا علي وهذا يقول يا حسين وهذا يقول يا بدوي وهذا يقول يا جيلاني وهذا يقول يا شاذلي وهذا يقول يا رفاعي وهذا يدعو العيدروس وهذا يدعو السيدة زينب وذاك يدعو ابن علوان والله يقول : إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ الأعراف 194 0وبعض عباد القبور يطوفون بها ويستلمون أركانها ويتمسحون بها ويقبلون أعتابها ويعفرون وجوههم في تربتها ويسجدون لها إذا رأوها ويقفون أمامها خاشعين متذللين متضرعين سائلين مطالبهم وحاجاتهم من شفاء مريض أو حصول ولد أو تيسير حاجة وربما نادى صاحب القبر يا سيدي جئتك من بلد بعيد فلا تخيبني0 والله عز وجل يقول وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ الأحقاف : 5 وقال النبي : ( من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار) رواه البخاري وبعضهم يحلقون رؤوسهم عند القبور ، وعند بعضهم كتب بعناوين مثل : "مناسك حج المشاهد" ويقصدون بالمشاهد القبور وأضرحة الأولياء ، وبعضهم يعتقد أن الأولياء يتصرفون في الكون وأنهم يضرون وينفعون والله عز وجل يقول : وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يونس 107 وكذلك من الشرك النذر لغير الله كما يفعل الذين ينذرون الشموع والأنوار لأصحاب القبور 0
ــ ومن مظاهر الشرك الأكبر الذبح لغير الله والله يقول : فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ الكوثر: 2 أي انحر لله وعلى اسم الله وقال النبي : ( لعن الله من ذبح لغير الله ) رواه الإمام مسلم وقد يجتمع في الذبيحة محرمان وهما الذبح لغير الله والذبح على غير اسم الله وكلاهما مانع للأكل منها ، ومن ذبائح الجاهلية - الشائعة في عصرنا - " ذبائح الجن " وهي أنهم كانوا إذا اشتروا دارا أو بنوها أو حفروا بئرا ذبحوا عندها أو على عتبتها ذبيحة خوفا من أذى الجن 0
ــ ومن أمثلة الشرك الأكبر العظيمة الشائعة تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله أو اعتقاد أن أحدا يملك الحق في ذلك غير الله عز وجل ، أو التحاكم إلى المحاكم والقوانين الجاهلية عن رضا واختيار واعتقاد بجواز ذلك وقد ذكر الله عز وجل هذا الكفر الأكبر في قوله : اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ التوبة : 31 ولما سمع عدي بن حاتم نبي الله يتلوها قال : فقلت : إنهم لم يكونوا يعبدونهم قال : ( أجل ولكن يحلون لهم ما حرم الله فيستحلونه ويحرمون عليهم ما أحل الله فيحرمونه فتلك عبادتهم لهم ) رواه البيهقي وقد وصف الله المشركين بأنهم وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ التوبة : 29 وقال الله عز وجل : قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آَللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ يونس :59
ومن أنواع الشرك المنتشرة السحر والكهانة والعرافة : أما السحر فإنه كفر ومن السبع الكبائر الموبقات وهو يضر ولا ينفع قال الله تعالى عن تعلمه وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ البقرة :102 وقال سبحانه وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى طه: 69 والذي يتعاطى السحر كافر قال الله تعالى : وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى المَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ البقرة 102 وحكم الساحر القتل وكسبه حرام خبيث ، والجهال والظلمة وضعفاء الإيمان يذهبون إلى السحرة لعمل سحر يعتدون به على أشخاص أو ينتقمون منهم ومن الناس من يرتكب محرما بلجوئه إلى الساحر لفك السحر والواجب اللجوء إلى الله والاستشفاء بكلامه كالمعوذات وغيرها .
