السنهوري.. إمام الفقه والقانون للدكتور محمد عماره د. محمد عمارة | 13-12-2010 23:43
كثيرون هم الذين يعرفون الدكتور عبد الرازق السنهوري باشا ( 1313-1391هـ 1895 -1971م)، إنه الفقيه الدستوري، وواضع وشارع القانون الذي صاغ المعلومات الدستورية والقانونية لكثير من الدول العربية.. لكن الكثيرين لا يعرفون الوجه الإسلامي للسنهوري؛ فقيه الشريعة الإسلامية، وإمام الفقه الإسلامي، وداعية النهضة الشرقية بالإسلام.. وإلا فمن يعلم أن السنهوري باشا هو القائل:
"يقول الشرق لأبنائه إن نهضتي هي نهضة دين، ودول الشرق لا يمكن أن تجتمع على شيء واحد، غير دين الإسلام.. ولقد كنت أحلم صغيرًا بالجامعة الإسلامية.. وكلما تقدمت في السن ازداد إيماني وتعلقي بقيام الشرق الإسلامي.. وجمعية أمم شرقية إلى جانب جمعية الأمم الغربية.. الشرق بالإسلام، والإسلام بالشرق.. إنهما شيء واحد، وإذا تحدثت عن أحدهما فكأنني أتحدث عن الآخر.. والشريعة الإسلامية هي شريعة الشرق، ممتزجة من روح الشرق وضميره، أوحى بها الله إلى عبد شرقي في أرض شرقية..
والإسلام دين ودولة.. هو دولة إلى جانب الدين، ومُلك إلى جانب الشعائر.. إنه دين الأرض كما هو دين السماء.. ولقد وضع نبي الإسلام ـ صلى الله عليه وسلم ـ قواعد الحياة الاجتماعية والحياة السياسية، وأسس دولة إلى جانب دين.. وأقام الوحدة الدينية للأمة العربية، والوحدة السياسية للجزيرة العربية، فهو مؤسس الحكومة الإسلامية، كما أنه نبي المسلمين.
وأريد أن يعرف العالم: أن الإسلام دين ومدنية، وأن المدنية الإسلامية أكثر تهذيبًا من المدنية الأوروبية، والرابطة الإسلامية يجب أن تفهم بمعنى المدنية الإسلامية وأساس هذه الرابطة الشريعة الإسلامية.. وعلى الذين يقولون: إن على بلادنا أن تنظر إلى المدنيات الغربية فتختار من كلًّ أحسنه، أن يدركوا ضعف هذا الرأي الذي ينسى أصحابه أن لبلادنا مدنية إسلامية أصيلة.. وليست هي البلاد الطفيلية التي ترقّع لها ثوبًا من فضلات الأقمشة التي يقليها الخياطون!..
لقد أعطى الإسلام للعالم شريعة هي أرسخ الشرائع ثباتًا.. شريعة تفوق في كثير من تفصيلاتها الشرائع الأوروبية.. وهي ـ في نظر المنصفين ـ من أرقى النظم القانونية فى العالم.. وصالحة لأن تكون دعامة من دعائم القانون المقارن.. وإن استناد تشريعنا المعاصر من مصدر الشرعية الإسلامية هو الذي يتفق مع تقاليدنا القانونية ويستقيم مع النظر الصحيح.. وإذا كان لنا هذا التراث العظيم، فكيف يجوز لنا أن نفرط فيه؟!.. إنها شريعة مرنة، صالحة لأن تلبس لباس الزمن الذي تسيس فيه.. أنها شريعة الشرق، ووحي أحكامه.. وفيها من العناصر التي لو تولتها الصياغة فأحسنت صياغتها اصطنعت منها نظريات ومبادئ لا تقل فى الرقي والشمول وفي مسايرة التطور عن أخطر النظريات الفقهية التي نتبناها اليوم عن الفقه الغربي الحديث.. إنها تراثنا التشريعي، الذي إذا وطأنا أكنافه، وعبّدنا سبله، كان لنا هذا التراث الجليل ما ينفخ روح الاستقلال في فقهما وفي قضائنا وفي تشريعنا، ثم لأشرفنا نطالع العالم بهذا النور الجديد، فتضئ به جانبًا من جوانب الثقافة العالمية في القانون..
إن الكتاب والسنة هما المصادر العليا للفقه الإسلامي، فيها المبادئ العامة التي ترسم للفقه اتجاهاته، دون أن تكون هي الفقه ذاته، فالفقه الإسلامي هي فقه صميم، من عمل الفقهاء، والصياغة الفقهية فيه، وكذلك أساليب التفكير القانوني واضحة ظاهرة.. وهو صفحة خالدة فى سجل الفقه العالمي.. وإن مشروع دراسة هذا الفقه الإسلامي المجيد والعتيد، في ضوء القانون المقارن، قد أنغرس في نفسي وأصبح جزءًا من حياتي، يكبر معها ولكنه لا يشيب ولا يهرم.. وأنه الأمل المقدس الذي تنطوي عليه جوانحي، ويهفو له قلبي، ولا يبرح ذاكرتي منذ الشباب.. وإذا ما اكتمل لهذا الفقه تطوره، أمكن وقتئذ أن تصبح الثقافة المدنية ثقافة إسلامية.. ويكن عندئذ تحقيق الهدف الذي قصدت إليه، وهو أن يكون للبلاد العربية قانون واحد يشتق أساسه من الشريعة الإسلامية".
هذا هو “البيان الإسلامي” للقاضي العادل.. إمام الفقه والقانون.. الدكتور عبد الرازق السنهوري باشا.