تدوين القرآن الكريم المصريون
د. محمد عمارة | 12-10-2010 00:58
في التراث الإسلامي تخلقت حول القرآن الكريم مجموعة من العلوم الشرعية عرفت "بعلوم القرآن" اختصت بفنون خدمة هذا الوحي الذي حفظه الله. ولقد تحدثت كتب علوم القرآن -وكذلك المصادر الأصلية التي أرخت المجتمع النبوة وشئون الوحي القرآني- تحدثت عن "العناية" و"النظام والتنظيم" اللذين حظي بهما القرآن الكريم فى التدوين والتوثيق.. وكيف حققت هذه العناية الفريدة -في بابها وعصرها- وهذا "النظام والتنظيم" للقرآن الكريم تجسيد الوعد الإلهي بحفظ هذا الذكر الحكيم (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) الحجر: 9.. وعن هذه الحقيقة جاء في مصادر علوم القرآن ومنها كتابة "الإتقان في علوم القرآن" للإمام السيوطي (849 -911هـ 1445-1505م). أخرج أبودود عن طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال "كانوا يكتبون ذلك. ( القرآن) - في الصحف والألواح والعسُب (جريد النخل كشط خوصه) يكتبونه بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام وقال الحارث المحاسبي (165-243هـ -781-857 م) وهو الذي جمع بين السلفية والصوفية والعقلانية قال في كتابه (فهم السنن) إن كتابة القرآن ليست بمحدثة، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يأمرهم بكتابته". وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال عثمان: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تنزل عليه السورة ذات العدد فكان إذا أنزل عليه شيء دعا بعض من كان يكتب فيقول ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا". هكذا هيأ الله -سبحانه وتعالى- لهذا الوحي القرآني المعجز الأسباب التي حققت له الحفظ الإلهي.. فكان تدوينه يحدث فور نزوله، وكان ترتيب الآيات والسور يتم فور حدوث الوحي بهذه الآيات.. مع حفظه في الصدور، وتأكيد هذا الحفظ بالتلاوة -التي هي عبادة- آناء الليل وأطراف النهار، من قبل الأمة جمعاء كاتبين وأميين. وعن هذه الحقيقة الفريدة من حقائق العناية بتدوين القرآن وترتيبه -بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم- سجلت المصادر الأصلية التي أرخت لمجتمع النبوة ودولتها، وفي مقدمتها كتاب عبد الحي الكتاني في نظام الحكومة النبوية المسمى "التراتيب الإدارية" تحدثت عن أنه قد كان هناك جهاز كامل وكبير وهو أشبه ما يكون "بديوان الكُتاب" قد تخصص في القيام على تدوين القرآن الكريم في أدوات التدوين المتاحة يومئذ -الصحف.. والألواح والعسُب- "أي جريد النخل الذي أزيل منه الخوص"، وكيف ضم هذا الديوان "ثمانية وعشرين كاتبا لتدوين القرآن" من بين الاثنين والأربعين كاتبا الذين تخصصوا للكتابة في دولة النبوة بالمدينة المنورة. ولقد بلغت العناية بتدوين القرآن الكريم ونزول آياته الذي ضخت فيه هيئة هذا الديوان للكُتاب قيادات المجتمع النبوي من السابقين إلى الإسلام والذين أقاموا الدين وأسسوا الدولة ووضعوا أسس حضارة الإسلام.. أي أن ديوان كُتاب تدوين القرآن الكريم لم يتكون فقط ممن يحسنون الكتابة والقراءة وإنما ضم قادة الدين والدولة والأمة في ذلك التاريخ.. ويكفي أن نشير إلى أن من بين كتاب الوحي الخلفاء الراشدون.. والزبير بن العوام وزيد بن ثابت وأبي بن كعب وحنظلة بن الربيع.. وخالد بن سعيد بن العاص وعبد الله بن رواحه.. ومعاوية بن أبى سفيان.. وخالد بن الوليد.. وعمرو بن العاص.. وغيرهم من الكُتاب القادة، نعم لقد كتب هذا القرآن ودونه قادة الأمة، ولم يكونوا مجرد كتاب لدى قيادة هذه الأمة !