أما الكاهن والعراف فكلاهما كافر بالله العظيم لادعائهما معرفة الغيب ولا يعلم الغيب إلا الله وكثير من هؤلاء يستغفل السذج لأخذ أموالهم ويستعملون وسائل كثيرة من التخطيط في الرمل أو ضرب الودع أو قراءة الكف والفنجان أو كرة الكريستال والمرايا وغير ذلك وإذا صدقوا مرة كذبوا تسعا وتسعين مرة ولكن المغفلين لا يتذكرون إلا المرة التي صدق فيها هؤلاء الأفاكون فيذهبون إليهم لمعرفة المستقبل والسعادة والشقاوة في زواج أو تجارة والبحث عن المفقودات ونحو ذلك وحكم الذي يذهب إليهم إن كان مصدقا بما يقولون فهو كافر خارج عن الملة والدليل قوله : (من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ) رواه الإمام أحمد أما إن كان الذي يذهب إليهم غير مصدق بأنهم يعلمون الغيب ولكنه يذهب للتجربة ونحوها فإنه لا يكفر ولكن لا تقبل له صلاة أربعين يوما والدليل قوله : ( من أتى عرافا فسأله عن شئ لم تقبل له صلاة أربعين ليلة ) صحيح مسلم هذا مع وجوب الصلاة والتوبة عليه
ــ الاعتقاد في تأثير النجوم والكواكب في الحوادث وحياة الناس : عن زيد بن خالد الجهني قال : صلى لنا رسول الله صلاة الصبح بالحديبية ـ على أثر سماء كانت من الليلة ـ فلما انصرف أقبل على الناس فقال : (هل تدرون ماذا قال ربكم ؟ ) قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : ( أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ، فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب . وأما من قال بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي ومؤمن بالكوكب ) رواه البخاري . ومن ذلك اللجوء إلى أبراج الحظ في الجرائد والمجلات فإن اعتقد ما فيها من أثر النجوم والأفلاك فهو مشرك وإن قرأها للتسلية فهو عاص آثم لأنه لا يجوز التسلي بقراءة الشرك بالإضافة لما قد يلقي الشيطان في نفسه من الاعتقاد بها فتكون وسيلة للشرك . أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجنبنا وإياكم هذه الفواحش والآثام، وأن يرزقنا وإياكم الابتعاد عن هذه الكبائر والذنوب، ونسأله أن يسلمنا ويسلمكم من سائر أنواع الفحش والمعاصي وان يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه ونفعني وإياك بما فيه من الآيات والذكر الحكيم،واستغفر الله من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم 0
الخطبة الثانية :
الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وشرفنا باتباع محمد خير الأنام، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه. أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- وخذوا بأسباب صلاح القلوب، وراقبوا مولاكم علام الغيوب0
أيها المسلمون : ومن الشرك اعتقاد النفع في أشياء لم يجعلها الخالق عز وجل كذلك كما يعتقد بعضهم في التمائم والعزائم الشركية وأنواع من الخرز أو الودع أو الحلق المعدنية وغيرها بناء على إشارة الكاهن أو الساحر أو اعتقاد متوارث فيعلقونها في رقابهم أو على أولادهم لدفع العين بزعمهم أو يربطونها على أجسادهم أو يعلقونها في سياراتهم وبيوتهم أو يلبسون خواتم بأنواع من الفصوص يعتقدون فيها أمورا معينة من رفع البلاء أو دفعه وهذا لاشك ينافي التوكل على الله ولا يزيد الإنسان إلا وهنا وهو من التداوي بالحرام وهذه التمائم التي تعلق في كثير منها شرك جلي واستغاثة ببعض الجن والشياطين أو رسوم غامضة أو كتابات غير مفهومة وبعض المشعوذين يكتبون آيات من القرآن ويخلطونها بغيرها من الشرك وبعضهم يكتب آيات القرآن بالنجاسات أو بدم الحيض وتعليق كل ما تقدم أو ربطه حرام لقوله : ( من علق تميمة فقد أشرك ) رواه أحمد وفاعل ذلك إن اعتقد أن هذه الأشياء تنفع أو تضر من دون الله فهو مشرك شركا أكبر0وإن اعتقد أنها سبب للنفع أو الضرر ، والله لم يجعلها سببا ، فهو مشرك شركا أصغر وهذا يدخل في شرك الأسباب 0
ــ الرياء بالعبادات : من شروط العمل الصالح أن يكون خالصا من الرياء مقيدا بالسنة والذي يقوم بعبادة ليراه الناس فهو مشرك وعمله حابط كمن صلى ليراه الناس ، قال الله تعالى : إِنَّ المُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلًا النساء: 142 وكذلك إذا عمل العمل لينتقل خبره ويتسامع به الناس فقد وقع في الشرك وقد ورد الوعيد لمن يفعل ذلك كما جاء في حديث ابن عباس رضي اله عنهما مرفوعا : (من سمع سمع الله به ومن راءى راءى الله به ) رواه مسلم. ومن عمل عبادة قصد بها الله والناس فعمله حابط كما جاء في الحديث القدسي
أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ) رواه مسلم ومن ابتدأ العمل لله ثم طرأ عليه الرياء فإن كرهه وجاهده ودافعه صح عمله وإن استروح إليه وسكنت إليه نفسه فقد نص أكثر أهل العلم على بطلانه .
