منذ أن تفتح عينيك لتصحو حتى تغلقهما لتنام لا تعلق همتك بأمر من الأمور الدون
لا تنم على غلّ و لا تصحَ على شهوة و لا تسع إلى طمع و لا تسابق إلى سلطة و إنما اجعل همك و اهتمامك في الخير و البر و الحق و الصدق، و المروءة و المعونة قاصدا وجه ربك على الدوام
حاول أن يكون فعلك مطابقاً لقولك، و سلوكك مطابقاً لدعوتك.. فإذا غلبتك بشريتك و هزمك هواك في لحظة.. لا تيأس و إنما استنجد و استصرخ ربك.. و قل : الغوث يارب.. يقل لك لبيك عبدي و يخرجك بيده من ظلمة نفسك إلى نور حضرته
فإنك إن كنت أحد عمّال الله في الأرض و أحد سفرائه إلى قلوب الناس.. فإنه سوف يرحمك إذا أخطأت و يغفر لك إذا أسأت و يعيدك إلى الطريق إذا انحرفت.. و سوف يرعاك و يتولاك لأنك من جنده و حاشيته و خاصته
و لا تيأس مهما بلغت أوزارك و لا تقنط مهما بلغت خطاياك.. فما جعل الله التوبة إلا للخطاة و ما أرسل الأنبياء إلا للضالين و ما جعل المغفرة إلا للمذنبين و ما سمى نفسه الغفار التواب العفو الكريم إلا من أجل أنك تخطئ فيغفر
جدد استغفارك كل لحظة تجدد معرفتك و تجدد العهد بينك و بين ربك و تصل ما انقطع بغفلتك
و اعلم أن الله لا يمل دعاء الداعين.. و أنه يحب السائلين الطالبين الضارعين الرافعي الأكف على بابه.. و إنما يمقت الله المتكبر المستغني المختال المعجب بنفسه الذي يظن أنه استوفى الطاعة و بلغ غاية التقوى و قارب الكمال.. ذلك الذي يكلم الناس من عل و يصافحهم بأطراف الأنامل
ثم بعد التوبة و الاستغفار و التخلي عن الذنوب و التبرؤ من الحول و الطول.. يأتي التحبب و التقرب و التخلق و التحقق
حاول أن تتحلى بأخلاق سيدك.. فإذا كان هو الكريم الحليم الصبور الشكور العفو الغفور.. فحاول أن يكون لك من هذه الصفات نصيب
فإذا غالبتك نفسك الأمارة.. اسجد و ابك و تضرع و توسل.. و قل بين دموعك:
يا من عطفت على الطين فنفخت فيه من جمالك و كمالك
يا من أخرجت النور من الظلمة
يا من تكرمت على العدم
أخرجني من كثافتي و حررني من طينتي و خلصني من ظلمتي و قوني على ضعفي و أعني على نفسي.. فلا أحد سواك يستطيع أن يفعل هذا.. أنت يا صانعي بيديك
ثم يقول سادتنا الأكابر :
إن الجهاد يطول فلا تتعجل الثمر.. فكلما عظمت الأهداف طال الطريق.. فلا تبرح الباب.. و أطل السجود.. و أدم البكاء.. فإنك لا تطلب نيشاناً أو جائزة و إنما تطلب وجه صاحب العرش العظيم
تطلب رب السماوات.
تطلب العزيز الذي لا يرام
و ذلك مطلب لا يبلغه طالب إلا بعد أن يبتلى و يمتحن و يتحقق إخلاصه.. و يشهد الملائكة منزلته و يرى الملأ الأعلى بينته
فكيف يصحب الملائكة المقربين إلا النفر الكرام الذين تخلقوا بأخلاقهم
و كيف تصعد إلى السماوات إلا بعد أن تلقي بمتاعك الأرضي و أثقالك.. ثم تلقي بنفسك الحيوانية من حالق.. ثم تلقي بغرورك و أنانيتك و شهواتك و أطماعك.. و تتجرد من دواعي بشريتك.. و تعود كما خلقك الله نوراً من نوره
حينئذ تبلغ الحرية حقاً.. و تشاكل الأبرار و الشهداء و القديسين و الملائكة
و ذلك معراج يحتاج إلى عمر بطوله و إلى زاد من التقوى و المحبة و الطاعة و صبر على البلاء و لا يقدر على هذا إلا آحاد
و لهذا خلقت الجنة
و لهذا كانت الأكثرية ترتع في النار من الآن
د مصطفـى محمـــود
أناشيد الإثم و البراءة