الهدي .. أنواعه وأحكامه مفهوم الهدي:
الهدي لغة: ما أُهدي إلى مكة من النَّعَم وهو: من الإبل، والبقر، والغنم.
واصطلاحاً: هو ما ينقل للذبح من النعم إلى الحرم.[1]
وقيل: الهديُ هو ما يُهدَى تقرباً لله عز وجل إلى البيت الحرام من بهيمة الأنعام للنحر، أو الذبح داخل الحرم.[2]
أنواع الهدايا: عشرة أنواع:
النوع الأول: هدي المحصر: ويذبح في موضع الحصر على الصحيح قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "يذبح المحصر هديه في المكان الذي أحصر فيه سواء كان داخل الحرم أو خارجه، ويعطي للفقراء، فإن لم يكن هناك فقراء، وجب نقله إليهم"[3].
النوع الثاني: هدي التمتع والقران، وهو هدي نسك لا يذبح إلا في الحرم.
النوع الثالث: هدي جزاء الصيد.
النوع الرابع: هدي فدية الأذى.
النوع الخامس: ما وجب لترك واجب.
النوع السادس: هدي الإفساد وما في معناه أي إفساد الحج بالجماع.
النوع السابع: هدي الفوات وما في معناه.
النوع الثامن: الهدي المنذور في الذمة.
النوع التاسع: الهدي المعيَّن واجباً.
النوع العاشر: الهدي المعيَّن تطوعاً.
قال شيخ الإسلام: "وهذه كلها لا تذبح إلا بالحرم، وكل ما ذبح بالحرم فإنه لا يفرق إلا في الحرم للمساكين الذين به من المستوطنين والمقيمين والواردين وغيرهم"[4].
الهدي المنصوص عليه في القرآن أربعة دماء:
الدم الأول: دم الإحصار المنصوص عليه في قول الله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}.
الدم الثاني: دم جزاء الجزاء المنصوص عليه بقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ}.
الدم الثالث: دم فدية الأذى المذكور في قوله تعالى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}.
الدم الرابع: دم هدي التمتع والقران قال تعالى: {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}[5].
- الفرق بين هدي التمتع والقران، والهدي الواجب بفعل محظور أو ترك واجب:
"هدي التمتع والقران واجب وهو هدي شكر لله جل وعلا، وأما الآخر وهو الفِدْية في ترك واجب أو فعل محظور فهو هدي جُبْران.
فهدي الشكر لله جل وعلا له حكم الأضاحي ... يعني المتمتِّع له أن يأكل من هديه، وله أن يتصدق، وكذلك القارن له أن يأكل من هديه ويُهدي، وكذلك يجب عليه أن يتصدق بما يطعم به مسكيناً لقول الله جل وعلا: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ}، وأما هدي الجبران فيعني الفدية من ترك واجباً من واجبات الحج فإنه يجبر بدم لقول ابن عباس: "من ترك نسكاً فعليه دم"[6] فهذا دم جبران واجب لا يأكل منه ولا يهدي؛ بل يجب للمساكين لأنه دم جبران لا دم شكر"[7].
أحكام هدي التمتع والقران:
- شروط وجوب هدي المتمتع والقارن على النحو الآتي:
الشرط الأول: أن يعتمر في أشهر الحج، فإن اعتمر في غيرها لم يلزمه دم؛ لأنه لم يجمع بين النسكين في أشهر الحج، فلم يلزمه دم كالمفرد.
الشرط الثاني: أن يحج في نفس تلك السنة التي اعتمر في أشهر الحج منها، أما إذا كان حجه في سنة أخرى فلا دم عليه.
الشرط الثالث: أن لا يعود إلى بلده أو ما يماثله في المسافة، والأحوط أن يهدي حتى ولو رجع إلى بلاده أو سافر؛ لعدم صراحة الآية {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} فإن منهم من قال: إن سافر بعد العمرة زال السبب فسقط الدم، ومنهم من قال: إن الإشارة راجعة إلى حكم التمتع وهو لزوم الدم.
فالأحوط الهدي مطلقاً وهو اختيار العلامة محمد الأمين الشنقيطي.[8]
الشرط الرابع: أن يكون من غير حاضري المسجد الحرام، فأما إن كان من حاضري المسجد الحرام فلا دم عليه لقول الله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} قال الشنقيطي رحمه الله: "وأظهر أقوال أهل العلم عندي في المراد بحاضري المسجد الحرام: أنهم أهل الحرم، ومن بينه وبينه مسافة لا تقصر فيها الصلاة، لأن المسجد الحرام قد يطلق كثيراً ويراد به الحرم كله، ومن على مسافة دون مسافة القصر"[9]، وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: "اختلف أهل العلم في المعني بـ((حاضري المسجد الحرام))، والراجح: أنهم أهل الحرم"[10].