ــ الطيرة: وهي التشاؤم قال تعالى : فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ الأعراف : 131 وكانت العرب إذا أراد أحدهم أمرا كسفر وغيره أمسك بطائر ثم أرسله فإن ذهب يمينا تفاءل ومضى في أمره وإن ذهب شمالا تشاءم ورجع عما أراد وقد بين النبي حكم هذا العمل بقوله : ( الطيرة شرك ) رواه الإمام أحمد ومما يدخل في هذا الاعتقاد المحرم المنافي للتوحيد : التشاؤم بالشهور كترك النكاح في شهر صفر ، وبالأيام كاعتقاد أن آخر أربعاء من كل شهر يوم نحس مستمر أو الأرقام كالرقم 13 أو الأسماء أو أصحاب العاهات كما إذا ذهب ليفتح دكانه فرأى أعور في الطريق فتشاءم ورجع ونحو ذلك فهذا كله حرام ومن الشرك وقد برئ النبي من هؤلاء فعن عمران بن حصين مرفوعا : (ليس منا من تطير ولا تطير له ولا تكهن ولا تكهن له وأظنه قال : (أو سحر أو سحر له ) رواه الطبراني . ومن وقع في شئ من ذلك فكفارته ما جاء في حديث عبدالله بن عمرو قال قال رسول الله : ( من ردته الطيرة من حاجة فقد أشرك قالوا يا رسول الله ما كفارة ذلك قال أن يقول أحدهم : اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك ) رواه الإمام أحمد والتشاؤم من طبائع النفوس يقل ويكثر وأهم علاج له التوكل على الله عز وجل كما في قول ابن مسعود
وما منا إلا أي : إلا ويقع في نفسه شئ من ذلك ) ولكن الله يذهبه بالتوكل ) رواه أبو داود
ــ الحلف بغير الله تعالى : الله سبحانه وتعالى يقسم بما شاء من مخلوقاته وأما المخلوق فلا يجوز له أن يقسم بغير الله ومما يجري على ألسنة كثير من الناس الحلف بغير الله والحلف نوع من التعظيم لا يليق إلا بالله عن ابن عمر مرفوعا : ( ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت ) رواه البخاري.وعن ابن عمر مرفوعا : ( من حلف بغير الله فقد أشرك ) رواه الإمام أحمد. وقال النبي : ( من حلف بالأمانة فليس منا ) رواه أبو داود
فلا يجوز الحلف بالكعبة ولا بالأمانة ولا بالشرف ولا بالعون ولا ببركة فلان ولا بحياة فلان ولا بجاه النبي ولا بجاه الولي ولا بالآباء والأمهات ولا برأس الأولاد كل ذلك حرام ومن وقع في شيء من هذا فكفارته أن يقول لا إله إلا الله كما جاء في الحديث الصحيح : ( من حلف فقال في حلفه باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله .. ) رواه البخاري وعلى منوال هذا الباب أيضا عدد من الألفاظ الشركية والمحرمة التي يتفوه بها بعض المسلمين ومن أمثلتها : أعوذ بالله وبك ـ أنا متوكل على الله وعليك ـ هذا من الله ومنك ـ مالي إلا الله وأنت ـ الله لي في السماء وأنت لي في الأرض ـ لولا الله وفلان ـ أنا بريئ من الإسلام ـ يا خيبة الدهر ( وكذا كل عبارة فيها سب الدهر مثل هذا زمان سوء وهذه ساعة نحس والزمن غدار ونحو ذلك وذلك لأن سب الدهر يرجع على الله الذي خلق الدهر ) ـ شاءت الطبيعة ـ كل الأسماء المعبدة لغير الله كعبد المسيح وعبد النبي وعبد الرسول وعبد الحسين 0
جعلني وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين0
