الشوق والحنين إلي البيت الحرام وزيارة سيد المرسلين بقلم الداعية الشيخ : أحمد عبداللطيف الكلحي إمام وخطيب بأوقاف قنا الشوق والحنين إلي البيت الحرام وزيارة سيد المرسلين
بقلم الداعية الشيخ : أحمد عبداللطيف الكلحي
إمام وخطيب بأوقاف قنا
ان رحلة الحج رحلة مباركة رحلة في سبيل الله. وهجرة إلي الله وإلي رسوله ـ صلي الله عليه وسلم ـ فهي متعه للنفس. وصفاء للقلوب. وتهذيب للروح. وتقويم للخلق وشفاء للأبدان وسعه في الرزق والأفهام وبها تتم أركان الإسلام وتكمل بها قواعد الإيمان. فالرحلة إلي الحج يتمناها كل مسلم ومسلمة إذا كانا يستطيعان ولا يفوز بها إلا صاحب القلب السليم الذي يهاجر بقلبه إلي الرحمن الرحيم هذه الرحلة التي لها تخشع القلوب وتخضع النفوس وتدمع العيون لأن الحاج يتوجه إلي أعظم بقعة في العالم فالكلام لا يستطيع أن يعبر عما يشاهده الحاج في رحلة الشوق والحنين إلي بيت الله وإلي روضة سيد المرسلين فهذه الرحلة التي جعلها الله من أركان الاسلام آرادها الله للمسلم أن يسمو بها وبها يتطهر من دنس الذنوب وإكدار الخطايا فهي رحلة روحية إلي البقاع الطاهرة التي شهدت اتصال السماء بالأرض وهي مهبط الوحي منذ نزول آدم فإن اتصال النفوس بمواطن الرسالات مما يتجدد به الإيمان ويزداد المؤمن به ثباتاً وإيماناً.
وأقول لك أيها الزائر إلي هذه البقاع ستري بعينك البلد الذي درج فيه النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ وانبعثت منه أصوات الحق بالتوحيد واستمر بذاكرتك أيام الاسلام الاولي التي صمد فيها النبي وحدة أمام الكفار وسار في طرق الدعوة صادحاً بأمر ربه فتحمل متاعب الحياة القاسية واضطهاد قومه وخذلان عشيرته له وكيف تم النصر له في النهاية بالفتح المبين وكيف دخل الناس في دين الله أفواجاً. وتتذكر كيف ارتفع علي الكعبة علم التوحيد وأصبح البلد الذي كان مهداً للشرك واضحي بعد ذلك مثابة للناس وأمناً.
إن هذه الأحاسيس ستحملك ان كنت صادقاً علي التخلق بالاخلاق التي كان يتحلي بها نبيك ـ صلي الله عليه وسلم ـ ستشاهد أيها الحاج آثاراً ومشاهد كان للإسلام فيها صولة وكان للمسلمين فيها جولة وكان للتاريخ فيها عبرة وستنتقل بين ربوعها من ذكري إلي ذكري تملأ نفسك وروحك يقيناً وقوي فالحج مظهر انساني اجتماعي الحج دين ودنيا وسياسة واجتماع.
فلو لم يكن في الاسلام حج مفروض لكان في التشريع نقص اجتماعي لشئ تحتاجه الحياة الانسانية.
فإن الدنيا بحاجة قصوي إلي تنظيم يوثق صلة الناسب بربهم وذلك هو الدين بوجه عام. والدنيا بحاجة قصوي كذلك إلي تنسيق يؤلف بين القلوب ويجمع الاشتات إلي بعضها ولو من حين إلي حين... وذلك التنسيق هو نك الحج في كل عام.
وستبدو لك حكمة الله جلية في تأخير فريضة الحج عن بقية أركان الاسلام الخمسة فان الشهادتين أول ركن ينعقد به إسلام المرء.. وهما مفتتح الطريق وباكورة التدين بدين الوحيد.
ومن بعدها الصلاة.. وقد شرعت ليلة الاسراء والمعراج قبل الهجرة إلي المدينة بزمن اختلفوا في تقديرة ما بين ستة أشهر أو سنة ونصف سنة. ووتحديد هذا الزمن غير جوهري في فريضة الصلاة.
ثم كانت الزكاة ركناً ثالثاً ومما قيل فيها أنها شرعت في السنة الثانية من الهجرة ويقال ان فرضيتها كانت في السنة الرابعة ورأي ثالث بأن الزكاة شرعت في مكة قبل الهجرة ثم بين تفصيلها بعد الهجرة وكل ذلك جائز ولا غضاضة في احتماله.
والركن الرابع هو صوم شهر رمضان واجمع الائمة علي أن تشريعه كان في السنة الثانية من الهجرة.
أما الحج وهو موضوعنا فكان تشريعه علي أرجح الأقوال سنة تسع من هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام ومما روي في شأنه أنه شرع سنة ست من الهجرة أو سنة خمس منه والأصح المشهور انه كان في السنة التاسعة.
2ـ وعلي أي احتمال من هذه الروايات فالحج آخر الأركان في فرضيته علينا وحينما أوحي الله إلي النبي بأية الحج التي معنا: ارسل علي أمارة الحج ابا بكر رضي الله عنه.
ولم يكن النبي علي رأس الحجيج في هذه السنة لحكمة هي الانتظار إلي عام قادم ثم عقب خروج الحجاج نزل علي الرسول قول الله تعالي "يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس.. فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا...".
فارسل النبي من فوره علي بن أبي طالب إلي أبي بكر في مكة رضي الله عنهما فأبلغه ما نزل في شأن المشركين ليعلن ذلك أبو بكر في عرفات علي مسمع من الحجيج وفيهم من كان من المشركين حاجاً علي نحو ما كان من التقاليد السالفة فأصبح الحج منذ اليوم طاهرا من عبادة الأصنام.. وصارت مناسك الحج كلها منجوه من لوثات الشرك والمشركين وكان ذلك بجانب ما فيه من تشريع كان تمهيداً لخروج النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ في موسم لا يندمج فيه غير مسلم ولا يلتحق فيه كافر يشرف النسك مع رسول الله.
ومن أجل ذلك خرج إلي الحج صلوات الله عليه في السنة العاشرة من الهجرة. ويشاء ربك سبحانه أن تكون حجته حجة الوداع فهي الأولي وهي الأخيرة وفيها نزل عليه بعرفات قول الله عز شأنه "اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام ديناً" المائدة آية "3".