الشرط الخامس: أن يحلَّ من العمرة قبل إحرامه بالحج، فإن أحرم بالحج قبل حلِّه منها صار قارناً كما وقع لعائشة رضي الله عنها في حجة الوداع على التحقيق، وعليه الهدي للقران أيضاً؛ لأنه تمتع.[11]
ما يجزي في هدي التمتع والقران:
قال الشنقيطي رحمه الله: "أما ما يجزئ فيه فالتحقيق أنه ما تيسر من الهدي، وأقله شاة تجزئ ضحية، وأعلاه: بدنة، وأوسطه: بقرة، والتحقيق: أن سبع بدنة أو بقرة يكفي، فلو اشترك سبعة من المتمتعين في بدنة أو بقرة وذبحوها أجزأت عنهم للنصوص الصحيحة الدالة على ذلك كحديث جابر الثابت في الصحيح قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بدنة. رواه مسلم (1213)"[12]
- وقت ذبح الهدي:
أول وقت نحر الهدي: "هو يوم النحر على الصحيح[13]، فلا يجوز نحر الهدي أو ذبحه قبل يوم النحر؛ لأدلة واضحة، وأحاديث كثيرة صحيحة صريحة تدل على أن أول وقت النحر هو يوم النحر؛ ومنها: لم ينحر النبي صلى الله عليه وسلم هديه إلا يوم النحر بعد رمي جمرة العقبة؛ فإنه كان قارناً صلى الله عليه وسلم ... وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((لتأخذوا عني مناسككم)) رواه مسلم بنحوه (1297)... ولم ينحر عن أحد من أزواجه صلى الله عليه وسلم إلا بعد رمي جمرة العقبة، وهذا لا شك فيه ولا ريب، وقد كانت أزواجه كلهن متمتعات إلا ما كان من عائشة رضي الله عنها فإنها كانت قارنة... جرى عمل الخلفاء الراشدين، والمهاجرين، والأنصار، وجميع الصحابة كلهم أجمعوا على هذا، فلم ينقل عن واحد منهم: أنه نحر هدي تمتعه أو قرانه قبل يوم النحر البتة"[14].
قال العلامة الشنقيطي رحمه الله: "وبه تعلم أن ذبحه صلى الله عليه وسلم هديه يوم النحر وهو قارن، وذبحه عن أزواجه يوم النحر وهن متمتعات، وعن عائشة وهي قارنة؛ فعل مبين لنص واجب فهو واجب، ولا تجوز مخالفته في نوع الفعل، ولا في زمانه، ولا في مكانه إلا فيما أخرجه دليل خاص كغير المكان الذي ذبح فيه من منى، لأنه بيَّن أن منى كلها منحر، ولم يبين أن الزمن كله وقت نحر"[15].
وهذا هو اختيار الشيخ ابن باز رحمه الله حيث قال: "من ذبح هديه قبل يوم النحر فإنه لا يجزئه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يذبحوا إلا أيام النحر، ولو كان الذبح جائزاً قبل يوم النحر لبيَّن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ولو بينه لنقله أصحابه رضي الله عنهم"[16]، وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "والصحيح أنه يشترط الزمان، وأن هدي التمتع لا بد أن يكون في أيام الذبح يوم العيد، وثلاثة أيام بعده"[17].
آخر وقت نحر الهدي:
غروب شمس اليوم الثالث عشر من أيام التشريق على الصحيح، وهو اختيار الشيخ ابن باز رحمه الله حيث قال: "يجوز تأخير ذبح الهدي إلى اليوم الثالث عشر؛ لأن أيام التشريق كلها أيام أكل وشرب وذبح، والأفضل تقديمه يوم العيد"[18]، وكذا الشيخ ابن عثيمين رحمه الله[19].
مكان ذبح الهدي:
موطن الذبح هو منى كلها فعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((نحرت ها هنا ومنى كلها منحر فانحروا فى رحالكم)) رواه مسلم (3011) قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "من ذبح هديه خارج الحرم كعرفات وجدة لم يجزئه ولو وزعه في الحرم، وعليه قضاؤه سواء كان عالماً أو جاهلاً"[20].
استحباب بعث الهدي وتقليده:
يستحب بعث الهدي إلى الحرم لمن لا يريد الذهاب بنفسه، وتقليده، وفتل القلائد، ولا يصير باعثه محرماً، ولا يحرم عليه شيء بذلك فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهدي من المدينة، فأفتل قلائد هديه ثم لا يجتنب شيئاً مما يجتنبه المحرم" رواه البخاري (1698)، وعنها أيضاً قالت: "فتلت قلائد هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أشعرها، وقلَّدها، أو قلدتها، ثم بعث بها إلى البيت، وأقام بالمدينة فما حرم عليه شيء كان له حل" رواه البخاري (1699).