هذا وصلوا وسلموا على النبي المختار ، سيد الأبرار ، صادق الأخبار ، فقد أمركم الله بذلك الواحد القهار : ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ الأحزاب:56 اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا محمد، وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار.ماتعاقب الليل والنهار0 اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين، وأجعلنا في هذا البلد آمنين مطمئنين وسائربلاد المسلمين يارب العالمين0 اللهم أعزنا بالإسلام، وقوِّنا بالإيمان. اهدنا إلى صراطك المستقيم، واغفر لنا خطايانا يوم الدين. اللهم كن لكلِ من كان للإسلامِ نصيرا، اللهم كن لهم عونا، اللهم وأجعل عاقبةَ أمرِهم عزا للإسلامِ وظهورا للمسلمين، والحكمَ بشريعتِك، والتحاكمَ إلى كتابِك.اللهم من أرادَ بالإسلامِ والمسلمينَ بسؤ فأردد كيدَه في نحرِه، اللهم أجعل تدبيرَه تدميرَه.اللهم أقرَ أعيونَنا بعزِ الإسلامِ وظهورِ المسلمين حتى لا نرى رايةً هي أعلى من رايةِ لا إله إلا الله محمد رسولُ الله.اللهم أبرم لهذه الأمةِ أمرا رشدا يعزُ فيه أهلُ طاعتِك حتى لا يكونَ أحدُ أعزَ منهم، ويذلُ فيه أهلُ معصيتِك حتى لا يكونَ أحدُ أذل منهم.اللهم إنا نسألُك أن تجعل عاقبةَ كلِ دعوةٍ للإسلامِ عزا مبينا، ونصرا قريبا، يا من بيدِه كلُ شيء، يا من يجيرُ ولا يجارُ عليه، يا من إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون يا ربَ العالمين.اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وارنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ،اللهم آتي نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها ،أنت وليها ومولاها، وأنت على كل شيء قدير، اللهم ألبسنا لباس التقوى ، وألزمنا كلمة الحق والتقوى .واجعلنا من أولي النهى ، وأمتنا حين ترضى ، وأدخلنا جنة المأوى .واجعلنا ممّن بر واتقى ، وصدّق بالحسنى ، ونهى النفس عن الهوى .واجعلنا ممّن تيسّره لليسرى ، وتجنّبه العسرى .واجعلنا ممّن يتذكر فتنفعه الذكرى0 اللهم أصلح أئمتنا وولاةَ أمورنا، اللهم أهدي من وليتَه أمرنَا، اللهم أجعل ولايتَنا في من خافَك واتقاكَ واتبعَ رضاك يا ربَ العالمين ،اللهم بارك لنا في علمائنا وفي ولاة امرنا ،وفي مواطنينا واصلح ذات بيننا ،اللهم اجمع كلمتنا على الحق ،اللهم ألف بين قلوبنا ، اللهم ارحم ضعفاءنا وفقراءنا ،ومرضانا يارب العالمين ،اللهم انصر اخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان اللهم انصرهم في فلسطين وفي العراق وفي افغانستان وفي الصومال وفي سائر ديار المسلمين0 اللهم أنصرهم على أنفسهم اولا وعلى شهواتهم ثانيا وعلى أعداء الاسلام ثالثا اللهم اخرج اعداء الاسلام والمسلمين من بلاد المسلمين عاجلاً غير آجل اللهم لا ترفع لأعداء الاسلام في بلاد المسلمين راية ولا تحقق لهم فيها غاية يارب العالمين اللهم انصر الاسلام والمسلمين في كل مكان واقمع المشركين في كافة الأرض يارب العالمين انك سميع مجيب الدعوات 0
﴿ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ البقرة:201 ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ *وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ *وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ ﴾الصَّفات:180-182 ، وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون