أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـــات، بالضغط هنا.كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
الدعوة لدراسة مقاصد الشريعة دعوة لكيفية الاستفادة من مفاهيم المقاصد في تكوين حقل معرفي يستند لقضايا الواقع ويستفيد منه الدارسون في تناول القضايا الفقهية بمنظور شامل.
بمعنى آخر هى دعوة لكيفية ترتيب القضايا الكلية والجزئية في فقهنا الإسلامي العظيم وفي تراثنا كله وفق سقف معرفي شامل يرتب الأولويات ويراعى الحاجيات ويربط النص بمشكلات العصر وقضاياه ويحرر الدارس بحيث لا يقع أسيرا للجزئيات فينظر إليها مفصولة عن سياقها الزمنى، مفصولة عن الكليات المرتبطة بها، وصلتها بالواقع المعاش منبتة، يحدث الناس عن قضايا لا صلة بينها وبين واقعهم ومن ثم تكون الدنيا كلها بما فيها الزمان والمكان والناس في واد، وصاحبنا في واد آخر ، الأمر الذى يمنح الكارهين لدين الله فرصة مجانية للسخرية من تراثنا والغمز واللمز في منظومتنا الثقافية والفقهية على وجه التحديد، ويفتح الباب للتطاول حتى على الإسلام نفسه تحت دعوى الجمود على النص، ومن ثم يطرحون ثنائية التناقض بين العقل والنص، ويطالبون بضرورة التحرر من قيود النص، والتحرر أيضا من كهنوتية المؤسسات الدينية ورفع الوصاية عن الناس، وإعادة تفسير النص المقدس داخل حقل المتغيرات التاريخية.. ومنح العقل أولوية على النقل واستقلاليته أزاء المنظومة الدينية.. وتحرير النص الديني من مركزيات التراث وهيمنة رجل الدين على مفاتيح النص، وكان أخطر هذه الدعوات هي الدعوة إلى إعادة النظر في شبكة التصورات التى كونها الإسلام عن الله وعن الإنسان وعن الكون...
وهذا الكلام يعني إعادة النظر في مجمل المنظومة الإسلامية كلها عقيدة وشريعة وأخلاقا، باعتبارها صادمة للعقل والمصلحة، ونأسف أن هذا السيل الذى يزحف كالوباء يحتل قدرا كبيرا من الساحة الثقافية، في وطننا العربي.. وأصحابه ودعاته يحتلون مواقع مؤثرة يحتكرونها لدعوتهم، بل ويمنحون الجوائز للمتطاولين على دين الله.
أمام هذا العبث كان لابد أن يكون هنالك رد فعل وقائي يكشف حجم التدليس الذي يمارس من قبل هؤلاء وينصف الحقائق ويرد عن دين الله وعن شريعته افتراءات هو أبرأ ما يكون منها وهي أبعد ما تكون عنه.
ومن ثم أحسن المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في مصر إذ اختار مقاصد الشريعة وقضايا العصر، عنوانا لمؤتمره الثاني والعشرين؛ ليحمي عقول الناس ويوضح الحقائق.
فكثيرا ما يستعمل مصطلح المقاصد تكأة ووسيلة من جانب فئة تحاول جاهدة أن تضع العقل في مقابل النص وتسعى لتكريس هذا الفهم بالمغالطة والتدليس،
وهذه الفئة حاولت أن تزيف وعي الأمة ولا زالت تحاول ، لا عن اجتهاد وعقل يحترم، وإنما عن كراهية لدين الله ولشريعته التي تبدو واضحة جلية في لحن القول حين يكون الحديث عن شرع الله وعن منهج الإسلام.
تلك هي رؤية هؤلاء الذين يصدعون رؤوسنا كل يوم بمقالات عن الحداثة والنهضة، وضرورة التخلص من قيود النص الديني والعمل بمقتضى المصالح والتحرر من أسر التراث.
ومما لاشك فيه أن للمفاهيم دورا كبيرا في رسم الخريطة الثقافية والمعرفية من حيث بناء المنهج الفكري وتحديد النموذج الثقافي المطلوب في كل حقل من حقول المعرفة، وللمصطلحات مولد تاريخي يحدد نشأتها ويجعلها محملة بخصائص الفترة التاريخية التي نشأت فيها. لذلك فإن عالم الأفكار ليس محايدا، لأن الأفكار تحمل تصورات أصحابها عن الإنسان والكون والحياة، وباختلاف المنطلق تختلف الرؤية إلى المصطلح أو المفهوم من حيث المصدر والمعيار وترتيب القيمة التي يحملها هذا المفهوم ضمن الأولويات وتأثيرها في سلوك الناس أفرادا وجماعات وأمما. وهذا أمر يحتاج إلى دراسات متخصصة ومستفيضة تتطلب وقتا وجهدا وكفاءة خاصة ومن ثم فلا يمكن أن يتصدى له إلا المتخصصون، ومن ثم تبطل دعوى أؤلئك الذين يطالبون بشيوعية تفسير النصوص وعدم احتكار التأويل.لأن القضية في أساسها ليست احتكار تفسير أو تأويل بقدر ما هى آليات وأدوات ومؤهلات علمية معينة يجب أن تتوفر فيمن يتصدى لتفسير النصوص، وأظن أن ذلك مطلبا علميا عادلا لاحترام النفس واحترام الحقائق حيث لا يجوز للمرء أن يعرض نفسه لما لا يطيق وما ليس من صميم اختصاصه. واحترام الحقائق حيث توضع الأمور في نصابها ولا يتعرض لتلك الحقائق شرحا وتفصيلا إلا أهل الاختصاص، وإلا حدثت الفوضى وساد الخلل واختلطت الأشياء.
ورحم الله ابن رشد الحفيد الذي قال: "إن النظر في مراد الشارع ومقاصده هو من اختصاص العلماء بحكمة الشرائع، الفضلاء العارفين بالنص الشرعي ومراده، والمهتمين بالحكمة والمقاصد، وبأن الحكمة هي صاحبة الشريعة والأخت الرضيعة لها"
.وهذا أيضا يذكرنا بمقولة الإمام الجويني حين قال: "من لم يتفطن لوقوع المقاصد في الأوامر والنواهي فليس على بصيرة في وضع الشريعة" (1).
ومن فضل الله تعالى أن الإسلام يحمل في قواعده وأصوله من أجهزة المناعة ما يجعله قادرًا على حماية ذاته، والعلم به ينتقل صافيا نقيا من سلف لخلف ومن جيل لجيل عبر علماء عدول كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الجاهلين وانتحال المبطلين وتأويل الغالين" (2).
ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا: إن الآفات الثلاثة المذكورة ـ "( تحريف الجاهلين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الغالين) ـ هي التي عطلت المسيرة الحضارية لشريعتنا الإسلامية الغراء عبر عصور الانحطاط الثقافي والفكري والتبعية الممقوتة والعجز المذل وذلك حين التحقت بلادنا وانسحقت في ثقافة وقوانين الآخرين وقيمهم.
ولذلك فمن الضروري الاهتمام بدراسة المفاهيم وطبيعة العلاقة بينها، وكيف يتكون الحقل المعرفي في علم المقاصد، ومن ثم النسق المعرفي وما هي ضوابطه؟ حتى يمكن للدارسين قراءة علم المقاصد بمنأى عن تحريف الجاهلين، وانتحال المبطلين، وتأويل الغالين.
ولنا مع تلك الفئات وقفات في مقالات قادمة بإذن الله تعالى .