حقيقة التوبة للدكتور سالم عبد الجليل قرآن وسنة
حقيقة التوبة "2"
د.سالم عبدالجليل
الجمهورية الأثنين 7 فبراير 2011 م
لا يخفي ان التوبة التي أمر الله بها المؤمنين هي توبة الإحسان التي تجدد إسلامهم. وتقوي إيمانهم وتصلح ما فسد من أعمالهم وتقوم ما أعوج من تصرفاتهم.
ومادامت الأخطاء واردة - باعتبارنا بشراً - فالأمر بالتوبة قائم وهو في كل وقت علي التعجيل والفور لا التأخير والتراخي وليطمئن كل عاص وليستبشر كل مذنب عنده صدق الإرادة وعزم علي ترك الذنب والاقلاع عن المعصية ان الله تعالي سيقبل توبته قال تعالي: "إنما التوبة علي الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما" سورة النساء: 17 وكل توبة قبل الموت وهي توبة من قريب وكل ذنب يقلع الإنسان عنه فارتكابه جهالة.
وإذا كانت التوبة الصحيحة تمحو ما قبلها فإن هذا لا يعني أن المسلم إذا تاب ينسي ما قدمت يداه لأن هذا من أعظم الظلم كما قال تعالي: "ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه" الكهف: 57 لكنه بعد التوبة يجعل من ماضيه حافزا قوياً علي الاستدراك وإصلاح الأخطاء ويجدد عزمه ويشحذ همته ليكون في يومه أفضل منه في أمسه ويسارع إلي تنفيذ ما عزم عليه من توبة وتصحيح ولا يتمهل لأن الآجال بيد الله وحده.
وإذا علم المسلم أن النبي نفسه وهو المعصوم الذي غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر قد أمر بالتوبة والاستغفار في عدة آيات آخرها عند فتح مكة لما قال الله تعالي له: "إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا" سورة النصر: 1-3 وفي الحديث الذي رواه مسلم يقول رسول الله - صلي الله عليه وسلم - "يا أيها الناس: توبوا إلي الله واستغفروه فإني أتوب في اليوم مئة مرة" ولاشك انها توبة احسان لأنه معصوم من الخطأ فاذا كان هذا حاله - صلي الله عليه وسلم - وهو المعصوم فماذا يكون حال غيره.
وقد يعتقد البعض أن التوبة تكون من التقصير فقط والعاقل هو الذي يدرك انه مهما اجتهد في الطاعة ومهما جد في أداء العبادة فلن يوفيها حقها لذلك جاء في الحديث عن النبي - صلي الله عليه وسلم - انه قال: "لن ينجي أحداً منكم عمله قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته. سددوا وقاربوا واغدوا وروحوا وشيء من الدلجة والقصد القصد تبلغوا" رواه البخاري.
كما انه لابد أن يختلج العبادة خلل ويعتريها نقص تختلف وتتفاوت مراتبه حسب الأشخاص واجتهادهم في أدائها فهو اذن بحاجة إلي أمرين:
الأول: أن يستغفر الله فيسأله الغفران مما أخل أو أنقص في عمله فلابد له هنا من استئناف التوبة.
الثاني: أن يذكر الله عز وجل شكرا علي ما أنعم به عليه من تمام العبادة.
والاقلاع عن المعصية سواء كانت من الكبائر أو من الصغائر بإرادة حرة وليس عن طريق القهر أو العجز والندم والشعور بالحزن والأسف كلما ذكرها والعزم علي عدم العودة للذنب أمور أساسية تعبر عن صدق التائب كما أنها بمثابة العهد الذي يقطعه التائب علي نفسه بعدم الرجوع إلي الذنب وتحول الإرادة من المعصية إلي الطاعة.
وتكون التوبة تامة إذا تحقق معها الاتجاه نحو الطاعة والعمل الصالح. قال تعالي: "ومن تاب وعمل صالحا فانه يتوب إلي الله متابا".
ولا يجوز لعاقل أن يستكثر ذنوبه مهما بلغت أو يستعظم بعضها علي المغفرة إذ مغفرة الله أعظم وليتذكر الجميع قول الله تعالي: "قل يا عبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم" سورة الزمر: 53 ولا تعارض بينها في قوله تعالي: "يغفر الذنوب جميعا" ولم يستثن ذنبا وبين قوله تعالي: "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افتري اثما عظيما" لأن الآية الثانية محمولة علي من مات علي الشرك من غير إحداث توبة.
علي انه يجب أن نلاحظ ان الله تعالي اتبع الآية الأولي بآيتين كأنهما يرسمان المنهج للتائب الصادق فقال سبحانه: "وأنيبوا إلي ربكم واسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لاتنصرون واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون" وهذا يدل علي أن من اتبع هذا النهج في توبته فعاد سريعا إلي ربه وأسلم وجهه له وانقاد لحكمه وشرعه فسوف يقبل الله تعالي توبته مهما عظمت ذنوبه.