استحباب إشعار الهدي:
يستحب إشعار الهدي من الإبل والبقر وهو أن يطعن في أحد جانبي سنام البعير حتى يسيل دمها ليعرف أنها هدى، والدليل على ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أشعر الهدي في السنام الأيمن، وأماط عنه الدم[21]، وأما الغنم فلا يشرع إشعارها قال ابن قدامة: "وأما الغنم فلا يسن أشعارها لأنها ضعيفة، وصوفها وشعرها يستر موضع اشعارها"[22].
ما يفعل بالهدي إذا عطب في الطريق:
عن موسى بن سلمة الهذلي قال: "انطلقت أنا وسنان بن سلمة معتمرين قال: وانطلق سنان معه ببدنة يسوقها، فأزحفت عليه بالطريق، فعيَّ بشأنها إن هي أبدعت كيف يأتي بها، فقال: لئن قدمت البلد لأستحفين عن ذلك، قال: فأضحيت، فلما نزلنا البطحاء قال: انطلق إلى ابن عباس نتحدث إليه، قال: فذكر له شأن بدنته فقال: على الخبير سقطت، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بست عشرة بدنة مع رجل، وأمره فيها، قال: فمضى ثم رجع فقال: يا رسول الله كيف أصنع بما أبدع علي منها؟ قال: ((انحرها، ثم أصبغ نعليها في دمها، ثم اجعله على صفحتها، ولا تأكل منها أنت ولا أحد من أهل رفقتك)) رواه مسلم (1325).
الأكل من الهدي:
قال العلامة الشنقيطي رحمه الله بعد ذكره للخلاف في هذه المسألة: "الذي يرجحه الدليل في هذه المسألة: هو جواز الأكل من هدي التطوع وهدي التمتع والقران دون غير ذلك، والأكل من هدي التطوع لا خلاف فيه بين العلماء بعد بلوغه محله، وإنما خلافهم في استحباب الأكل منه، أو وجوبه، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه في الأحاديث الصحيحة في حجة الوداع "أنه أهدى مائة من الإبل"، ومعلوم أن ما زاد على الواحدة منها تطوع، وقد أكل منها وشرب من مرقها جميعاً، وأما الدليل على الأكل من هدي التمتع والقران فهو ما قدمنا مما ثبت في الصحيح أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ذبح عنهن صلى الله عليه وسلم بقراً، ودخل عليهن بلحمه وهن متمتعات، وعائشة منهن قارنة، وقد أكلن جميعاً مما ذبح عنهن في تمتعهن وقرانهن بأمره صلى الله عليه وسلم، وهو نص صحيح صريح في جواز الأكل من هدي التمتع والقران، أما غير ما ذكرنا من الدماء فلم يقم دليل يجب الرجوع إليه على الأكل منه، ولا يتحقق دخوله في عموم {فَكُلُواْ مِنْهَا} لأنه لترك واجب أو فعل محظور، فهو بالكفارات أشبه، وعدم الأكل منه أظهر وأحوط، والعلم عند الله تعالى"[23].
إخراج قيمة الهدي:
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "لا يجوز إخراج قيمة الهدي، وإنما الواجب ذبحه، والقول بجواز إخراج القيمة تشريع جديد ومنكر قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ}"[24]
شروط الهدي:
الشرط الأول: أن تكون ملكاً للمهدي أو مأذوناً له فيها من قبل الشرع أو من قبل المالك; فلا تصح بما لا يملكه كالمغصوب والمسروق، والمأخوذ بدعوى باطلة ونحوه, لأنه لا يجوز التقرب إلى الله بمعصيته.
الشرط الثاني: أن يكون الهدي من الجنس الذي عيَّنه الشارع وهو بهيمة الأنعام.
الشرط الثالث: أن يبلغ الهدي السن المعتبره شرعاً: وذلك بأن تكون جذعة من الضأن, أو ثنية من غيره لحديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن)) رواه مسلم (1963), والمسنة: الثنية فما فوقها, والجذعة: ما دون ذلك, فالثني من الإبل: ما له خمس سنين, والثني من البقر: ما له سنتان, والثني من الغنم ما له سنة, والجذع: ما له نصف سنة; فلا تصح التضحية بما دون الثني من الإبل والبقر والمعز، ولا بما دون الجذع من الضأن.
الشرط الرابع: أن تكون خالية من العيوب المانعة من الإجزاء: والعيوب المانعة هي أربعة كما في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدي أقصر من يده فقال: ((أربع لا يجزن: العوراء البيِّن عورها، والمريضة البيِّن مرضها، والعرجاء البيِّن ظلعها، والكسيرة التي لا تنقى))[25]، وذكر العلماء عيوباً أخرى منها ما هو أشد مما ذكر في الحديث كالعمياء ومقطوعة الرجل.
والله أعلم، الحمد لله رب العالمين.