قرآن وسنة
د. عبد الله النجار
أخيراً لقي ربه راضيا مرضيا. وبعد حياة حافلة بالعلم المقترن بجلائل الأعمال العالم الجليل والباحث الكبير والنموذج المعاصر لما يجب أن يكون عليه شخصية العالم المسلم والمفكر المؤمن. المرحوم الدكتور محمد شوقي الفنجري أستاذ الاقتصاد الاسلامي. وعضو مجمع البحوث الاسلامية. ورئيس الجمعية الخيرية التي كان أول رئيس لها الامام الشيخ محمد عبده. والباحث الاسلامي الذي مزج العلم بالعمل. والفكر بالحياة. فكانت كتبه وبحوثه نبراسا يهتدي به في التطبيق العملي لما يؤمن به الباحث في دين الله. وقد خلف من تلك الكتب والبحوث الكثير. حيث كان دائم البحث دائب الكتابة والتأليف لم يترك القلم لحظة. ولم تنفصل قضايا الأمة الاسلامية عن فكره برهة.
لقد حبا الله المرحوم الدكتور شوقي الفنجري شخصية متعددة المزايا كثيرة السجايا مما يجعل حديث أي انسان عنها أمرا عسيرا. والكتابة عن كافة جوانب العطاء في تلك الشخصية أمرا متعذرا. لكن حسب المحب له المقر بفضله المؤمن بما كان يحدوه من صدق التوجه. ونقاء الاخلاص. وصفاء النية. ان يعبر عما يجيش به القلب من محبة لهذا الفقيد العظيم والتقدير الكامل له ولما قدمه لدينه وأمته. فيعطي ذلك التعبير صورة صادقة عنه ويقرب ملامح الخير فيها لمخيلته مما يجعل الاقتداء به أمرا ممكنا لمن لم يكن في وضع قريب من حياة هذا المفكر الكبير ونشاطه. أو كان يعرفه في حياته.
ومن ملامح شخصية المفكر الكبير الدكتور شوقي الفنجري انه لم يكن يحمل غضاضة في قلبه لأحد فقد كان قلبه غير مستعد لذلك الصغار. حيث كانت اهتماماته أجل وأكبر. حتي أولئك الذين اختلفوا معه في بعض أفكاره. لم يحمل عليهم. ولم يضمر شرا لهم. لأنه لم يكن يعرف الالفة الخير والتسامح. بل كان يعاملهم من منطلق ما يظنه فيهم من العلم الصحيح والرغبة الأكيدة في خدمة الدين والأمة. وكان مناضلا صلدا لا تلين له قناة. ولا بكل المتابعة في الأمور المتعلقة بمصلحة الأمة واعلاء كلمة الدين. ولو قدم اقتراحا لتبني جهات الافتاء أو التوجيه الديني العام وجهة معينة في عمل الخير أو التطبيق المعاصر للزكاة. ولم يلق هذا المقترح موافقة. فانه يستمر في دراسته. ويلح في اعادة عرضه أو تنقيحه بما يتواءم وتحقيق المصالح المنشودة عند المختلفين عليه. حتي يجد طريقه للتنفيذ. ولم يقعده المرض اللعين عن جهاده الكبير في سبيل تلك المباديء الاسلامية. فكان يقهره بجهاده في سبيل الله وانتصاره لما يراه من القضايا نافعا للصالح العام. لقد قدر أهمية الوقف وقيمته في حياة الأمة. وكان يود أن يتم تغيير قانون الوقف مما يستوعب مستجدات العصر. وتطور الحياة حتي يكون دوره فعالا فيها. وسعي كثيرا وبدأب لتشكيل لجنة تتولي تنقيح القانون وتجهيزه ليكون علي مستوي ذلك الشأن الاسلامي العام. لكن العمر لم يمهله حتي يري ذلك المشروع. لكن حسبه انه قد بدأ. وان النهاية قادمة. والثمرة دائبة. وانه سيكون له حظ وافر منها. لقد مات المناضل الكبير. صاحب الارادة الصلبة والعزيمة الصلدة. بعد عمر طويل حافل بالجهاد والصبر والاخلاص والعمل. فخلف وراءه وقف الفنجري لرعاية البحث الفقهي وطلاب العلم. وخلف ما وصلت إليه الجمعية الخيرية من ثراء ونماء. وخلف ذكرا حسنا سوف يظل خالدا إلي يوم الدين. رحم الله الدكتور شوقي الفنجري وجزاه عما قدم لدينه وأمته خير الجزاء.
جريدة الجمهورية 20 يوليو 2010 م