ضربة حظ أم رحلة كفاح مقال للدكتور محمد داود باليوم السابع اليوم السابع
الخميس 30 ديسمبر 2010 م كتب الأستاذ الدكتور محمد محمد داود
من أخطر السقطات التى وقع فيها بعض المتدينين المعاصرين أنهم حولوا سنن الله الكونية (الأخذ بالأسباب) إلى أمانى وأحلام فلا يتحرك الواحد من هؤلاء بهمة وجدية نحو الأفضل أو يعمل من أجل تحقيق طموحه.. أو يتحرك لإزالة ما حَلَّ به من فشل أو سلبية، بل يكتفى بأن يتمنى أن يحقق الله له طموحه دون عمل أو اجتهاد، تماما كطالب مستهتر يتمنى أن يفوز بالمركز الأول، وهذا خامل كسول لا يعمل يتمنى الثروة والغنى بضربة حظ..وهكذا وأشد من ذلك نكدًا واستفزازًا أن تجد هذا الخمول الكسول قد انضم لحزب القيل والقال وأهل القيل والقال ساخطون دائمًا على أهل النجاح والتفوق، وهم حريصون على تذكير كل ناجح بسيرته الأولى أيام فقره وضعف حيلته وهوانه على الناس، ولا تستوعب عقول الساخطين ولا تتسع صدورهم لعطاء الله وتوفيقه لهذا المكافح المثابر، بل يرون أنه أخذ فوق حقه وأن الأمر ضربة حظ، وأمنيتهم وسعادتـهم يوم أن تتحول النعمة عن هذا المكافح الناجح ليعود إلى سيرته الأولى من الفقر وضعف الحيلة والهوان على الناس.
وكأنى بك يا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأنت تهدينا وتوضح حقيقة هؤلاء الحاسدين الساخطين على كل نجاح. قال صلى الله عليه وسلم: "إن لنعم الله أعداء" فقالت الصحابة: ومن هم يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله" وإلى هذا المعنى يشير القرآن الكريم، قال الله تعالى:{ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ } النساء/54.
ومن سنن الله الكونية أن جعل النجاح للمجتهد، وجعل الفشل للكسول الخامل، وهذه حقيقة تؤكدها الأديان السماوية فآيات القرآن الكريم تقرر هذه الحقيقة، قال الله تعالى: { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ } فصلت/46. وفى الكتاب المقدس «قال داود لسليمان ابنه: تشدَّد وتشجَّع واعمل، لا تخف ولا ترتعب؛ لأن الرب الإله إلهى معك لا يخذلك، ولا يتركك حتى تكمل كل عمل خدمة بيت الرب». (سفر أخبار الأيام الأول 1/181)،لا يمكن للإنسان العاقل أن يبنى مكانته وعظمته على عيوب الآخرين بل بما يقدم من عطاء وقيمة مضافة ترقى بالحياة حضارة وخلقًا.
وتوفيق الله تعالى حليف المتوكلين عليه وليس المتواكلين، وسبحان الله القائل: { وَمَا تَوْفِيقِى إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} هود/88 والتساؤل الملح هنا: كيف يمكن بناء المستقبل وأخذ دور المشارك فى صنع الحضارة والتقدم العلمى بدلا من موقع استهلاك الحضارة؟! هل باستطاعتنا أن ننتزع مكانًا فى ساحة العلم والحضارة بالأمانى والقيل والقال والرتابة والجمود والبكاء على الأطلال بوصف الهموم والعقبات وما يحيط بنا من
أخطار؟!
إن دخول الحضارة مشروط بالعلم واحترام سنن الله الكونية من الأخذ بالأسباب والعمل والإتقان ومشروط بالحرية الحقيقية والعدالة واحترام الوقت بدلا من العشوائية وأحادية التفكير وغياب الحرية الحقيقية.. وهذه السوءات تغتال وجودنا الحضارى، وفى كل زمن ينقسم الناس فريقين، فريق يعمل، وفريق يتكلم، والذين لا يعلمون لا يسعدهم أن يعمل الآخرون، والكلمة لا يمكن أن تعوض الفعل، والنجاح والتمكين والحضارة ليس صدفة ولا ضربة حظ.. بل رحلة كفاح وقصة نجاح تكون بتوفيق الله تعالى وفضله، والباب مفتوح لكل صادق مخلص، واسألوا الله من فضله.
وما يعقلها إلا العالمون وما يتذكر إلا أولو الألباب