إعلام الإحياء الإسلامي ـ د. محمد عمارة
د. محمد عمارة (المصريون) : بتاريخ 30 - 3 - 2009
وغير الجبرتي ـ الذي رفض النموذج الفرنسي في التعامل المنحل مع النساء ـ لمخالفته لمنظومة القيم الإسلامية ـ كان إعلام الإحياء والتجديد الإسلامي سائرين على ذات الطريق ..
فعند رفاعة الطهطاوي (1216 ـ 1290 هـ ـ 1801 ـ 1873م) كانت المرجعية الإسلامية في منظومة القيم حاضرة عندما كتب كتابه الرائد والفذ (المرشد الأمين في تربية البنات والبنين) ليدرس في بواكير المدارس المصرية التي أنشئت لتعليم البنات تعليمًا وطنيًا، بعيدًا عن مدارس الإرساليات التنصيرية.. وهو الكتاب الذي ارتاد فيه الحديث عن "عمل المرأة" وليس فقط "تعليمها".. ورأى فيه أن عمل المرأة سبيل من سبل مكارم الأخلاق!..
وكذلك كان الحال مع ما كتبه الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده (1266 ـ 1323هـ ـ 1849 ـ 1905م) عن تحرير المرأة وإنصافها.. سواء في صحيفة "الوقائع المصرية" أو في "فتاواه" أو في تفسيره للقرآن الكريم ـ وهي الكتابات التي ضمتها (أعماله الكاملة).. والتي أفردنا لها كتاب (الإسلام والمرأة في رأي الإمام محمد عبده)..
وعندما ما كتب قاسم أمين (1279 ـ 1326هـ ـ 1863 ـ 1908م) ما كتب عن تحرير المرأة.. ودارت كبرى معارك الفكر ـ في مصر والعالم الإسلامي ـ أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ـ كانت المرجعية الإسلامية حاضرة وبارزة في الكثير من الكتابات التي أسهمت في ذلك الحوار.. وخاصة تلك التي تمثلت في اجتهادات طلعت حرب باشا (1293 ـ 1360 هـ ـ 1876 ـ 1941م) ومصطفى كامل باشا (1291 ـ 1326 ـ 1874 ـ 1908م) وغيرهم من الكتاب..
فمع مخايلة النموذج الغربي في تحرير المرأة ـ بدرجات متفاوتة ـ عقول قطاع من النخبة العربية والإسلامية.. كانت المرجعية الإسلامية والنموذج الإسلامي لتحرير المرأة حاضرين وحاكمين فيما كتب علماء الإسلام ومفكروه في هذا الموضوع..
وفي الوقت الذي وقع فيه البعض في شرك "الغلو" ـ سواء غلو المبالغة في تصوير قضية المرأة وكأنها قضية القضايا وجماع التقدم والنهوض.. أو غلو المبالغة في إنكار وجود قضية للمرأة أصلا.. فإن قطاعًا عريضًا من علماء الإسلام ومفكريه قد اتخذوا الموقف الوسطي والموقع المتوازن من هذه القضية ـ "الاجتماعية ـ الفكرية" ـ فقرروا أن للمرأة المسلمة والشرقية قضية، لأنها حملت من القيود أكثر مما حمل الرجال، سواء في التاريخ أو في واقعنا الحديث والمعاصر..
وخاصة إبان عصور التراجع لحضارتنا الإسلامية.. كما قرروا أن تحرير المرأة مرهون ومرتبط بتحرير الرجل.. أي بتحرير الإنسان في المجتمع الذي نعيش فيه.. ذلك أن جعل الغرب معركة المرأة ضد الرجل، هو الذي صنع المأساة للمرأة الغربية، التي أرادوا لها التحرر والتحرير..
كما قرر هذا القطاع العريض من علماء الإسلام ومفكريه أن شعارنا في هذه القضية هو : "تحرير المرأة بالإسلام.. وليس تحريرها من الإسلام"!..
والآن.. وقد انحازت أغلبية الأمة ـ رجالا ونساء ـ إلى "الحل الإسلامي" في كل ميادين النهضة ـ ومنها ميدان إنصافي المرأة وتحريرها ـ ومع ظهور عوار النموذج الغربي لتحرير المرأة.. الذي أمعن في الغلو منذ سيادة فكر "ما بعد الحداثة" ـ في ستينيات القرن العشرين ـ بات لازمًا التنبيه على مميزات منهاج الوسطية الإسلامية في تحرير المرأة وإنصافها.. مقارنًا بغلو النموذج الغربي ـ وثمراته المرة ـ في هذا الميدان..