متي تصان كرامتنا في الغربة ؟ ـ الشيخ سعد الفقي متي تصان كرامتنا في الغربة؟ ـ الشيخ سعد الفقي
المصريون
الشيخ سعد الفقي | 21-06-2006 15:12
أصابني الحزن والأسى وأنا أطالع إحدى الجرائد اليومية وهي تحكي عن مأساة ثلاثة من الشبان المصريين قهرتهم الظروف مثل كثيرين غيرهم واستكثرت عليهم الدنيا أن ينعموا بحياة كريمة وسط ذويهم فقرروا الفرار من واقعهم المرير إلى المجهول وهو هذه المرة خارج حدود الوطن.. ربما يجدون الاستقرار والأمن.. لكن يبدو أن من كتب على جبينه الشقاء لن يسعفه قطع الأميال واجتياز الحدود وتبديل الأوطان. فأمثال هؤلاء تجرعوا المآسي في حياتهم وحتى يقضي الله أمرا كان مفعولا وقد يتحولون إلى مجرد أرقام في سجل البأسين القانطين وربما يكون مصيرهم الموت وإن كانوا أحياء يمشون على الأرض.. عندها فقط ننتبه أن هناك أدميا كان يعاني بيننا ويتألم ولكن بالتأكيد يكون ذلك بعد فوات الأوان.. وقد لا يملك الواحد منا إزاء هذه المأسي الإنسانية إلا أن يردد ما قاله أحد شعرائنا (إن الأشقياء في الدنيا كثيرون وليس في استطاعة بائس مثلي أن يمحو شيئا من شقائهم وخاصة إذا كانت حصته من الشقاء لا تقل عن نصيب هؤلاء التعساء) وعندما يعجز المرء منا أمام مأساة كهذه لا يملك إلا صوته وربما قلمه ليجاهر بصرخة مدوية تخترق الحجب لتصل إلى كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.. الشبان الثلاثة وغيرهم كثير لا نعلمهم الله وحده أعلم بما يعاونون من قهر نفسي ومعنوي.. تمردت عليهم الشركة الخليجية التي كانوا يعملون بها.. فأهدرت حقوقهم التي تاهت وضاعت أمام طغيان الكفيل وجبروته.. والمؤسف أنها ترفض عودتهم إلى ديارهم إن تنازلوا عن كافة حقوقهم والمنكوبون الثلاثة سددت في وجوههم جميع الأبواب ولجنوا إلى سفارتنا وطلبوا مقابلة السفير ولكن موظفي السفارة كما قالوا لم يسمحوا لهم بمقابلة صاحب الفخامة والجلالة ولك أن تعجب: كيف يحدث ذلك في سفارة والمفترض أنها بيتهم في الغربة. لقد ظن هؤلاء المغلوب على أمرهم وبعض الظن إثم أن الوضع في سفارة بلدهم ربما يكون مختلفا عما حدث معهم من أرباب الشركة وأن الأبواب حتما ستفتح أمامهم ولن تعوقهم تلك التعقيدات الروتينية التي كانت سببا في فرارهم وهجرهم عندما كانوا يترددون على أعتاب السادة المسئولين. الشبان الثلاثة ما زالوا يعانون الأمرين ونحن هنا ما زلنا نتبارى بالمواطنة وما لها من حقوق.. ولا ندري أين هذه الحقوق: هل هي في تركهم دون راع وإن جلبوا لنا الدولارات والريالات أم هي غلق أبواب العمل أمام وجوههم مما أعجزهم عن الوفاء بمتطلبات حياتهم.. فكان مصيرهم الإجبار على الهجرة فقد ذهبوا كرها.. ولك أن تبحث في مدلول هذه الكلمة الثقيلة على النفس. العالم من حولنا يتغير ونحن ما زلنا نقبع في نفس الخندق الضيق العفن المتمثل في تجاهل ونكران أبسط حقوق الإنسان. والثمرة أننا أصبحنا بلا منافس في ذيل القافلة الإنسانية. الموطن المهدر أدميته على أيدي سادتنا إن كانوا لا يعلمون هو ثروتنا الحقيقية عندما تنزل بنا النوائب وهو وقود تقدمنا وهو المحرك الرئيسي لنهضتنا التي نتطلع إليها. دولة لا تخدم مواطنيها ولا تصان كرامتهم أينما وجدوا محكوم عليهم بالحرمان الأبدي من التقدم وهل يحق لنا نتشوق إلى الغد ونحن نترك أبنائنا لعوامل الدهر وإن وصل بهم الحال أن يطلبوا التنازل عن حقوقهم في مقابل السماح لهم بالعودة إلى ديارهم؟؟